البصرة ظلت مركز خسارات مثيرة طيلة الأسبوع الماضي. لم تغلق القنصلية البريطانية ابوابها هناك وحسب، بل الانباء تتتابع عن رحيل عملاق نفطي كبير هو اكسون موبيل وتخليه عن حقل غرب القرنة الذي تنعكس ألسنة لهبه الازلية على شجرة ابينا آدم آخر رجل يقف على دجلة عند التقاء الانهار الاربعة العظيمة.
النفط الكثير الذي يجري تحت الشجرة الاسطورية في المكان الذي يسميه بحارة الساحل الهندي "جنة عدن" شمال البصرة، ظل يجلب لنا الخسارات، شبيها بما جرته علينا تفاحة آدم. الثمرة التي تحتاج حكمة عميقة وتفسد حين نتسرع ونرتجل.
الموضوع ليس بسيطا بالطريقة التي يتناقلها مؤيدو حكومتنا على فيسبوك قائلين لعملاق الصناعة النفطية: الباب يوسع جمل! فالأشياء المهمة التي تفقدها البصرة والعراق ترحل الى كردستان لتؤشر خللا رهيبا لدينا. محافظ البصرة خلف عبد الصمد وهو حليف بارز لرئيس حكومتنا قال قبل شهور ان رجال الاعمال العراقيين في مدينته مستاؤون من حزمة القرارات التجارية التي تصدرها بغداد وتعقد الاستيراد والتصدير، وهم ينقلون نشاطاتهم الى كردستان. المستثمر يدوخ في العراق بحثا عن قطعة ارض ينشئ عليها مشروعه فيحزم حقائبه نحو السليمانية ليحصل على ارض وتسهيلات واجواء منفتحة على الغرب وضمانات. عملاق النفط هذا لم يفعل اكثر من ذلك. خيره فريق المالكي بين ان يغرف نفطا سهلا من القرنة او ان يستخرج بترولا صعبا من اعماق جبلية محاطة بتحديات رهيبة في اربيل، فاختار جبالهم على ملتقى انهارنا القريبة على البحر. وما حصل مع اكسون يمكن ان يتكرر مع سواها في اي لحظة.
الامر برمته يعني اننا نسيء التعامل مع اصحاب المال والخبرة، ونفقدهم بيسر. الانسان الغربي يدخل كردستان بلا قيود، صحفيا كان او مهندس بترول. اما العاملون في مطار البصرة فإنهم يتحدثون بألم عن مشهد يتكرر يوميا لمعاناة الخبراء والمستثمرين الاجانب الذين ينامون على ارض المطار بسبب قيود الفيزا، ثم يرحلون بغضب نحو كردستان بسبب قيود السياسة.
كيف تضمن لنا بغداد ان سياستها لن تشجع بريتش بتروليوم وشيل وسواها على ترك البصرة؟ ومن قال ان تداعيات القرار هذا ستكون اقتصادية وحسب ولن تتحول الى نقمة دولية على عراق لديه مشاكل كثيرة مع مجلس الامن في ملف الكويت وسوريا وايران دفعة واحدة؟
عمالقة النفط يحتاجون حقول البصرة وكردستان معا ويقولون ان على بغداد تسوية الامر في البرلمان وتشريع قانون النفط والغاز الذي يتأخر منذ عشر سنوات. ما تريده كردستان هو الشراكة في صناعة سياسات النفط، ومرة سألت ساسة البصرة والرمادي وميسان عن رأيهم في المطلب الكردي فقالوا انهم يتفقون مع اربيل على ضرورة ان لا تحتكر بغداد القرارات التي ترسم مصير خزانات البترول الضخمة، لان استشارة المحافظات المنتجة اسلوب ادارة حديث معتمد في الدول التي رضي الله عنها بلا استثناء. وبدل ان يتخلى المالكي عن شهية احتكار النفط فإنه يطرد اكسون موبيل.
ان معظم مآسينا بدأت حين منعنا الغربيين من النفط، ومعظم ازماتنا بدأت حين ابرمنا صفقات الاسلحة. ويبدو ان صفقة العتاد الروسي الذي ادى الى هزيمتنا في آخر ستين عاما، تشجع صانع القرار في بغداد على تناول اكثر من تفاحة ملعونة واستسهال تخريب العلاقات مع الغرب.
النفط ليس بضعة اطنان من الذرة والشلب نريد بيعها لاي دكان، وهذا ما يعلمه رئيس حكومتنا بشكل جيد، فوكالة الطاقة الدولية تقول ان السنوات العشر المقبلة ستكشف ان اي تلكؤ في تطوير حقول العراق سيؤدي الى تلكؤ في نمو الاقتصاد الغربي. ولذلك فإن العالم المتقدم سيشارك في صناعة القرارات المتعلقة بحقل القرنة العملاق سواء اعجب الامر سلطاننا ام لم يعجبه. ولذلك فإن عمالقة النفط حين يواجهون مشكلة ويحزمون حقائبهم فإنهم سيلجؤون الى طرق اخرى لاستعادة موطئ القدم هذا رغما عن اي قرار مرتجل تتخذه بغداد، وقد يتضمن ذلك قسوة حازمة معنا.
ان قسوة الغرب درس رهيب يفترض ان العراقيين استوعبوه. يمكن للغرب ان يحولك الى شريك مدلل ويحميك، لكنه مستعد لجعلك تفقد كل شيء في اسبوع واحد كما يحصل مع جارتنا ايران التي فقدت عشرين بالمائة من ثروتها مطلع الشهر الحالي.
سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي حذر كبار الساسة من تعرض العراق الى عقوبات قاسية بسبب تحالفنا مع ايران وخرقنا للعقوبات المفروضة عليه، فطرده المالكي. اكسون موبيل حذرتنا من اشياء مشابهة داخل ملفات تختلط فيها رائحة الدم والتمر والبترول والتاريخ، فطردناها. اغلقنا قنصلية بريطانيا بألف تصرف اهوج، واشترينا اسلحة كثيرة من روسيا وفتحنا لها قنصلية كبيرة في البصرة. كم دبابة اضافية يحتاج السلطان كي يجرب جرعة غرور اكبر ويرتجل قرارات في شرق اوسط يحترق، لنجد انفسنا فجأة نقضم كل تفاح آدم ونتعرض الى فصل جديد من اللعن الذي مللنا منه؟.
جميع التعليقات 3
ابوحسين الخزعلي
الموضوع ليس السلاح الروسي وانما السياسة الداخلية والخارجية التي توحي بان الانقلاب الابيض على الدستور الديمقراطي الذي هوثمرة اتلغيير واسقاط النظام قادم وبالتالي هل يعقل ان الاموال التي صرفت والضحايا الذين قتلو من الجانبين العراقي والامريكي تذهب سدى
ابو علي الزيدي
ان مايسمى بالساسة هذه الايام قد نسوا من الذي اتى بهم الى السلطه.وللتذكير بان الشركات الغربيه الكبرى هي التي لها المصلحه في تغيير النظم في العالم ورسم سياسة ذلك النضام فاليتذكروا فلقد تعب العراقيون من السياسات الهوجاءالتي اتبعها سلفكم وما آلت من كوارث على
ليث العراقي
1الإستاذ سرمد المحترم.. إسمح لي بملاحظتين فقط 1/ نعم الباب يسع أكثر من جمل !! طالما كان هذا الباب منفذا لدخول المدنية والتطور والصناعة الحديثة والشفافية و التي يخشاها الأسلامويون جميعا ؟؟ ناهيك عن كونها شركات عالمية رصينه لاتلبي تطلعات المسؤولين في ا