نادي الكتاب يناقش انتفاضة 1991.. ما لها وما عليها

نادي الكتاب يناقش انتفاضة 1991.. ما لها وما عليها

الانتفاضة لا يمكن أن يحيط بها أحد حتى لو كانت الإحاطة لمدينة واحدة ،لأن ما حصل فيها الكثير وما صاحبها الكثير من الهنات والعواطف والأيديولوجيات .وإن ما أردت قوله هو معرفة الحقيقة التي أراد الكثير إزاحتها إلى جوانب أخرى.
بهذه الكلمات بدأ الباحث والإعلامي والخطيب عبد الهادي البابي في الحديث عن كتابه (ملحمة الانتفاضة في مدينة كربلاء عام 1991م) ،الذي جاء تحت عنوان ( الانتفاضة ما لها وما عليها ) .وقد بدأها أولا مقدّم الأمسية الأديب علي لفتة سعيد بقوله: هل كانت الانتفاضة محض محاولة للتخلص من الخوف أو الجوع أو الحروب أم هي ثورة لتغيير النظام؟ وهل كانت هي بداية الانطلاقة لكي يتحرك الشعب . وتساءل هل كانت الانتفاضة حركة تاريخية استفاد منها الشعب العرقي أم أنها انتهت بقمعها من النظام؟ وزاد أيضا : هل اصبح تاريخ الانتفاضة مجرد ذاكرة بسبب تشعب من تسلق عليها ومن ادعى بطولاتها..وأفاد أننا بحاجة للحديث بشكل صريح عن كل وقائعنا وحوادثنا الماضية مهما كانت الصراحة مؤلمة وغير مستساغة للبعض ، لأننا بصدد تأسيس وتنظير مرحلة من مراحل النقد لكل ماعشناه وألفناه وخضنا فيه وتعودنا عليه ..لكي نستفيد من كل تجاربنا البيضاء والسوداء الناجحة والفاشلة وهو السبيل الوحيد لبلوغ أهدافنا في بناء الإنسان وبناء دولة الإنسان..نريد حوارا خاليا من العاطفة ونتعلم فيه دروس الحوار بحرية وبلا خوف.
بعدها تحدث البابي عن كتابه بقوله: رغم أني أعترف ومعي الكثيرين بأنه لا يمكن لأحد أن يلم إلماماً كاملاً بأحداث الانتفاضة وتفاصيلها الدقيقة ، ولكن لابد لي من وقفة أثبت فيها وجهة نظري وأسترجع فيها الأحداث التي مضت لأنني واحد من المئات الذين عاشوا لحظاتها العصيبة والتي تركت آثاراً لا تمحى اختلطت فيها نشوة الانتصار على نظام البعث المباد بدموع ودماء الشيوخ والشباب والنساء والأطفال ...ويضيف: إن الكتابة في موضوع الانتفاضة وأحداثها يجب أن تكون منطلقا من واقعها وأحداثها ، فالكتابة عن أحداث عشناها ساعة بساعة يجب أن تكون هادئة ومحايدة وغير (منفعلة أو عاطفية) من دون أي تأثير ، فنحن نرى بأن الحديث يدور الآن عن كل شيء مضى خلال السنوات الأربعين من حكم الطاغية وحزبه الفاشي ، ولكننا نرى تجاهلاً غريباً في الحديث عن فترة الانتفاضة ! إذ لم يعمد أحد إلى توثيق هذه الأحداث رغم مرور أكثر من سبع عشر سنة من أحداثها ، والشيء المؤسف حقاً هو أن الكثير من التيارات السياسية والدينية التي ظهرت على الساحة العراقية بعد السقوط احتكرت وجيرت هذه الحركة لصالحها من دون أن يكون لها أدنى دور أو ارتباط..وعدّ البابي الانتفاضة بأنها امتداد وجزء لا يتجزأ من المسار التاريخي (الانفعالي) للثورات الشيعية عبر التاريخ بدأت بثورة التوابين الفاشلة وانتهت بالصدام مع الأمريكيين عام 2006 .وكانت هذه الانتفاضة مغيبة من الإعلام حتى على العراقيين بسبب عدم وجود أجهزة اتصالات حديثة أو فضائيات تنقل الأحداث كما يحصل الآن ، وبالتالي غاب التوثيق الحقيقي لها مما جعلها عرضة لتأويلات عديدة ولبطولات زائفة لدى الكثير من الأشخاص والمؤسسات والجهات..ويؤكد أيضا..أنه ماكان هناك أي ترابط وتنسيق بين المجموعات الجهادية في مدينة كربلاء وغيرها وصار البعض ممن يعرف كيف يتسلق أن يقول أنه قائدها ومفجرها وهذا محض افتراء لأن كل منطقة كانت تعمل لنفسها ولا تعلم ما يحصل في المناطق والأحياء الأخرى ..ويؤكد البابي أن هناك من تجاوز على الانتفاضة وعمل على إخراجها من سياقها الوطني إلى السياق الأيديولوجي من خلال رفع شعارات طائفية ومذهبية ، وهذه هي التي مكنت النظام السابق من إنهائها وقمعها وهو أيضا ما جعل الانتفاضة تفشل ،وهذا الفشل أراد الكثير من الشخصيات أن تكون لصالحهم بركوبهم موجة الخطابات العاطفية في حين تراجع الثوار إلى مراتب أخرى . وأفاد أن سبب الفشل أيضاً هو عمليات السلب والنهب والفوضى وحالات الانتقام وتصفية الثارات لأن الأمن قد فقد ومؤسسات الدولة قد انهارت في تلك الأيام بشكل كامل وهو للأسف كما يقول لم يستفد منه السياسيون الآن في أخذ الدروس والعبر من أجل عدم الوقوع في الأخطاء التي تؤدي إلى الاحتقان الشعبي الذي يؤدي بدوره إلى الاحتراب والفوضى والخراب والمآسي التي عانى الشعب العراقي من جرائها الويلات والويلات.
وشهدت الأمسية العديد من المداخلات التي تباينت فيها الرؤى..فقد قال القاص علاء مشذوب ، ان الانتفاضة كانت ثورة وكان الجيش يقمع الشعب وهو ما يحصل الآن وكان على السياسيين الذين استفادوا من هذه الانتفاضة ان يكونوا على قدر المسؤولية وألا يتركوا الأمر لسوء التقدير.
فيما تداخلت عضو مجلس المحافظة بشرى حسن عاشور بقولها ان المحاضرة كانت توثيقية ونحن بحاجة إلى تحليل ولكن غاب على المحاضر دور المرأة في الانتفاضة التي كانت مساندة للرجل بجدية فيها وتحملت الكثير من الأعباء ،وهو ما أكده البابي من انه أفرد لها صفحات في كتابه ولم ينسها..وتضيف عاشور ،الانتفاضة لم تنتكس ولكن حصلت فيها هفوات وسلبيات وهي أعطت درسا للنظام المباد من أن هناك من يقول له (لا) ،وتؤكد ان الانتفاضة لم تكن إسلامية بل هي ثورة شعبية لأن كل الشعب اشترك فيها.
وتساءل الناشط السياسي حميد الهلالي في مداخلته ان كانت الانتفاضة قد أسست لأحداث ما بعد عام 2003 وهل تمكنت القوى السياسية من توظيف حقيقي للانتفاضة في معرفة احتياجات المواطنين . وقال أيضا ان الانتفاضة لم توثق بشكل كامل وهي بحا جة إلى دراسة وتوثيق صادق.
فيما قال أيضا الناشط علي غزيوي من أن السياسي نتاج مجتمعه وهو انعكاس لحركة المجتمع ..ويشير إلى ان الانتفاضة شعبية لعدم وجود قيادة لها وأكيد هناك من أراد استغلالها وما حصل هو خذلان لأن النظام تمكن من قمعها لأنها شعبية بحتة ..ويؤكد ان الانتفاضة لها فائدة كبيرة في أنها حركت الساكن الذي كان يخيف حد الموت في سياسات النظام السابق.
وتساءل الشاعر ميثم العتابي عن أسباب تسمية الانتفاضة ب وليست انتفاضة آذار خاصة وان كل التاريخ العراقي الحديث يسجل بالتاريخ الميلادي كثورة العشرين وحركة مايس وثورة 14 تموز..وأضاف ان ما قام به البابي هو جهد شخصي في حين يحتاج الأمر إلى جهد مؤسساتي رغم ان الخوف من هذه المؤسسات لأنها سوف تجنح بالحقيقة إلى جانبها..مشيرا إلى ان العمل العراقي في تلك الأيام انطلق من الجهد الأيديولوجي وليس من الشارع.
الشاعر عادل الصويري قال ان هناك سلوكيات خاطئة رافقت الانتفاضة وهو امر يحصل مع كل الثورات رغم ان هذه السلوكيات تقتل الثورات بكل تأكيد ولكن الناس لها ردة فعل لما انتفضت من أجله . وقال ان الانتفاضة لم تأكل أبناءها كما يقال على الثورات لأنها اصلا لم تنجح ومع ذلك فهي عراقية وعلينا ان نفخر بها لأنها كانت البداية لكل ما نحن فيه.
أما الناشط عدنان الكريطي فقد وصف الانتفاضة بأنها كانت منظمة جزئيا وعلى الآخرين ألا يبخسوا حقها..مشيرا إلى ان الانتفاضة في المدينة بدأت من بيتهم وانطلقت إلى المدينة كلها ولكن هناك من سرق الجهود وتبوّأ المراكز وتاجر بالشعارات ودعا الكتاب والمؤرخين إلى الوقوف على الحقيقة من الذين شاركوا فعليا وليس من خلال التوجهات الحزبية.
أما الشاعر هاشم موسى فقال ان الانتفاضة كانت مهمة في حياة العراقيين وأضاف ان هناك من يريد ان يكتب عن الانتفاضة ولكن المشكلة في كيفية الكتابة والخوف من طريقة الكتابة.
وقال الشاعر حسين الدايني ان الهتافات الأيديولوجية قتلت الانتفاضة و حولتها إلى شعارات انتقامية.
أما الباحث خليل الشافعي فقال:ما قاله البابي يعد جهدا ميدانيا يجمح إلى التجسيد وهو ليس جهدا فكريا لكنه أرّخ بشكل كبير لمرحلة من مراحل العراق ووضع نقاطا على الحروف. وأضاف :ليس هناك انتفاضة وصلت إلى السلطة لأنها تتحرك في مجال اجتماعي وبطريقة عفوية كرد فعل لمعاناتهم ولهذا عندما يختل التوازن بين التذمر والدولة فانه سيحصل حراك وهو ما يعني ليس هناك أيديولوجيات على الحركة ويكون السياسي حينها متلقياً للحدث وليس فاعلا فيه ولكنه يفرض ذاته على الحدث وهو ما حصل في الانتفاضة وبعدها.
واختتم الأديب جاسم عاصي المداخلات بقوله: الانتفاضة بحاجة إلى دراسة لأنها ظاهرة تستحق الدروس من جهة بإيجابايتها وكي لا تكرر سلبياتها من خلال وضع الحلول و إقامة علاقة بين الانتفاضة من جهة والثورات السابقة لكي نصل إلى نتائج..ومن ثم وضع السؤال : ماذا عن الانتفاضة هل فشلت أم نجحت ،وهو ما سيجرنا إلى ما نحن عليه الآن.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top