أزمة النفط والوباء

آراء وأفكار 2020/03/14 06:43:39 م

أزمة النفط والوباء

 د. أثير ناظم الجاسور

منذ العام 2003 ولغاية اليوم والعراق ساحة للصراع والتنافس بين قوى مختلفة ومتخالفة لا بل كان ولازال أرضاً لتصفية الحسابات هذا بعد أن تمت صناعته من جديد ليكون متأثراً بتلك الصراعات ليصبح نقطة انطلاق لعدم الاستقرار،

فلم تقتصر الصراعات على الغلبة لمن من خلال السلاح والتدخل بالشأن الداخلي والتحكم بمحركات صنع قراره السياسي لا بل حتى في قراره الاقتصادي الذي حولته الولايات المتحدة بعد احتلالها له إلى حقل تجارب تحاول من خلاله أن تطبق جملة من النظريات الاقتصادية التي باءت بالفشل في مناطق مختلفة من العالم، بالنتيجة اعتاد العراق على أن يتأثر بأي أزمة تمر على العالم لا بل تأخذ الأزمة دورها في تعطيل كافة مرافقه حتى تكون عامل أساس بشل كل أنظمته التي اتسمت بالهشاشة بعد أن ادخلت عليه انظمة تعد حديثة من وجهة نظر صانع القرار الامريكي لتعطل كل ما له علاقة بسيطرة الدولة على مرافقه الاقتصادية تحديداً بعد أن كان للدولة المركزية دور كبير في رسم معالمه، وبطبيعة الحال فتناول قضايا حساسة كالتي تمر اليوم على العراق فهي بحاجة إلى الولوج بكل تفاصيلها وحيثياتها والتركيز على كل الجوانب التي قد تكون مؤثرة على قراره الذي يحدد من خلاله الاليات المتبعة في تسيير أعماله.

لم تكتفِ سلطة الاحتلال من تدمير بنية الدولة السياسية والامنية بل ساهمت ومن خلال الاوامر الصادرة عن الحاكم المدني آنذاك " بول بريمر" في تدمير الصناعة العراقية من خلال تعطيل مختلف الصناعات والتشكيلات المرتبطة بها في سبيل إعطاء الفرصة للشركات الاجنبية والامريكية على وجه الخصوص من أن تتولى إدارة هذا الملف بعد أن تفقد الدولة السيطرة عليه، وهذا بدوره سبب في أن يعتمد العراق على المورد الريعي الوحيد ( النفط) من أن يكون المتحكم في تسيير أمور الدولة المالية، وعليه اعتمد العراق على النفط في تحديد ميزانياته المالية والانفاق الداخلي الذي لم يسلم ايضاً من اوامر الحاكم المدني الذي عمل على أن تكون للشركات النفطية الامريكية حصة في استثماره من خلال ما اسماه " تقاسم الانتاج"، وبالرغم من عدم قدرة تطبيق هذا المبدأ بعد أن ساءت الحالة الامنية في العراق واستحالة دخول الشركات للاستثمار في العراق إلا أن الوضع المالي والحياتي بقي مرهوناً بمقدار سعر برميل النفط عالمياً. 

اليوم يواجه العراق أزمة داخلية تهدد وضعه المالي كدولة والمعيشي للمواطن بعد أن نتج التنافس السعودي الروسي عن عدم الاتفاق حول تخفيض الانتاج فيما يخص الحصص النفطية ولتعلن السعودية انتاج 13 مليون برميل نفطي وبعد أن عجزت أوبك عن تخفيض الانتاج ليتأثر العراق أيضاً بهذا التنافس الذي أصبح واقعاً عليه أن يتقبله ويتعايش معه ويجد له الحلول في سبيل الخروج بأقل الخسائر، فبعد تفشي وباء ( كرونا) كما وصفته منظمة الصحة العالمية بأنه وباءً عالمياً أصبح الاقبال على التجارة ضئيل مما قد يتسبب في خسارة كبيرة للشركات العالمية وللعديد من الدول من بينها العراق الذي كما قلنا اعتمد اعتماداً كبيراً على النفط في تسيير أموره المالية والمعيشية، وسيساهم هذا الانخفاض المستمر بحدوث ازمة مالية كبيرة ويعكس هذا مستوى السياسات التي تم اتباعها في إدارة ملف النفط والصناعات الاخرى التي كان من الممكن ان تساعد على تحمل هكذا صدمات اقتصادية، العراق اليوم حدد موازنته بواقع 56 دولار للبرميل بواقع تصدير 3 ملايين برميل في اليوم بفارق عجز بين 50 – 75 كما يذكره خبراء الاقتصاد، وبالرغم من التطمينات التي أطلقتها الحكومة فيما يخص الـ ( 4 مليارات) الخاصة بمرتبات الموظفين والمتقاعدين إلا أن هذا الحال بالضرورة سيؤثر على الوضع المالي بشكل عام خصوصاً وإن الانخفاض كما يضع له خبراء الاقتصاد سيصل إلى أقل من 30 دولاراً مما سيظهر اختلالات واضحة في السياسة المالية، وهذا إن دل فيدل على أن اعتماد اقرار الموازنة المبنية على سعر برميل النفط فقط هو بحد ذاته عجز كبير في صنع السياسة المالية والاقتصادية للبلاد من أن تكون هناك صناعة حقيقية وساندة تساهم في تعزيز القدرة المالية العراقية.

بالنتيجة لم يبق أمام صانع القرار السياسي والاقتصادي العراقي سوى المراهنة على عامل الوقت في أن يسعفه للخلاص من هذه الأزمة التي تهدد وجوده بعد أن اتضح عجزه عن ايجاد البدائل التي تساعده على في رسم سياسة اقتصادية متوازنة ومرنة تساهم في امتصاص الصدمات، فهو ضليع باللعب على عامل الوقت والانتظار كي لا يتضرر هو من جراء الأخطاء التي اقترفها طيلة هذه السنوات التي اثبتت وبالدليل على أنه غير قادر على أن يكون متفاعلاً مع الأزمات والاوضاع الدولية والاقليمية وغير قادر على تحليل النتائج والخروج بحلول علمية ومنطقية.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top