TOP

جريدة المدى > سياسية > العراق يعاني فوضى سياسته الخارجية

العراق يعاني فوضى سياسته الخارجية

نشر في: 19 أكتوبر, 2012: 06:37 م

الانقسام السياسي في العراق يعيق قدرته على التأثير في الاحداث الاقليمية و لا سيما في سوريا المجاورة، بسبب عدم امتلاكه لسياسة خارجية وطنية. الانقسام  بين النخبة الحاكمة على مدى العقد الماضي لم يسمح بتوفر نهج موحد تجاه العلاقات الدولية للبلد – النهج الذي كان يمكن ان يحمي العراق من ان يصبح ملعبا للقوى الخارجية- مما كان له عواقب كارثية على استقراره السياسي و الأمني. تلك العواقب لها دلالاتها الخاصة اليوم، فالصراع في سوريا قد وضع العراق في موقف محوري بين ايران و سوريا من جهة كما انه يحادد تركيا من جهة اخرى، مما  يمكنّه اما في  مساعدة جهود انهاء نظام حكم الاسد او تعقيد تلك الجهود. منذ الانسحاب الاميركي في العام الماضي، اصبح العراق دوليا اكثر حزما تحت قيادة رئيس الوزراء المالكي الذي اشترى توا اسلحة روسية بقيمة 4.2 مليار دولار مما يشكل تحديا للولايات المتحدة و قلقا للكرد  الذين يخشون من استخدام تلك الاسلحة ضدهم يوما ما. لكن بالرغم من هذا الحزم، فان قدرة العراق على التأثير في الاحداث الاقليمية و  الحفاظ على مصالحه الوطنية تواجه معوقات تتمثل بعمليته السياسية المنقسمة التي تسيطر عليها بعض الفصائل القوية نسبيا و الافراد. فمن جانب، اصبح العراق قناة يتم من خلالها اسناد نظام الاسد و تزويده بالسلاح و المال و في بعض الاحيان بالمقاتلين على الاخص من ايران. و من جانب آخر يخشى المالكي و حلفاؤه المدعومون من ايران  من ان يشكل الاسلاميون  في سوريا تهديدا لهم عبر الحدود. لذا فقد اصبحت جهود العراق في طليعة الجهود الرامية الى الحفاظ على نظام الاسد و مركزا لحرب الإنابة في سوريا بين المحور السني لتركيا و السعودية و دول الخليج و بين المحور الشيعي لإيران و العراق و حزب الله. مع هذا، و بسبب انعكاس الانقسامات الاقليمية داخل العراق فان المعسكر المؤيد للاسد في العراق- رغم بذله الجهود للحفاظ على النظام – يجد ان جهوده تتقوض على يد منافسيه من عرب العراق السنة (المدعومين من تركيا و العالم العربي) و الكرد الذين يستفيدون من مزيج  العلاقات الودية مع الولايات المتحدة و تركيا و ايران بسبب استقلالهم و استقرارهم على عكس بقية اجزاء العراق. فعلى سبيل المثال و لشدة فزع المالكي، فان حكومة اقليم كردستان تستمر بتدريب المقاتلين الكرد من السوريين المعارضين للاسد على يد قوات البيشمركة من اجل تهيئة كرد سوريا لملء فراغ السلطة في سوريا بالاضافة الى تأسيس اقليم كردي سوري. ان اقليم كردستان العراق يسيطر على نقطة عبور حدودية مهمة على الحدود السورية استطاع من خلالها الولوج الى المناطق السورية. هذه النقطة مهمة جدا لدرجة جعلت المالكي – ربما بأمر من ايران – يرسل مؤخرا وحدات من الجيش العراقي للسيطرة عليها، مهددا بإشعال حرب اهلية بين الكرد و العرب، الا ان هذه الوحدات اوقفت من قبل القوات الكردية التي اجبرتها على التراجع.بنفس الشكل، ارسلت المحافظات  ذات الاغلبية السنية الواقعة على الحدود السورية مقاتلين الى سوريا للانضمام الى الانتفاضة.
المشكلة لا تكمن  بكاملها في تشكيلة العراق، فالافتقار الى الأمن – الذي تفاقم بسبب دول الجوار التي سمحت بتدفق الارهابيين الى العراق بعد الاجتياح الاميركي – اعاق نضوج الدولة مما سمح لدول الجوار الاقليمية باستغلال البلد بسبب  موقعه الستراتيجي المهم و موارده الغنية و انقسامه الطائفي الاثني على حساب مصالح العراق الوطنية و جهوده في تطوير سياسة خارجية متماسكة. مع كل هذا، فان عدم الاستقرار الواسع في المنطقة اليوم يعني بان هذه الدول المجاورة "الصارمة" تجد ان سياستها و استقرارها على المحك مع استمرار حرب الاستنزاف في سوريا و ان المنطقة تتعامل مع نتائج انتفاضات الربيع العربي.  منذ فترة طويلة و تركيا تشن هجمات عبر الحدود العراقية على اهداف حزب العمال المعارض في كردستان العراق. مع ذلك، فبالإضافة الى سخرية دفاعها عن اراضيها من القصف السوري الذي يستهدف الثوار السوريين، فان ظهور كردستان مستقلة في سوريا يعني ان على تركيا ان تعيد النظر بسياساتها تجاه مواطنيها من الكرد غير المستقرين و خاصة اعضاء حزب العمال الذي يقاتل منذ اربعين عاما و شقيقته منظمة بي واي دي التي سيطرت على المناطق الكردية في سوريا بلا منازع.
ليس للنخبة العراقية نهج واحد موحد في السياسة الخارجية. بغض النظر عن الاقلية من المتنافسين السياسيين في البلاد، فان الاحزاب الكبيرة باغلبيتها تدرك اهمية العلاقات الستراتيجية مع ايران التي لها مخالب متجذرة في معظم الفصائل السياسية. و رغم الجهود المبذولة للتخلص من ذلك فلا زال استرضاء المصالح الايرانية في طليعة نهج السياسة الخارجية للعراق. الدولة العراقية – بعد عشر سنوات تقريبا من الاجتياح الاميركي – لازالت تراوح بين الاحتضار و العدم. يمكن ان يستفيد العراق من موقعه الستراتيجي و موارده الغنية عن طريق تعاظمه على ضعف  جيرانه الإقليميين في حرب الإنابة الجيوسياسية الخطيرة. الا ان طموحات السياسة الخارجية اللامركزية و المتضاربة للجهات السياسية الفاعلة المستقلة في العراق قد سمحت بالتضحية بالمصالح الوطنية الاوسع، لأنها تنظر الى الصراع السوري على انه فرصة لإضعاف المنافسين داخل العراق و ليس خارجه.

 عن: الغارديان البريطانية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

مقالات ذات صلة

«البارتي» يتفوق على أقرب منافسيه «اليكتي» بفارق نحو 400 ألف صوت ويحجز 40 مقعداً
سياسية

«البارتي» يتفوق على أقرب منافسيه «اليكتي» بفارق نحو 400 ألف صوت ويحجز 40 مقعداً

بغداد/ تميم الحسن ينتظر الحزبان الكرديان الرئيسان "تفاهمات جديدة" لتشكيل الحكومة في إقليم كردستان، بعد إعلان النتائج الرسمية لانتخابات البرلمان التي جرت امس الاول الأحد.ولا يتوقع ان تتعطل النتائج، ثَمّ انطلاق المفاوضات السياسية، إذ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram