1 (( أبحث عمن يؤنس وحدتي و يرفعني من الجب إحساس بالعزلة يطبق عليّ لقد تأخّروا ما بالهم تأخروا ؟ لا شك أن المطر و البرد عاقهم ، إنهم لم يتخلوا عني ، لن يفعلوا ذلك ، و هم بلا ريب ، في طريقهم إليّ ، لا بد من الانتظار 0 أجل س
1
(( أبحث عمن يؤنس وحدتي و يرفعني من الجب
إحساس بالعزلة يطبق عليّ
لقد تأخّروا
ما بالهم تأخروا ؟ لا شك أن المطر و البرد عاقهم ، إنهم لم يتخلوا عني ، لن يفعلوا ذلك ، و هم بلا ريب ، في طريقهم إليّ ، لا بد من الانتظار 0
أجل سأنتظر )) ، من رواية : ( ميسو بوتاميا ) 0
جاء في إحدى الدراسات المهمة التي تناولت نتاجات القاصة والروائية ابتسام عبدالله الآتي :
تعود أهمية المكان في فضاء الكتابة الأدبية بصورة عامة والكتابة الروائية بصورة خاصة إلى كونه معمارا" يضمن تماسك النص من حيث بنائه إلى جانب علاقته مع عناصر النص الأخرى (زمن ، شخصية ، رؤية . . ) فالمكان وإغناؤه و تأصيله ، هو من المحاور الأساسية التي تدور حولها نظرية الأدب ،إذ نراه في الآونة الأخيرة لم يعد مجرد خلفية تقع فيها الأحداث الدرامية و لم يعد معادلاً كيانيا" للشخصية الروائية ، بل أصبح ينظر إليه على أنه معمار رئيس تستنطق به و معه عناصر العمل القصصي ، إذ غدا المكان في نصوص ( الرواية الجديدة ) قوة تحدِّد طبيعة و اتجاه النص الروائي 0
و يبدو أن المكان أوسع من كونه حيزاً جغرافياً ،فهو امتداد غير متناهٍ ينطوي على الحيز و يوازي الفضاء سعة ،و لذلك كان المكان ، هو الموضوع الذي رغبنا في أن نكتب فيه و عنه ، من خلال اختيار روايات القاصّة ( ابتسام عبد الله ) 0
أما سبب اختيارنا روايات (ابتسام عبد الله) للدراسة فذلك يعود لأسباب منها :
رغبة منا في دراسة الأدب النسوي العراقي القصصي و التعرف على إبداعات المرأة العراقية في هذا الجانب ، الأسلوب الذي امتازت به الكاتبة ( ابتسام عبد الله ) ،فهو أسلوب حي و واقعي ومعاصر للمألوف في حياتنا ، و من يقرأ رواياتها يشعر بقربه من الواقع المسرود 0
أما السبب الثالث فقد كان في مصطلح ( التأنيث ) الذي اختارته الباحثة عنواناً لبحثها ، إذ تجد في هذه المفردة القريبة من الأنثى رونقاً خاصاً تحمله الأنثى ، فلمسة النساء في الأشياء لها رائحة نفاذة لا يعرفها إلاَّ من شعر بذوقها الرفيع ، و تأنقها في تأنيث المكان ، أينما حلّت و ارتحلت 0
2
السبب الأخير ، هو في قابلية الكاتبة في ولوج تقانات أو أبنية سردية متعددة و متميزة مما يجعلها تقف في عتبة دخول الرواية
العربية المتميزة بسردياتها ، إذاً هذه الأسباب دفعتني لاختيار بحثي الذي حمل عنوان ( تأنيث الأمكنة في روايات ابتسام عبدالله ) 0
و من الدراسة الآنفة ، أستطيع القول إن ابتسام عبدالله ، تتدثر بالصمت في حرمة الإبداع المنزوي بعيدا" عن صخب الشهرة والتعارف ، لا تسلم بأجواء العلاقات العامة ، بقدر تواصلها مع الهم الإنساني ، عنيدة في مقارعة الآراء المقابلة من دون تجريح ، غزيرة في الإبداع الأدبي ، رواية و قصة و ترجمة ، تغوص في بحر الصحافة المتلاطم من دون التخلي عن نتاجها الإبداعي ، و عند المفاضلة و الاختيار تقول ، أنا كاتبة وحدت نفسها أولا" في الصحافة ، ثم الرواية ، ثم القصة القصيرة ، أنا مزيج من الصحافة والرواية و القصة ، هذا دون أن أتجاهل عملي الطويل في إعداد وتقديم البرامج التلفزيونية ، قل ابتسام عبد الله و ستجد أن البعض يفضل عملي في التلفزيون ، و البعض الآخر في الصحافة ، و فريق ثالث في الرواية و القصة ، و أنا أجد في المرحلة الحالية الرواية الأقرب لي 0
قبل ثلاثة عقود من الزمن كتبت عن رواية لها ، و في أعقاب كتابتي هذه التقيت بها و قد دار نقاش قصير بيني و بينها عما كتبته و تناولته بعدما اعتقدت أن تناولي كان فيه بعض القسوة ، بيد أني وضحت وجهة نظري في هذا الجانب ، و قد تقبلت توضيحي و في نفس الوقت أصرت على اعتقادها ، و ما أريد قوله في هذه الكتابة أن ابتسام عبدالله وجدتها بعد عودتي إلى الوطن من منفى امتد إلى ما يقارب الربع قرن ، كاتبة أكثر عنفوانا" وغزارة في الكتابة الروائية و القصصية و الترجمة ، إلى جانب عملها في الصحافة 0
هذه الكاتبة في أعمالها القصصية و الروائية و حسبما التقطه النقاد ، ذات سمات خاصة تشي بالمرأة داخلها ، و تقدم الرجل على مائدتها برؤية أخرى ، تنتمي إلى فن روائي راق ، أكثر من انتمائها إلى الصراخ الذي تنتهجه بعض الكاتبات العربيات ، بحثا" عن دور يبدو أنه لم يولد بعد ، انهمكت في الوسط الثقافي العربي على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، حفرت خلاله موضعها بصبر و أناة ، و هي بالتالي امرأة و كاتبة من صنف متفرد في الإخلاص و الانتماء لذاتها أولا" ، فبرغم كل ما تعانيه كأديبة ما تزال تصر على البقاء في بغداد ، فهي تكتب و تتواصل مع حركة الإنجاز الإبداعي بروح نبيلة و نقية 0
و عندما تسألها عن حالة التأمل و الصمت التي تعيشها كأسلوب حياتي و ذاتي ، و هل هذه الحالة تتمثل أو تتجسد في أعمالها ؟
3
تقول ، من خلال الرواية أتأمل أعماق الإنسان و انفعالاته وأحاسيسه المختلفة ، و أشعر في خلال فترة الكتابة بأنني أفعل
شيئا"، و أخلق على الورق شخصيات تبدو غريبة بالنسبة لي في بادئ الأمر ، و لكنني بعد أسابيع و أشهر أتعرف على دقائق
حياتها و أتعايش معها بمودة حتى أنتهي منها و أتخلى عنها تدريجيا" 0
ابتسام عبدالله تنأى عن المقارنات بين الجنسين و لا تحبذها ، وكذلك عن شهرة الأسماء في التقييم و التقديم و إعطاء الأفضلية بقولها ، لا أحب مقارنتي بأية كاتبة بل مع الأدباء من الجنسين ، ففي المسابقات الأدبية مثلا" لا يتم اختيار أفضل كتاب على أساس جنس الكاتب بل لأفضلية الكتاب 0
كما أنها لا تميل إلى تصنيفات الأدب من على شاكلة أدب نسوي وأدب ذكوري عندما تشير إلى ، أن هناك سمات خاصة لأدب المرأة فهي تختار موضوعات تدل عليها أحيانا"، لكن ذلك لايعني حصرها في تلك التسمية ، ذلك ان القضايا الإنسانية واحدة ويمكن تناولها من قبل الرجل والمرأة معا" ، كما يمكن للرجل الكتابة عن أحاسيس المرأة ، يمكن للمرأة الكتابة عن الحرب أو العنف و ماشابه 0
المرأة إنسان و ليس مجرد مخلوق جميل . . ، و أنا لا أحب النظر إلى المرأة من خلال مظهرها و جسدها بل أستنكر بشدة استخدامها كرمز للإيحاء الجسدي و أفضّل صيانتها 0
وفي أحاديثها و أجوبتها لهذا السائل أو ذاك تشكو الكاتبة جانب محن و مشاكل الأديب العراقي بالقول ، مشكلة الرواية العراقية تتركز في إغلاق أبواب النشر والتوزيع أمامها ، إذ ابتلي الكاتب العراقي خلال العقود القديمة بحروب و حصار و مازالت سدود وحواجز عالية تحول بينه و بين الانتشار عربيا" و عالميا" إذ لا يحصل على تأشيرة دخول الأقطار العربية بسهولة ، بل انه شبه ممنوع من ذلك حتى و إن كان ينوي حضور مؤتمر ما مثلا" 0
إن الحس الإبداعي يتوازى مع الحس الإنساني لدى هذه الكاتبة المبدعة و الأثيرة إلى نفوس من يعرفونها عن قرب أو كثب أو على تماس كانوا معها في يوم ما ، و لها الكثير من المواقف الإنسانية والمبدئية ، حتى أنها في إحدى وقفاتها المشهودة ، كادت أن تعرّض حياتها للخطر ، عندما دانت علنا" مشهدا" بربريا" في حقبة النظام السابق ، و بهذا التطويع الإنسانوي الصارخ للمرأى الحي ّ، انتقلت من الهاجس المضموم ، إلى الموقف الإبداعي المجسد و المنتفض مع الهم المعاش و المتداعي ! 0
و لهذا ، ففي إحدى الندوات التي أقامتها ( مؤسسة حوار العرب ) في بيروت في العام 2006 ، بشأن النتاج الأدبي العراقي ، تحدثت بإسهاب عن ابتسام عبدالله و عالية طالب ، حتى اعتقد الحضور
4
أني قريب لهما ، بيد أني نوّهت بأن قربي هذا ( حسبما تتصورونه ) مستمد من إبداعهما و إنسانيتهما ، لأن الإبداع يخلقه الإنسان
، و بالتالي لا إبداع" من دون الإنسان ! 0
هذا جانب في مرآة الكاتبة ابتسام عبدالله التي تنوء بحمل الإبداع و بصبر المتأملة في شواطئ الروح ، تأمل في هذا المدى المتسع في الغوص إلى الأعماق ، تارة تطفو على سطح الأمل والتشبث ، و تارة أخرى تغرق في استكشاف البواطن ، ربما تصعد سريعا" ، و ربما أيضا" تستكين في الانزواء ، شوقا" إلى استيلاد خيال ، يرفعها إلى الكتابة من جديد !
إذاً ، ابتسام عبدالله ، للعلم و التذكير ، من جيل امتهن السياسة بشكل طاغ ، حتى غدا نتاجه الأدبي منزويا" و متسترا" وراء هذا الامتهان أو المهنة ، لكنها على عكس هذا الجيل تماثلت و لا أقول تعشقت مع منجزها في القصة و الرواية و التعريب و العمل الإعلامي ، فكانت بحق أديبة من دون سياسة ، أديبة و إنسانة ، وهذا هو أوج الاقتران ! ، بل و المهم أنها تتواصل كشمعة تشتعل من ذوبانها!