أوس عزالدين المانع
تعد الشرائح الاجتماعية للطبقة الوسطى أحد العوامل الأساسية المساهمة في خلق الاستقرار السياسي والتوازن الاجتماعي , نظراً لتميزها بمجموعة من الخاصيات الجوهرية التي تمنحها ذلك الدور المتميز , فضلا عن ذلك فإن هذه الطبقة , وفي جميع المجتمعات بصورة عامة تشكل ممرا ضروريا لكل عمليات التحركات الاجتماعية الصاعدة تبعا للشروط والمعايير التي تحددها الطبقات المهيمنة , وبذلك فإنه كلما كانت قاعدة الطبقة الوسطى واسعة رفع ذلك من حظوظ الاستقرار السياسي والتوازن الاجتماعي , لأن ذلك يرمز إلى درجة انفتاح المجتمع , بمعنى توافر فرص الترقية الاجتماعية في السلم الهرمي لبناء المجتمع , سواء تعلق ذلك بالثروة, أو بالنفوذ والجاه , وهي في معظم الأحيان مترابطة مع العلم .
إن إحدى الخاصيات الرئيسية للطبقة الوسطى هي ميلها أن تكون محافظة سياسيا ومتمسكة بأساليب الترقية الاجتماعية القائمة على تثمين الجهد والكفاءة , إضافة إلى تمسكها بالقواعد والمعايير السائدة , وحاجتها الدائمة للاحتماء بالقانون , بالنظر إلى موقعها الوسيط في الهرم الاجتماعي .
وفضلا عن كل ذلك , فإن هذه الطبقة هي أحد العناصر الضرورية لتحقيق الحداثة اقتصاديا وسياسيا , كونها تمتلك المواصفات والمؤهلات المطلوبة لإقامة نظام تسوده المنافسة والشفافية في جميع الحقول , وخاصة في الحقلين الاقتصادي والسياسي , لأنها بمثابة الاحتياطي الجماعي الذي يستمد منه النظام الديمقراطي قوته الذاتية , وبذلك تكون هذه الطبقة الحليف الرئيسي لكل نظام سياسي مستقر يتمتع بسلطة فعلية وله مصداقية لدى المجتمع .
لقد تسارع نمو الطبقات الاجتماعية العراقية منذ نشأة الدولة الوطنية العراقية في العام (( 1921 )) لتبلغ نسبتها ((60% )) في حقبتي الستينات والسبعينات من القرن الماضي , والتي تتكون من المستثمرين المحليين والمقاولين وأصحاب المشاريع الخاصة وموظفي الدولة , ولكن في فترة التسعينات , ونتيجة للحروب الداخلية والخارجية والحصار الاقتصادي والقمع والانكماش وتوقف الاستثمارات المنتجة , فقد عانت الطبقات الاجتماعية الوسطى تدهورا كبيرا , أما بعد العام (( 2003 )) , والتغييرات السياسية في طبيعة السلطة السياسية , فقد زاد تحطم هذه الطبقة وتقلص دورها السياسي وانتشار خيبة الأمل واللامبالاة , وكل ذلك بفعل فوضى الحراك الاجتماعي , وتلاشي معايير الكفاءة والتعليم , التي تمثل أسس تقاليد الطبقة الوسطى .
إن هذه الوضعية جعلت الطبقات الاجتماعية الوسطى في حالة اضطراب قصوى , حيث أن إحياء هذه الطبقات , ولكي تلعب دورا إيجابيا في بناء النظام الديمقراطي الجديد , يتطلب منها العمل المكثف على إنعاش المجال الاقتصادي ودعم القطاع الخاص ودمجه في المشاريع الصناعية والخدمية والزراعية .
إن أبرز التحديات التي تواجه الديمقراطية هي التحالفات والأحزاب والميليشيات , من ناحية , والتكتلات المذهبية والقومية التي تتخندق ضد كل ماهو جميل وجديد وديمقراطي , بما في ذلك بعض الأحزاب التي لا تملك برنامجا سوى العمل ضد الاستقرار وإثارة البغضاء والعنف والعدوان , وسرعان ما امتلأت شوارعنا بالشعارات الوهمية والكاذبة من قبل قوى غايتها الوصول إلى الكراسي واقتناص السلطة على حساب الجماهير .
إن المشروع الديمقراطي في العراق ظل مفهوما إشكاليا مشوشا في الساحة العراقية بالرغم ما كتب عنه , وعند الحديث عن التحديات التي تواجه هذا المشروع ينبغي تعزيز الهوية الوطنية وغرز المسؤولية الوطنية من خلال وضع مقاييس علمية وفقا للمنهج الثابت أو رؤية المجتمع العراقي الذي عانى أزمات كثيرة ومؤلمة , و في مقدمتها الاضطهاد السياسي والفكري والاجتماعي والاقتصادي , والاحتقان الطائفي والقومي , وتمزيق وحدة الشعب العراقي من قبل الأنظمة السياسية التي حكمت العراق , وهذه الحقائق جعلت الحركة الوطنية في العراق ترفض المشاريع التسلطية الدكتاتورية التي اشتدت مطالبتها بمسؤولياتها لبناء نظام سياسي بعيد كل البعد عن التكتلات الإقليمية .