اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كم دبابة تحتاج لقضم تفاحة آدم؟

كم دبابة تحتاج لقضم تفاحة آدم؟

نشر في: 20 أكتوبر, 2012: 07:07 م

البصرة ظلت مركز خسارات مثيرة طيلة الأسبوع الماضي. لم تغلق القنصلية البريطانية ابوابها هناك وحسب، بل الانباء تتتابع عن رحيل عملاق نفطي كبير هو اكسون موبيل وتخليه عن حقل غرب القرنة الذي تنعكس ألسنة لهبه الازلية على شجرة ابينا آدم آخر رجل يقف على دجلة عند التقاء الانهار الاربعة العظيمة.

النفط الكثير الذي يجري تحت الشجرة الاسطورية في المكان الذي يسميه بحارة الساحل الهندي "جنة عدن" شمال البصرة، ظل يجلب لنا الخسارات، شبيها بما جرته علينا تفاحة آدم. الثمرة التي تحتاج حكمة عميقة وتفسد حين نتسرع ونرتجل.

الموضوع ليس بسيطا بالطريقة التي يتناقلها مؤيدو حكومتنا على فيسبوك قائلين لعملاق الصناعة النفطية: الباب يوسع جمل! فالأشياء المهمة التي تفقدها البصرة والعراق ترحل الى كردستان لتؤشر خللا رهيبا لدينا. محافظ البصرة خلف عبد الصمد وهو حليف بارز لرئيس حكومتنا قال قبل شهور ان رجال الاعمال العراقيين في مدينته مستاؤون من حزمة القرارات التجارية التي تصدرها بغداد وتعقد الاستيراد والتصدير، وهم ينقلون نشاطاتهم الى كردستان. المستثمر يدوخ في العراق بحثا عن قطعة ارض ينشئ عليها مشروعه فيحزم حقائبه نحو السليمانية ليحصل على ارض وتسهيلات واجواء منفتحة على الغرب وضمانات. عملاق النفط هذا لم يفعل اكثر من ذلك. خيره فريق المالكي بين ان يغرف نفطا سهلا من القرنة او ان يستخرج بترولا صعبا من اعماق جبلية محاطة بتحديات رهيبة في اربيل، فاختار جبالهم على ملتقى انهارنا القريبة على البحر. وما حصل مع اكسون يمكن ان يتكرر مع سواها في اي لحظة.

الامر برمته يعني اننا نسيء التعامل مع اصحاب المال والخبرة، ونفقدهم بيسر. الانسان الغربي يدخل كردستان بلا قيود، صحفيا كان او مهندس بترول. اما العاملون في مطار البصرة فإنهم يتحدثون بألم عن مشهد يتكرر يوميا لمعاناة الخبراء والمستثمرين الاجانب الذين ينامون على ارض المطار بسبب قيود الفيزا، ثم يرحلون بغضب نحو كردستان بسبب قيود السياسة.

كيف تضمن لنا بغداد ان سياستها لن تشجع بريتش بتروليوم وشيل وسواها على ترك البصرة؟ ومن قال ان تداعيات القرار هذا ستكون اقتصادية وحسب ولن تتحول الى نقمة دولية على عراق لديه مشاكل كثيرة مع مجلس الامن في ملف الكويت وسوريا وايران دفعة واحدة؟

عمالقة النفط يحتاجون حقول البصرة وكردستان معا ويقولون ان على بغداد تسوية الامر في البرلمان وتشريع قانون النفط والغاز الذي يتأخر منذ عشر سنوات. ما تريده كردستان هو الشراكة في صناعة سياسات النفط، ومرة سألت ساسة البصرة والرمادي وميسان عن رأيهم في المطلب الكردي فقالوا انهم يتفقون مع اربيل على ضرورة ان لا تحتكر بغداد القرارات التي ترسم مصير خزانات البترول الضخمة، لان استشارة المحافظات المنتجة اسلوب ادارة حديث معتمد في الدول التي رضي الله عنها بلا استثناء. وبدل ان يتخلى المالكي عن شهية احتكار النفط فإنه يطرد اكسون موبيل.

ان معظم مآسينا بدأت حين منعنا الغربيين من النفط، ومعظم ازماتنا بدأت حين ابرمنا صفقات الاسلحة. ويبدو ان صفقة العتاد الروسي الذي ادى الى هزيمتنا في آخر ستين عاما، تشجع صانع القرار في بغداد على تناول اكثر من تفاحة ملعونة واستسهال تخريب العلاقات مع الغرب.

النفط ليس بضعة اطنان من الذرة والشلب نريد بيعها لاي دكان، وهذا ما يعلمه رئيس حكومتنا بشكل جيد، فوكالة الطاقة الدولية تقول ان السنوات العشر المقبلة ستكشف ان اي تلكؤ في تطوير حقول العراق سيؤدي الى تلكؤ في نمو الاقتصاد الغربي. ولذلك فإن العالم المتقدم سيشارك في صناعة القرارات المتعلقة بحقل القرنة العملاق سواء اعجب الامر سلطاننا ام لم يعجبه. ولذلك فإن عمالقة النفط حين يواجهون مشكلة ويحزمون حقائبهم فإنهم سيلجؤون الى طرق اخرى لاستعادة موطئ القدم هذا رغما عن اي قرار مرتجل تتخذه بغداد، وقد يتضمن ذلك قسوة حازمة معنا.

ان قسوة الغرب درس رهيب يفترض ان العراقيين استوعبوه. يمكن للغرب ان يحولك الى شريك مدلل ويحميك، لكنه مستعد لجعلك تفقد كل شيء في اسبوع واحد كما يحصل مع جارتنا ايران التي فقدت عشرين بالمائة من ثروتها مطلع الشهر الحالي.

سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي حذر كبار الساسة من تعرض العراق الى عقوبات قاسية بسبب تحالفنا مع ايران وخرقنا للعقوبات المفروضة عليه، فطرده المالكي. اكسون موبيل حذرتنا من اشياء مشابهة داخل ملفات تختلط فيها رائحة الدم والتمر والبترول والتاريخ، فطردناها. اغلقنا قنصلية بريطانيا بألف تصرف اهوج، واشترينا اسلحة كثيرة من روسيا وفتحنا لها قنصلية كبيرة في البصرة. كم دبابة اضافية يحتاج السلطان كي يجرب جرعة غرور اكبر ويرتجل قرارات في شرق اوسط يحترق، لنجد انفسنا فجأة نقضم كل تفاح آدم ونتعرض الى فصل جديد من اللعن الذي مللنا منه؟.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. ابوحسين الخزعلي

    الموضوع ليس السلاح الروسي وانما السياسة الداخلية والخارجية التي توحي بان الانقلاب الابيض على الدستور الديمقراطي الذي هوثمرة اتلغيير واسقاط النظام قادم وبالتالي هل يعقل ان الاموال التي صرفت والضحايا الذين قتلو من الجانبين العراقي والامريكي تذهب سدى

  2. ابو علي الزيدي

    ان مايسمى بالساسة هذه الايام قد نسوا من الذي اتى بهم الى السلطه.وللتذكير بان الشركات الغربيه الكبرى هي التي لها المصلحه في تغيير النظم في العالم ورسم سياسة ذلك النضام فاليتذكروا فلقد تعب العراقيون من السياسات الهوجاءالتي اتبعها سلفكم وما آلت من كوارث على

  3. ليث العراقي

    1الإستاذ سرمد المحترم.. إسمح لي بملاحظتين فقط 1/ نعم الباب يسع أكثر من جمل !! طالما كان هذا الباب منفذا لدخول المدنية والتطور والصناعة الحديثة والشفافية و التي يخشاها الأسلامويون جميعا ؟؟ ناهيك عن كونها شركات عالمية رصينه لاتلبي تطلعات المسؤولين في ا

يحدث الآن

طلب 25 مليونا لغلق قضية متهم بالمخدرات.. النزاهة تضبط منتحل صفة بـ"موقع حساس"

أسعار صرف الدولار في العراق

محاولات حكومية لانتشال الصناعة العراقية من الاستيراد.. هل ينجح الدعم المحلي؟

اكتشاف مقابر جماعية جديدة في الأنبار تفضح فظائع داعش بحق الأبرياء

فوائد "مذهلة" لممارسة اليوغا خلال الحمل

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: نائب ونائم !!

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

العمودالثامن: إضحك مع الدولة العميقة

 علي حسين تهلّ علينا النائبة عالية نصيف كلَّ يوم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والفضائيات، ويتعاطى العراقيون جرعاتٍ مسكنةً من التصريحات التي يطلقها بعض النواب، حيث يظهرون بالصورة والصوت ليعلوان أن المحاصصة...
علي حسين

كلاكيت: عشرة أعوام على رحيل رينيه

 علاء المفرجي في الذكرى العاشرة لرحيل شاهد عصر الموجة الفرنسية الجديد، التيار الذي شكّل حدثاُ مفصلياً في تاريخ السينما ألان رينيه الفرنسي الذي فرض حضوره القوي في المشهد السينمائي بقوة خلال تسعة عقود...
علاء المفرجي

نحو هندسة للتوافق التنموي

ثامر الهيمص وليكن نظرك في عمارة الارض، ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد، واهلك العباد ولم يستقم امره الا قليلا. في...
ثامر الهيمص

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

رشيد الخيون أقام ديوان الكوفة بلندن(1993) أسبوعاً عنوانه "التُّراث الحي في حضارة وادي الرّافدين"، ففاجأنا دكتور بعلم الأحياء، معترضاً على إحياء "الأصنام"، وبينها كَوديا. لم نأخذه على محمل الجد، حتى كسرت "طالبان" تمثالي بوذا(مارس2001)،...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram