TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الطبقــــات الاجتماعيـــــة الوسطــى والنظام الديمقراطي الجديد

الطبقــــات الاجتماعيـــــة الوسطــى والنظام الديمقراطي الجديد

نشر في: 20 أكتوبر, 2012: 05:01 م

أوس عزالدين المانع

تعد الشرائح الاجتماعية للطبقة الوسطى أحد العوامل الأساسية المساهمة في خلق الاستقرار السياسي والتوازن الاجتماعي , نظراً لتميزها بمجموعة من الخاصيات الجوهرية التي تمنحها ذلك الدور المتميز , فضلا عن ذلك فإن هذه الطبقة , وفي جميع المجتمعات بصورة عامة تشكل ممرا ضروريا لكل عمليات التحركات الاجتماعية الصاعدة  تبعا للشروط والمعايير التي تحددها الطبقات المهيمنة , وبذلك فإنه كلما كانت قاعدة الطبقة الوسطى واسعة   رفع ذلك من حظوظ الاستقرار السياسي والتوازن الاجتماعي , لأن ذلك يرمز إلى درجة انفتاح المجتمع , بمعنى توافر فرص الترقية الاجتماعية في السلم الهرمي لبناء المجتمع , سواء تعلق ذلك بالثروة, أو بالنفوذ والجاه , وهي في معظم الأحيان مترابطة مع العلم .
إن إحدى الخاصيات الرئيسية للطبقة الوسطى هي ميلها أن تكون محافظة سياسيا ومتمسكة بأساليب الترقية الاجتماعية القائمة على تثمين الجهد والكفاءة , إضافة إلى تمسكها بالقواعد والمعايير السائدة , وحاجتها الدائمة للاحتماء بالقانون , بالنظر إلى موقعها الوسيط في الهرم الاجتماعي .
 وفضلا عن كل ذلك ,   فإن هذه الطبقة هي أحد العناصر الضرورية لتحقيق الحداثة اقتصاديا وسياسيا , كونها تمتلك المواصفات والمؤهلات المطلوبة لإقامة نظام تسوده المنافسة والشفافية في جميع الحقول , وخاصة في الحقلين الاقتصادي والسياسي ,  لأنها بمثابة الاحتياطي الجماعي الذي يستمد منه النظام الديمقراطي قوته الذاتية , وبذلك تكون هذه الطبقة الحليف الرئيسي لكل نظام سياسي مستقر يتمتع بسلطة فعلية وله مصداقية لدى المجتمع .
لقد تسارع  نمو الطبقات الاجتماعية العراقية منذ نشأة الدولة الوطنية العراقية في العام ((   1921 )) لتبلغ نسبتها  ((60% )) في حقبتي الستينات والسبعينات من القرن الماضي , والتي تتكون من المستثمرين المحليين والمقاولين وأصحاب المشاريع الخاصة وموظفي الدولة , ولكن في فترة التسعينات , ونتيجة للحروب الداخلية والخارجية والحصار الاقتصادي والقمع والانكماش وتوقف الاستثمارات المنتجة , فقد عانت الطبقات الاجتماعية الوسطى تدهورا كبيرا , أما بعد العام (( 2003 )) , والتغييرات السياسية في طبيعة السلطة السياسية , فقد زاد  تحطم هذه الطبقة وتقلص دورها السياسي وانتشار خيبة الأمل واللامبالاة , وكل ذلك بفعل فوضى الحراك الاجتماعي , وتلاشي معايير الكفاءة والتعليم , التي تمثل أسس تقاليد الطبقة الوسطى .
إن هذه الوضعية جعلت الطبقات الاجتماعية الوسطى في حالة اضطراب قصوى , حيث أن إحياء هذه الطبقات , ولكي تلعب دورا إيجابيا في بناء النظام الديمقراطي الجديد , يتطلب منها العمل المكثف على إنعاش المجال الاقتصادي ودعم القطاع الخاص ودمجه في المشاريع الصناعية والخدمية والزراعية .
إن أبرز التحديات التي تواجه الديمقراطية هي التحالفات والأحزاب والميليشيات , من ناحية , والتكتلات المذهبية والقومية التي تتخندق ضد كل ماهو جميل وجديد وديمقراطي , بما في ذلك بعض الأحزاب التي لا تملك برنامجا سوى العمل ضد الاستقرار وإثارة البغضاء والعنف والعدوان  , وسرعان ما امتلأت شوارعنا بالشعارات الوهمية والكاذبة من قبل قوى غايتها الوصول إلى الكراسي واقتناص السلطة على حساب الجماهير .
إن المشروع الديمقراطي في العراق ظل مفهوما إشكاليا مشوشا في الساحة العراقية بالرغم ما كتب عنه , وعند الحديث عن التحديات التي تواجه هذا المشروع ينبغي تعزيز الهوية الوطنية وغرز المسؤولية الوطنية من خلال وضع مقاييس علمية وفقا للمنهج الثابت أو رؤية المجتمع العراقي الذي عانى أزمات كثيرة ومؤلمة , و في مقدمتها الاضطهاد السياسي والفكري والاجتماعي والاقتصادي , والاحتقان الطائفي والقومي , وتمزيق وحدة الشعب العراقي من قبل الأنظمة السياسية التي حكمت العراق , وهذه الحقائق جعلت الحركة الوطنية في العراق ترفض المشاريع التسلطية الدكتاتورية التي اشتدت مطالبتها بمسؤولياتها لبناء نظام سياسي بعيد كل البعد عن التكتلات الإقليمية .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

سوريا تعلن دمج الوحدات العسكرية كافة ضمن وزارة الدفاع

ريال مدريد يتعاقد مع هويسن

ترامب: سأتصل ببوتين لوقف "حمام الدم"

(المدى) تنشر نص "إعلان بغداد

السوداني يطلق "العهد العربي" للإصلاح الاقتصادي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الطبيب أنور وصاحب "ألوان"

العمود الثامن: الزعيم منزعجاً

العمود الثامن: إخجلوا !!

تفكيك الأمم المتحدة ومنظومة العدالة الدولية..؟

الغاز الإيراني و الفرصة التاريخية

العمود الثامن: إخجلوا !!

 علي حسين يخوض السياسي العراقي، وعذراً على كلمة "سياسي" التي لا تنطبق على 80 بالمئة ممن نشاهدهم على شاشات الفضائيات، معارك من اجل المغانم بحجة انهم تبحروا في علوم السياسة حتى تجاوزوا عميد...
علي حسين

قناطر: قبورنا التي تلتهمنا

طالب عبد العزيز بعيداً عن السردية الدينية التي تؤسس لمقبرة النجف(وادي السلام) يتوجب على الدولة العراقية أنْ تفكر ملياًّ في المساحات الشاسعة من الأرض التي تقضمها المقبرة، إذا ما علمنا بأن 500.000 الف جنازة...
طالب عبد العزيز

الغاز الإيراني و الفرصة التاريخية

ثامر الهيمص نعم الغاز الايراني بات درسا، بل قاسيا وضعنا في حرج شديد ووضع الحليف الامريكي في الاشد انسانيا واخلاقيا. اذ لا زال الغاز الايراني يتدفق باريحية عالية الى تركيا, فبطلت الحجة. وهكذا بلا...
ثامر الهيمص

بيت المنقسم والمعركة المؤجلة: أزمة الشرعية في ظل استحقاق انتخابي مضطرب

محمد علي الحيدري حين تقترب اللحظة الانتخابية، لا تختبر الأنظمة السياسية فقط قدرتها على التنظيم والإدارة، بل تُعرّي أيضًا بنية التفاهمات التي قام عليها التوازن السياسي في مرحلة ما. وفي الحالة الراهنة، يبدو أن...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram