كلمة وفاء لـ «المدى»

آراء وأفكار 2022/08/03 10:56:41 م

كلمة وفاء لـ «المدى»

 لاهاي عبد الحسين

لعلها واحدة من المناسبات العزيزة على نفسي أنْ أكتب كلمة في «المدى»، المؤسسة الثقافية الشمولية الوطنية العراقية في ذكرى انطلاقتها. فقد ظهرت «المدى» بالنسبة لي بصيغة صحيفة عراقية من بين عشرات الصحف الأخرى بعد 2003.

ولكنّها سرعان ما تميزت ليس بايقونتها المميزة وطباعتها وشكلها وإنّما بمضمونها الفكري الوطني التقدمي والمهني بامتياز. فقد حفلت “المدى”، بالنسبة إلى القارئ المثقف والملم بما يهمه بحيادية عالية واهتمام متواصل ومسؤول بالشأن العراقي. كان يهمنا أنْ نقرأ عنّا ومنّا وهذا ما وجدناه فيها. لم تكتف “المدى” بالكلمة المكتوبة بل توسعت لتعلن عن “المدى بيتنا» في شارع الثقافة والمثقفين العراقي، المتنبي الذي صار هو الآخر ايقونة يقصدها زوار الشارع لما حفل به من نشاطات صباح الجمعة شملت مختلف الجوانب الثقافية العامة والفنية والاحتفاء بشخصيات أسهمت في نهضة وبناء العراق غفل كثيرون حقيقة اسهاماتها. فكان لـ “المدى” فضل التذكير والتذكر والإحياء والإنعاش للذاكرة الفردية والخزين المجتمعي. وازدانت “المدى”، بزوايا عمل عليها كادرها المتفرغ الكفوء بصيغة مرئية ومسموعة كما في زاوية، “كتاب في دقيقة” للأستاذ علي حسين، رئيس التحرير الحالي، نستمع فيها إلى قراءات مستفيضة يقدم فيها لأحدث ما يصدر من كتب وروايات مهمة صدرت عن “المدى” وغيرها من دور النشر العراقية والعربية. وزاوية “كلاكيت” للأستاذ علاء المفرجي مسؤول الصفحة الثقافية يشاركنا فيها بآرائه المتخصصة بالفن والفنانين وأحدث الأفلام السينمائية بنظرة فنية ثاقبة وعالِمة. وزاوية “فرد حچاية” الممتعة في حكايات بغداد وعلمائها وفنانيها ومثقفيها للأستاذ رفعت عبد الرزاق. لم تتوقف “المدى” عند هذا الحد بل فتحت أبوابها لنشر وإعادة نشر أعمال كثيرة تنوعت ما بين الدراسة والمقالة والقصة والرواية المؤلفة والمترجمة على السواء. فكان أنْ قدمت فرصة ممتازة للقارئ المهتم للحصول على أعمال مختلف المفكرين والفلاسفة والباحثين على الأصعدة العراقية والعربية والدولية. وفتحت “المدى” الباب واسعاً لتبني الرسائل والأطروحات الجامعية الصالحة للنشر بعد التحقق من مصداقيتها وأهليتها من خلال ما أطلق عليه “الباب العالي” بإدارة الدكتورة غادة العاملي. وبذلك وفرت «المدى» فرصة أخرى مهمة عجزت عن تقديمها مؤسسات أكاديمية تملك في خزانتها جيشاً من المشتغلين بالقياس إلى العدد المحدود من الموظفين القليلين الذين يعملون في عهدة “المدى” وإدارتها.

وبرغم الظروف الصعبة التي مرّ بها البلد فقد دأبت “المدى” بكادرها المهني على الحضور والمواجهة والإصرار على دور الاعلام الوطني المهني بجهود لم تخل من مواجهات معقدة وحتى خطيرة. لذلك فالمديونية لـ “المدى”، تأخذ بنظري بعدين هما البعد المهني العام، والبعد الأخلاقي والأدبي. كسبنا من الأول ما يغطي بالبحث والاستطلاع ما يهمنا كقراء ومتابعين، وكسبنا من الثاني التفاعل الاجتماعي المباشر بأشخاص يضعون للحقيقة المهنية معايير يتقنون احترامها والمحافظة على نزاهتها.

بالنسبة لي شخصياً فقد كتبت أكثر من (160) مقالة منذ تعرفت على “المدى” عام 2012 بفترات متقطعة وجدت طريقها للنشر في مختلف الميادين ذات الاهتمام بالشأن الاجتماعي والسياسي العراقي العام. هذا إلى جانب نشر أربعة أعمال رئيسية كان في مقدمتها ترجمتي لأطروحة الدكتوراه للدكتور علي الوردي والتي كانت بعنوان، “تحليلات اجتماعية لنظرية ابن خلدون: دراسة في علم اجتماع المعرفة”، وترجمتي لكتاب عالم الأنثروبولوجيا النرويجي عن اللغة الإنكليزية توماس إيركسون، “القومية والعرقية: وجهات نظر أنثروبولوجية”، وكتاب “نساء عراقيات”، وكتاب “دراسات اجتماعية من العراق”. ولا زلت أشعر بأنّ “المدى” بيتي وداري بقدر تعلق الأمر بأي عمل توفره الفرصة والظروف العامة المناسبة للعمل.

لطالما عانت الصحافة العراقية من القطع والتوقف والإيقاف لأسباب غالباً ما كانت سياسية نتيجة ارتباط الصحيفة بهذا النظام أو ذاك أو بهذه الكتلة والحزب أو ذاك. كل ما أتمناه لمؤسسة “المدى” أنْ تبقى رهينة قضيتها ورسالتها التي يقوم عليها رجال ونساء أخلصوا لعملهم وترفعوا عن المصالح الخاصة والغايات الضيقة لتسجل للتاريخ أننا شعب لا يتخلف عن ركب زمانه. لا مثالية لدينا ولا نؤمن بحيادية مطلقة لا وجود لها في عالم متنازع ولكننا أصحاب رسالة عراقية خالصة. نختلف ولا نعادي. نتفق ولا نتبع، والسلام.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top