كاريكاتير

آراء وأفكار 2013/09/28 10:01:00 م

كاريكاتير




كاريكاتير

























إذا سلّمنا بأن الديمقراطية بمفهومها العام تتسع لتشمل كل مناحي الحياة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ،فانه من الصعب بمكان ان يدعي احد تطبيقها بشكلها المثالي حتى في ما يسمى بدول الرفاهية كأميركا ودول أوروبا برغم ان هذا لا يعني إلغاء وجود عدد من صورها في هذه الدول التي قطعت شوطاً كبيراً ومتقدما في هذا المجال .. في نفس الوقت الذي لا نتفق فيه مع الدعوات التي تتهم الاشتراكية العلمية كنظرية من مضمونها الديمقراطي الذي تعرض للاستلاب في تطبيقات غلب عليها القمع وتقييد الحريات ورفض النقد بحجة حماية التجارب الاشتراكية من أعدائها ، وهو ما عرضها لهزات انتهت بانهيار هذا المعسكر بالشكل المعروف عليه في تسعينات القرن الماضي .وفي خضم النضال الإنساني الطويل من اجل الديمقراطية منذ بزوغ أول تطبيقاتها في أثينا قبل  الميلاد بحوالي خمسة قرون ، شهد العالم أنواعا من الديمقراطيات ، خاصة في تاريخنا المعاصر ، منها الديمقراطية الليبرالية والديمقراطية الاشتراكية والديمقراطية الاجتماعية ،التي تلتقي وتشترك في عنوان كبير واحد هو العمل على تحقيق كرامة الإنسان وحقوقه في جميع المجالات وإن مقياس ديمقراطية أي نظام تتحدد بمقدار إيفائه بالتزاماته تجاه شعبه و حرصه على حقوقهم المدنية والسياسية وضمان مشاركتهم الفعلية في صنع القرار . ليس  هنالك في العالم نموذج ديمقراطي لم يتعرض للنقد بما فيه الليبرالي بأبهى صوره مجسداً بالنموذج الأميركي الداعي إلى حرية الفرد وعدم تدخل الدولة إلا في القضايا السياسية  وهو ما تم التراجع عنه إبان الأزمة المالية الكبيرة التي تعرض لها النظام الرأسمالي حيث ساد شعور بعدم إمكانية إلغاء دور الدولة نهائياً ولكن بحدود التفويض الممنوح لها من الشعب بموجب الدستور والقوانين السارية ، أي وضع ضوابط لهذه التدخل يحافظ على روح وجوهر الديمقراطية من خلال دور المواطن وتعزيز وتقوية الرأي العام وحرية الإعلام وتقوية دور منظمات المجتمع المدني   . أما الديمقراطية الاجتماعية المولودة من رحم الفكر الليبرالي فقد (نشأت  في منتصف القرن التاسع عشر بسبب تزايد أزمات المجتمعات القائمة على الديمقراطية الليبرالية ،وكان من أول من نادى بها فرديناند لاسال الذي كتب بحثاً عام 1846 حث فيه على تضامن المصالح والمشاركة والتبادل النفعي ، وتلاه جون ستيوارت وجماعات الاشتراكيين الفابيين الذين دعوا إلى تحسين أحوال العمال والمساواة في فرص التعليم .. ) .
ما نريد أن نخلص إليه من هذه المقدمة إلى ان العالم سبقنا بأشواط سواء ما كان يسمى الرأسمالي الذي اختار الليبرالية كخيار أو الاشتراكي الذي انهارت منظومته جراء أخطاء جسيمة  من ابرزها تشويه الجوهر الديمقراطي للاشتراكية وروحها، غير ان كلا المنظومتين الرأسمالية أو الاشتراكية  مع الفارق الكبير بينهما، تركتا إرثاً فكرياً وثقافياً ومؤسسات مدنية يمكنهما من تحقيق خطوات باتجاه متقدم نحو الديمقراطية وبحسب ظروف كل منهما ، أما نحن في المجتمعات العربية فقد كنا وما زلنا نسبح في بحر الشعارات والتنظيرات الزائفة  من دون جدية أو إيمان بها. واذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلاً إلى سنوات الخمسينات والستينات وحتى السبعينات من القرن الماضي عندما كانت تصنف الأنظمة الحاكمة إلى رجعية مرتبطة بمنظومة الرأسمالية أو ما كان يسمى التقدمية المحسوبة على اليسار بمختلف تنوعاته .. اذا عدنا بالذاكرة الى كل تلك السنوات نجد ببساطة ان جميع الأنظمة  من دون استثناء ، بما فيها من كان يدعي اختياره طريقه الخاص ، كانت تابعة ومقلدة لهذا الفكر او ذاك ظاهرياً لكنها في حقيقة الأمر متخلفة عن منطلقات أي فكر إنساني وعاجزة عن اللحاق به لأنها اصلاً لا تؤمن بغير استلام السلطة كهدف وغاية  ولا تعترف بغير ما تؤمن به ,لذا فان واقعنا العربي لم يفرز لنا غير أنظمة استبدادية بامتياز ، سواء تلك التي كانت تصنف سياسياً في إطار الأنظمة الرجعية أو غيرها التي جاءت على وفق بيان رقم واحد .. أنظمة بوليسية وفاسدة حتى النخاع إدارياً وسياسياً وثقافياً ، عرقلت نضوج أي فكرة لبناء الدولة المدنية الحديثة .
كان الكثير من المفكرين يدعو إلى التوجه نحو دولة مؤسسات بدلاً من دولة الحاكم الأسطورة الذي بيده كل شيء ، وهي مشكلة لازمت واقعنا وترتبط بثقافة القبيلة والبداوة ، التي تجاوزها الفكر الغربي منذ قرون ، فالحاكم عندنا كان وما زال هو كل شيء  ويجب على الشعب الطاعة انه فوق الدستور والقانون فلا يأتيه الباطل من بين يديه أو خلفه .. هذا النوع من أنظمة الحكم المتعاقبة لعقود طويلة أدى بالنتيجة إلى ضعف مجتمعاتنا وندرة ان لم نقل قلة روح  المبادرة  والخنوع ، وضاعف من سوء الوضع تلك التصفيات للطبقة الوسطى ، المحرك الأساس لتقدم ونهوض أي مجتمع وتقدمه ..كانت أنظمتنا تغرقنا بالشعارات في حين كنا في واقع الأمر مهزومين من الداخل  ونحس بالهوة الكبيرة بيننا وبين العالم ، فكان لابد ان نبحث عن إنسانيتنا التي سلبتنا إياها الأنظمة  ونحصل عليها بأي ثمن .فكان أن حصل  التغيير المدوي في العراق من خلال الاحتلال الأميركي في 2003 باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان ، تغييراً دراماتيكياً لا يتناسب وثقافتنا الرافضة لأي تدخل خارجي أو احتلال ..و لم يكن ذلك هيناً على جيل تربى على شعارات الحرية التي فقدها وان الإمبريالية اعلى مراحل الرأسمالية  ، لكنها الضرورة التي تبيح المحظور شئنا أو أبينا ..
فما الذي حصل بعد ذلك ؟وما  النتيجة؟
كثيراً ما يوجه النقد واللوم إلى الإدارة الأميركية وتحميلها وحدها مسؤولية تردي الأوضاع في العراق وتغييب الهوية الوطنية وإحلال هويات فرعية طائفية أو إثنية محلها .. متناسين دور الأطراف السياسية العراقية  التي استمرأت أسلوب المحاصصة كسبيل لبقائها على سدة الحكم وحصد الامتيازات  على حساب جوع وحرمان الملايين .
 وبصراحة متناهية نعتقد ان من التبسيط ان لم نقل السذاجة  القول ان هذه الأطراف السياسية عجزت عن بناء نموذج ديمقراطي في العراق يتناسب وأحلامنا ، لأنها في الواقع تعمدت تعطيل أي خطوة باتجاه بنائه .. فاتجهت إلى الابتعاد عن بناء دولة مؤسسات واقتربت من التفرد ومحاولة تقييد الحريات والتلاعب بالانتخابات  وعرقلت  تشريع القوانين ولم يعد للعدل والمساواة من معنى في ضوء ما نعيشه من فساد ونهب للمال العام وافتعال الأزمات وهيمنة المفسدين ..  باختصار إننا بتنا لانعرف على أي مسار أو نهج تتجه طبقة السياسيين فلا هي ليبرالية ولا هي إسلامية ولا هي علمانية  فقد تجاوزت كل النظريات   على طريق ابتكار نوع آخر يعتمد التزييف وليس سواه.. ما نعيشه حالة تخبط سياسي واقتصادي فظيع فقد شوهت عن عمد مبادئ الديمقراطية وأضاعت علينا فرصاً كبيرة للتقدم ، لذلك تعلو أصواتنا دائما للتغيير لأننا نخشى ان يضيع ما تبقى من أحلامنا .. نعم نخشى فهل من يسمع ؟!! لا نظن .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top