اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الشعر جملة اعتراضية

الشعر جملة اعتراضية

نشر في: 21 مارس, 2014: 09:01 م

حسب تقديري، هناك نمطان من المفكّرين والمثقفين في العالم العربيّ:
الأول: يُفسِّر ويُحلّل الظواهر والعيوب والهفوات، السياسية والثقافية والاجتماعية، ويجد تأويلات لحضورها. هذا (التفسير) و(التأويل) الضروريّ يبدو أحياناً في عيون قرائه وكأنه تخفيف من وطأتها وتبرير لها. الثاني: يضع تحت الشمس الظواهر المستعصية والعيوب والهفوات، ويَصِفُ فجاجتها وخطورة فعلها الآني وفاعليها. هذا (الوصف) الطريّ القاسي يبدو أحيانا في عيون قرائه وكأنه نسيان لأسباب الظواهر وهجر لتحليلها.
المُفسِّر الهادئ المهيب لا يتعارَض بالضرورة مع الوصّاف محروق القلب.
هذا في النثر أما الشعر فإنه يبدو، بين هذا الطرف وذاك الطرف، وكأنه (جملة اعتراضية) لأنه لا يفًسّر ولا يصف: إنه يفعل فعلاً مغايراً.
ما هي الجملة الاعتراضية؟. هي التي تقع بين شيئين متلازمين، كالمبتدأ والخبر، أو كالفعل والفاعل، أو كالصفة والموصوف، إلى غير ذلك من مواقعها، والغرض من الجملة الاعتراضية هو التوكيد وتقوية الكلام وتحسينه. ويقال لها الجملة المعترضَة، وتتوسط بين أجزاء الجملة المستقلة لتقرير معنى يتعلق بها، أو بأحد أجزائها. نحوياً: لا محلّ لها من الإعراب وليست لها وظيفة نحويّة، ويمكن حذفها دون أن تتأثّر الجملة الحاضنة لها، ولها معنيان رئيسان: الدّعاء والتّفسير.
الشعر جملة اعتراضية لكن لها وظيفة عميقة ولا يمكن حذفها ولا تفسّر شيئاً، وهي ضرورة ماسة. إنها تعقيب على جملة الوجود، وتوقف مستمرّ في تأمل الموجود.
الشعر، بوصفه جملة اعتراضية، يقع من جهته، وبدهاء، بين أمرين متلازمين كالمبتدأ والخبر والفعل والفاعل والصفة والموصوف، لكي يضيء أو يُقلقل أو يكسر العلاقة بينهما. إنه يقوم بخلق نظام جديد مختلف بينهما.
الشعر بهذا الدور الاعتراضي والمعترِض، لا يفعل سوى إرباك أنظمة اللغة المألوفة ويعاود تقليب المستتبّ فيها، ومن داخلها، بصفته هو أيضاً لغة. الشعر لغة وليس شيئاً آخر، لأن فن الشعر لا وجود له خارج اللغة. لهذا السبب لم أفهم البتة طوال حياتي معنى النقد الذي يُوجَّه لبعض الشعر على أنه (شعر لغة). عندما كنتُ أترجمُ شذرات أدبية من الفرنسية تذكرتُ موقف الشاعر العراقيّ فوزي كريم من الشعر الفرنسي الحديث، المُعْلَن مراراً وتكراراً، وآخره في عموده في "المدى" (2013/07/22): "ارتبتُ من الشعر الفرنسي، الذي يبدو لي أقرب إلى شعر اللغة، ومن تأثيراته المفجعة على شعر معاصرينا العرب، وفي لبنان والمغرب العربيّ خاصة..". ولا يبدو لي هذا الأمر دقيقاً، مع بالغ تقديري لعمق وعي فوزي كريم، فالشعر الفرنسيّ منذ مالارميه وحتى الآن، فيه "شعر اللغة" – وهذا مصطلح في غاية الغموض- و"شعر اللا لغة" لكي نجاري المصطلح.
عندما نقول إن الشعر جملة اعتراضية عميقة وضرورية، فإنه لا يقع فقط في (استخدام الكلام) و(الظرف والطرفة) كما هو الحال في تيّار عريض سائد اليوم، ولا يكتفي بـ (الجرأة) الأيروتيكية، كما هو الحال في تيّار نسائيّ سائد اليوم أيضاً.
جملة اعتراضية لا غِنى عنها. قرأتُ جملة جان كوكتو، مثل أبناء جيلي وحفظتها عن ظهر قلب: "الشعر ضرورة وآه لو أعرف لماذا". الآن وجدتُ الجملة الأصلية الأقرب للدقة: "أعرفُ أن الشعر لا غِنى عنه لكني أجهل لأي أمر [لا غنى عنه]". هل لأنه جملة معترضة لا محلّ لها من الإعراب بالمعنى المجازي، ولا وظيفة نحوية لها إذا فُهِمَ النحو على أنه وجه صارخ من وجوه المنطق؟.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram