اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > أميركا والإسلام السياسي

أميركا والإسلام السياسي

نشر في: 4 أكتوبر, 2013: 10:01 م

منذ ان تأسست اميركا كان شعارها الوحيد (أميركا أولا وليذهب الآخرون الى الجحيم) والمتصفح لتاريخ امريكا منذ كولومبس وحتى يومنا هذا سيجد ان سجلها حافل بالاحداث والحروب والمفاجئات والمؤامرات على الشعوب وخاصة الشعوب الفقيرة وبلدان العالم الثالث، امريكا قائ

منذ ان تأسست اميركا كان شعارها الوحيد (أميركا أولا وليذهب الآخرون الى الجحيم) والمتصفح لتاريخ امريكا منذ كولومبس وحتى يومنا هذا سيجد ان سجلها حافل بالاحداث والحروب والمفاجئات والمؤامرات على الشعوب وخاصة الشعوب الفقيرة وبلدان العالم الثالث، امريكا قائدة للنظام الرأسمالي في العالم، هذا النظام الاقتصادي الذي يقوم على اكتاف المؤسسات المالية والشركات الصناعية العملاقة وتنمية الرأسمال وتحقيق الارباح المجنونة والبحث الدائم عن الموارد الطبيعية والبشرية من اجل ادامة ماكنتها الانتاجية.. امريكا ومنذ اللحظة الاولى كانت تمثل الاصولية الدينية للاقوام الوافدة اليها ليس في الحياة الاجتماعية فقط بل وفي طبيعة الانظمة السياسية القائمة، لقد اجترحت قوانينها الاقتصادية والحياتية من النصوص الدينية اليهودية والمسيحية والتي كانت مهيمنة على مشاعر الناس وسلوكهم منذ اللحظة الاولى للتأسيس وحتى يومنا هذا، فقانون فائض القيمة (العمود الفقري للرأسمالية) أُخذ من قانون الربى اليهودي ونظام العولمة (السوق الكونية) اوصت به الديانة المسيحية، من هذا نستطيع القول ان المجتمع الامريكي مجتمع ديني بامتياز وعلاقاته الباطنية مشربة بالقيم والمُثل الدينية لكن ظاهره يبرز قيما وعلاقات مغايرة ترتبط مع مفاهيم الحرية والديمقراطية والليبرالية التي تعتبر عناوين فاقعة للنظام الراسمالي والعالم المتحضر الجديد، لذا لا غرابة حين تمتزج خطابات الرؤوساء الامريكان السياسية بالايات والبراهين الدينية كما حصل مع الرئيس بوش الابن في حربه على العراق حين قال بان هذه الحرب هي امر رباني لا مفر منه وان الله قد اختاره، دون باقي البشر، لتنفيذه.. هو صادق فيما يقول وعقيدته الدينية التي تنتمي الى ما يسمى (الانجيليون الجدد) تفرض عليه ان يخوض هذه الحرب من اجل تحقيق غايات تاريخية بشرت بها الديانتان اليهودية والمسيحية..ان الحروب التي تخوضها امريكا والعالم الغربي الراسمالي في الشرق الاوسط الاسلامي الغني بالثروات من اجل تامين مصالحها الاقتصادية والنفطية، هذه الحروب ظاهرها حضاري ديمقراطي،لتخليص هذه الشعوب من الانظمة الدكتاتورية وشرورها ومن ترساناتها النووية والكيمياوية المهددة للسلم العالمي ولأمن اسرائيل كما حصل في افغانستان والعراق وتونس وليبيا ومصر وسوريا وكل البلدان الاسلامية التي تغلي شعوبها من بطش حكامها واستبدادهم، وباطنها ديني أصولي توقظ جمر الاحقاد المستعرة في القرون الوسطى والحروب الصليبية وتنكأ جراحا طائفية لم تندمل بعد..لقد انهارت الشيوعية في العالم مع انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي وسقط من حساب الراسمالية الدُ اعدائها وهو النظام الاشتراكي ودارت الارض دوراتها على نظام القطب الواحد فاتجهت بوصلتها نحو الشرق حيث الاعداء التاريخيين حتى ان الشعوب لم تلتقط انفاسها من صدمة انهيار المنظومة الاشتراكية لتوعز امريكا الى عملائها لخلق بؤرة توتر في الشرق الاسلامي من خلال احتلال العراق للكويت واشعال المنطقة بالحروب والفتن وما صاحبه من سيناريوهات معدة مسبقا من اجل خلق تغيير دراماتيكي شامل وتحطيم كل البنى التحتية والمرتكزات القيمية والصناعية وخلق نظام سياسي هش يفرز بمرور الوقت قيما اجتماعية ودينية واخلاقية هجينة تساهم بتقويض الحاضر والغاء المستقبل واشاعة الفوضى والتخلف والجهل تُسهل على الاخرين قيادته وتوجيه انماط تفكيره وتربية مشاعره الحسية والدينية بما ينسجم مع رغباتها وتطلعاتها.

لقد قامت امريكا باحتلال العراق عام 2003 والقضاء على نظام صدام حسين الدكتاتوري وشروره لينعم العراقيون بـ(الديمقراطية) والتي كانت مترهلة على اجسادهم وعملت على خلق طبقة منتقاة من الساسة الاسلاميين الاصوليين ومن سياسيي الصدفة كي يستحوذوا على السلطة بحجة ان الانتخابات قد اوصلتهم الى الحكم وان الشعب هو من اختارهم فحصل ما حصل من قتل جماعي للشعب العراقي على يد الارهابيين واستشرى الفساد ودق اسفين الطائفية بين ابناء الشعب الواحد وضربت الفوضى مفاصل الحياة كافة واصيب الشعب العراقي بخيبة الامل فالتغيير الذي بشرت به امريكا لم يجن منه الشعب سوى الويلات والالام والشاخص من الوطن ذاهب الى زوال والاسلام دينه الحنيف وعنوانه وهويته شوهه المتطرفون وحرفوه ببدعهم، فالقتل والسرقة والتخريب تتم بتاويلاتهم وتخرصاتهم المريضة للنص القرآني واعموا بصيرة الناس واصموا آذانهم بالصراخ والزعيق عن الحلال والحرام والجنة والنار والكافر والمؤمن فلم يعد المواطن يعرف شيئا وانكفأ على نفسه يجتر حيرته وخذلانه ولم يعد يعرف الحق من الباطل.
لقد تنبهت الشعوب العربية الى ما حصل في العراق من تراجع ونكوص فاخذت زمام التغيير بيدها وابتدات الشرارة حين احرق محمد بو عزيزي التونسي نفسه فكانت الصرخة التي احرقت عروش الدكتاتوريين العتاة، لقد كانت في طليعة الجماهير القوى المدنية والديمقراطية والفئات والطبقات المسحوقة صاحبة المصلحة الحقيقية في حياة حرة كريمة وامتدت السن الثورة الى كل المنطقة العربية وتحررت ارادات الشعوب وذاب جبل جليد الخوف الذي كان يعشش في النفوس منذ قرون، تهاوت عروش الطغاة في تونس وليبيا ومصر وكان الشباب المثقف الواعي هو من يرسم خرائط التغيير وصدروهم عارية امام رصاص اجهزة امن السلطات الجائرة، كل هذه الاشواط قد قطعت وقوى واحزاب الاسلام السياسي كانت تقف في هذه البلدان ضد هذه الثورات التحررية ويصفون قادتها بالعمالة والخيانة فهم يعتبرون الحاكم وان كان جائرا ولي امرهم ويجب اطاعته مهما كلف الامر،كما لم يتم الايعاز لهم بعد من قبل اسيادهم كي يدخلوا حلبة الصراع، لكنهم حين شعروا بالانظمة الدكتاتورية تتهاوى الواحد تلو الاخر وانهم فقدوا اولياء نعمتهم الحكام المتجبرين ظهروا في المقدمة وتعالى نعيقهم وكأنهم محرري هذه البلدان وعمدوا الى سرقة الثورات وتسجيلها باسمائهم ولا يخلو الامر من تنسيق بينهم وبين الامريكان والقوى الغربية ورجالاتهم في المنطقة كي يكونوا الورثة الشرعيين لكل الانظمة الزائلة،فما ان تهاوى زين العابدين بن علي حتى ظهر الى السطح حزب النهضة والقوى السلفية الاسلامية وهُمش القادة الحقيقيون للثورة وابتدا الخراب الحقيقي والفوضى العارمة وانهارت المنظومات الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والاخلاقية واصبح حاضر ومستقبل تونس على كف عفريت وكل يوم يمر وهؤلاء في السلطة فان تونس تُقذف الى المجهول، هذا الوضع يتطابق مع ما حصل في ليبيا فالاسلام السياسي المتطرف سوف يجهز على كل ما هو قائم فيها، حتى ان القوى المدنية والديمقراطية وقفت مكتوفة الايدي امام شراسة الفصائل الاسلامية وهي مدججة بالقتل والخراب والتدمير.. لقد انتبه المصريون الى هذا الامر فقد تسلق الاخوان المسلمون السلطة بقدرة قادر وبعون من حلفائهم الاسرائيليين والامريكان والبلدان الغربية وفي عام واحد اذاقوا مصر ما لم تذقه عبر عمرها الطويل والذي يصل الى سبعة الاف عام فانتفض الشعب ومعه المؤسسة العسكرية واوقفا الاخوان عند حدهم لانهما عرفا اللعبة ومن يقف وراءها فلم يعد خافيا على احد ان امريكا واسرائيل والعالم الغربي يقف مع قوى الاسلام السياسي من اجل تدمير هذه البلدان وارجاعها الى عصور التدهور والانحطاط،ما زالت امريكا وحلفاؤها يقفون حائرين امام ما جرى في مصر فهذه ثورة حقيقية على كل مخططاتهم ومسمار يدق في نعش المخطط الصهيوني الغربي والمصريون متأهبون كل حين لمواجهة السخط الامريكي والحلم المجنون لتدمير هذا البلد، يكفي المواطن العربي ان يتامل ما يجري في سوريا فقد وقفت امريكا والغرب مع تنظيم القاعدة والفصائل الاسلامية المسلحة البشعة من اجل اسقاط نظام بشار الاسد الدموي لا حبا بالشعب السوري ولكنهم على يقين بان من سينجز الخراب ما بعد الاسد، وعلى اتم وجه،هم فصائل الاسلام السياسي السوري فهؤلاء بلا منهج وبلا حياة والجنة التي يوعدون الناس بها سيتقاسمونها مع شركائهم الامريكان (اليهود والمسيحيون) هناك في السماء..
انها اصولية دينية واحدة سواء في الغرب ام في الشرق و(رب) هؤلاء السياسيين واحد وغنيمتهم واحدة هي الشعوب الفقيرة وفي القسمة الدينية وحساب البيدر والحاصل فان الاسلام السياسي سوف لن يحصل على شيء فهو معول بيد الغرب يهدمون به المجتمعات ويقوضون به ركائز الدين الاسلامي الحنيف فيصبح المواطن لا حول ولا قوة تائها في ارض الله الشاسعة ولا يجد امامه سوى قبلة الغرب بتطوره الهائل و(ربه) الرحيم الذي يستحق العبادة والتبجيل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل

مقالات ذات صلة

قلب بغداد والمسؤولية الاجتماعية: الدرس الذي تعلمنا إياه رابطة المصارف الخاصة

خالد مطلك غالبًا ما يُنظر إلى المركز التقليدي للمدينة القديمة على أنه الوصي الشرعي على هويتها المعمارية، ويجسد القيم التاريخية والجمالية والثقافية. لذلك فأن عملية إحياء المباني القديمة داخل مجال محدد يحتل موقع النواة، يعد أمر بالغ الأهمية في الحفاظ على استمرارية هذه الهوية. فمن الناحية الأكاديمية، يمكن فهم هكذا مبادرات من خلال عدسة "إعادة […]
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram