الخلاف الدائر في «لجنة الخمسين لإعداد التعديلات الدستورية» داخل لجنة نظام الحكم بين عدد من أعضاء هذه اللجنة الفرعية وممثل القوات المسلحة في اللجنة «اللواء محمد مجد الدين بركات واللواء ماهر مناع مهيب جادالحق»، حول المواد الخاصة بالقوات المسلحة في مشروع الدستور الجديد، ومناقشة نقاط الخلاف في اجتماع عقد بين عضوين في المجلس الأعلى للقوات المسلحة «اللواء ممدوح شاهين واللواء محمد العصار» ورئيس لجنة الخمسين «عمرو موسى» ومقرر لجنة نظام الحكم، والحديث عن عقد لقاء بين عمرو موسى والفريق الأول عبدالفتاح السيسي.. يشير بوضوح إلى الدور الذي لعبته وماتزال القوات المسلحة في حكم مصر.
فالقوات المسلحة المصرية كانت شريكة في حكم مصر بشكل مباشر، وغير مباشر، منذ قام تنظيم الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952 بإسقاط النظام القائم في البلاد وتولي التنظيم قيادة القوات المسلحة ثم عزل الملك في 26 يوليو وإلغاء النظام الملكي في 18 يونيو 1953، وتولي «مجلس قيادة الثورة» حكم البلاد حتى صدور دستور 23 يونيو 1956.
ومنذ إعلان الجمهورية تولى رئاسة الدولة عسكريون بدءا باللواء محمد نجيب الذي عين رئيسا للجمهورية حتى تم إعفاؤه - عقب أزمة مارس 1954 - مرورا بجمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك، فالمشير محمد حسين طنطاوي من 11 فبراير 2011 وحتى 30 يونيو 2012.
وتولى ضباط من مجلس قيادة الثورة ومن تنظيم الضباط الأحرار وغيرهم مناصب وزارية رئيسية، وعين كثيرون منهم رؤساء مجالس إدارات شركات القطاع العام ومحافظين وسفراء لمصر في الخارج.
وقامت القوات المسلحة بحكم مصر بصورة مباشرة مرتين، من يوليو 1952 وحتى يونيو 1956، ومن 11 فبراير 2011 حتى 30 يونيو 2012، ومع ذلك فلم يتم النص على أي دور للقوات المسلحة في حكم البلاد في الدساتير المختلفة، فاكتفى دستور 1956 بالنص على أن «القوات المسلحة في الجمهورية المصرية ملك للشعب ومهمتها حماية سيادة البلاد وسلامة أراضيها وأمنها (مادة 169) والدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلحة ولا يجوز لأية هيئة أو جماعة إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية (مادة 170)..» وتكاد تتكرر هذه المواد بحذافيرها في دستور 1964 (مادة 146) ودستور 1971 (مادة 180)، وإن كانت هناك مادة إضافية في دستور 1956 نصت على جواز تعيين القائد العام للقوات المسلحة وزيرا للحربية (مادة 171)، ونصت مادة أخرى في دستور 1971 على أن ينظم القانون القضاء العسكري ويبين اختصاصه في حدود المبادئ الواردة في الدستور.
وخالف الدستور الإخواني - السلفي هذا المنهج فلجأ إلى النص في دستور 2012 في المواد 194 و195 و197 و198، على أن «يكون للقوات المسلحة مجلس أعلى على النحو الذي ينظمه القانون، ووزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعين من بين ضباطها»، وأضافت لجنة الخبراء العشرة لهذا النص «بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة» وأنشئ مجلس الدفاع الوطني ونص على أن «يتولى رئيس الجمهورية رئاسته، ويضم في عضويته رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب والشورى، ووزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية ورئيس المخابرات العامة ورئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة وصرح إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، ويختص بالنظر في الشؤون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها، ومناقشة موازنة القوات المسلحة، ويجب أخذ رأيه في مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة..».
وأضافت لجنة الخبراء العشرة لهذا النص «وتدرج «الموازنة» رقما واحدا في الموازنة العامة للدولة»، والمادة الأخيرة خاصة بالقضاء العسكري وتنص على أن «القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها، ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة، ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكري الأخرى..».
وهكذا تمت لأول مرة «دسترة» الدور السياسي للقوات المسلحة في حكم البلاد.
وتنصبّ الاعتراضات على هذه المواد في ثلاث نقاط هامة.
> الأولى تتعلق بالنص على موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تعيين وزير الدفاع، والجمع بين منصب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع، فمثل هذه النصوص مفهومة ومقبولة في ظل نظام الحزب الواحد، أما في ظل التعددية الحزبية فالأغلب الفصل بين منصب وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، وكثيرا ما يكون وزير الدفاع مدنيا وليس عسكريا، ويستحيل أن يكون تعيين وزير الدفاع معلقا على موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
> الثانية تتعلق بتشكيل مجلس الدفاع الوطني من أغلبية من العسكريين (8) مقابل 7 من المدنيين، والنص على أن ينفرد هذا المجلس بمناقشة موازنة القوات المسلحة التي تدرج رقما واحدا في الموازنة العامة للدولة، فبهذا الوضع تتحول القوات المسلحة إلى سلطة وليس مؤسسة سيادية جزءا من السلطة التنفيذية، والقول إن مثل هذه النصوص موجود في القضاء سواء بالنسبة للمجلس «مجلس القضاء الأعلى» وموازنته تدرج رقما واحدا في الموازنة العامة بتجاهل حقيقة أن القضاء إحدى السلطات الثلاثة، والقوات المسلحة ليست كذلك ويجب ألا تكون.
> الثالثة تتعلق بالنص الخاص بالقضاء العسكري الذي ترك الباب مواربا لمحاكمة مدنيين أمام القضاء العسكري، أي أمام قضاء استثنائي غير طبيعي بالنسبية للمدنيين، وكان المفروض في رأي غالبية أعضاء اللجنة النص على عدم محاكمة أي مدني أمام القضاء العسكري، بينما رأى البعض تقييد هذا الحق بحيث لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في حالة اعتدائه على منشآت عسكرية.
ومسؤولية لجنة الخمسين مجتمعة - عندما تنقل إليها كافة المواد التي نوقشت في اللجان الفرعية - أن تنحاز بقوة لمدنية الدولة ولقيام القوات المسلحة بدورها الوطني في الحفاظ على الأراضي المصري وأمن الوطن والمواطنين، وعدم قيامها بأي دور في حكم البلاد.
اترك تعليقك