برحيل الشاعر الفلسطيني سميح القاسم تكون الشعرية العربية قد فقدت احد اعمدتها المهمة، الشاعر الذي شكل مع مجايليه من ابناء بلده مفصلا مهما في الشعر العربي، خاصة مع ارتباطه بحركة المقاومة الفلسطينية التي شهدت اوج عنفوانها مع بروز هذا الجيل من الشعراء.الم
برحيل الشاعر الفلسطيني سميح القاسم تكون الشعرية العربية قد فقدت احد اعمدتها المهمة، الشاعر الذي شكل مع مجايليه من ابناء بلده مفصلا مهما في الشعر العربي، خاصة مع ارتباطه بحركة المقاومة الفلسطينية التي شهدت اوج عنفوانها مع بروز هذا الجيل من الشعراء.
المدى استطلعت اراء عدد من النقاد والشعراء العراقيين عن الموقع الذي يحتله المنجز الشعري للشاعر الراحل سميح القاسم في الشعر العربي المعاصر.
الناقد فاضل ثامر أوضح انها لخسارة كبيرة ان نفقد في هذه المرحلة التاريخية واحداً من الرمز الثقافية والشعرية التي أسست لشعر المقاومة في الاوساط الثقافية العربية. وقال: لقد كان سميح القاسم ومحمود درويش وآخرون من الاصوات التي بشرت بأدب المقاومة الفلسطينية في مجال الشعر والتربية على السواء. فضلاً عن ذلك فقد كان سميح القاسم مناضلاً اجتماعياً وثقافياً ينطلق من قيم وافكار ومنطلقات انسانية وتقدمية تؤمن بالحوار الثقافي وبقدرة الثقافة العربية على مقاومة الهيمنة الاستيطانية الصهيونية. وكان لسميح القاسم وعيا جديداً لوجدان فلسطين والعالم العربي يضيء الطريق امام الاجيال العربية والفلسطينية لمواصلة النضال من اجل حرية الشعب واستقلاله. وبهذا الوقع الجلل يقدم الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق تعازيه الى جميع الأدباء والكتاب الفلسطينيين والى جميع ادباء ومثقفي الامة العربية لما منينا به من خسارة كبيرة مؤلمة.
فيما قال الاديب والفنان جواد الحطاب: أكاد اشعر ان الحزن يخيم على الشعر العربي برمته لما يشكله رحيل الشاعر سميح القاسم من خسارة كبيرة للشعرية العربية. فلم يكن الفقيد شاعراً فلسطينياً فقط وانما هو صوت الضمير الانساني الذي حمل قضية وطنه كما حمل المسيح صليبه الأزلي، ويكفيه كبرياءً انه انتصر على مرضه القاتل (السرطان) كما انتصر على عدوه القاتل (الكيان الصهيوني). فقد استطلاع سميح القاسم بشاعريته الفذة ان ينقل القضية الفلسطينية من المسكوت عنه الى المعلن عنه. بحيث صار الانتماء اليها هو انتماء للحق والى العدالة والتوق الى الحرية. وهذا ديدن المناضلين الكبار. وانني ادعو اتحاد الادباء العراقيين وبقية الاتحادات العربية الى تأبينه بما يليق به. واعادة قراءة منجزه الثر ودراسته ثانية وفاءً له وتقديراً لصوته الشمولي في الشعر والمسرح والكتابة في المجال النقدي القابض على وهج الشعر من بين الرماد. وسيبقى شاعرنا المرحوم سميح القاسم خالداً مابقيت الكلمة والإحساس.
الشاعر طالب عبد العزيز قال: بموت سميح القاسم، أحد أبرز شعراء المقاومة الفلسطينية تكون الثورة قد خذلت الشعر والإنسان الكامن في جوفه، وفي استثناء تفرد به معظم الشعراء العرب والفلسطينيين بخاصة، في المطالع الأولى من حياتهم تمثل في وقوفهم تحت راية الثورة (القضية). وقوف يذكرنا بمحمود درويش وتوفيق زياد وآخرين. الثورة التي خذلت الشعب هي ذاتها التي ظلت تميت الشعراء والفنانين ومحبي قيم الجمال. تسحبهم من اجمل لحظات وجودهم الثقافي، الجمالي إلى الاعماق السحيقة حيث يكون الانسان التقليدي مجرداً من أي حضور. لأننا، وحتى في لحظة الغياب التي يشترك فيها الشاعر مع الناس نجد أن غياب الشاعر يختلف عن غياب العامة. هو وجود غائب مطلق، لا يرى لكنه حضور استثنائي دائماً. نتبينه من خلال ما يترك لنا من نصوص.
أما وقد انحنت القامة التي كانت تمشي منتصبة، بانتظار لحظة الظفر، تكون الثورة قد بلغت أرذل ساعاتها. تكون القضية التي ظلت تقاوم خسرانها في أبعد لحظاتها عن الظفر والانتصار. ترى كم توهم الشعراء الذين ظلوا أمناء لها حتى لحظة سقوطهم بيد الموت، كم موجعة مغادرتهم، كم مؤلما مشهد نزولهم عن أكتاف مشيعيهم – الجماهير- إلى قاع القبر، إلى الظلام النهائي ؟ جماهيرهم التي رفعتهم أحياء، منشدين ذات يوم.
يكاد سميح القاسم أن يكون أكثر الشعراء الفلسطينيين التصاقا بالثورة (القضية) لأننا نلمس في قصائده التي تبدو للوهلة الأولى بعيدة عن وجدان الثورة خيطها الخفي، الموصل بينها وبين قضيته، شاعر لا ينفك يبحث عن ضمير شعبه في أدق التفاصيل. كانت فلسطين الشاعر قابعة في لغته عبر مفردات كثيرة، حاله حال درويش لأننا لا نعثر على الزيتون- المفردة الأكثر شيوعا في شعر المقاومة- مجردة من فلسطينيتها، ولن تكون الشجرة مجرد اوراق وأغصان وثمار ،هي بيرق أحمر يقطر شهداء وأطفال. كذلك لا يمكننا قراءة الصخر والحجر والسهل والقرميد والسيسبان بتجرد عن مضمونها الفلسطيني لدى الناس وقرّاء شعره. ظل سميح لقاسم(1939-2014) أمينا، مخلصاً للحظته التي صنعها لنفسه، صنعته لها، او لنقل اوهم نفسه بها حتى لحظة الموت التي سلبته من خريطة وجودنا معه.
وقال الشاعرعلاوي كاظم كشيش: لا يمكن التفريق بين محمود درويش وسميح القاسم الا من حيث الاختلاف الابداعي، فهما برغم إدماجهما في تجربة واحدة الا ان لكل منهما طرق اشتغاله الخاصة في الشعرية العربية. وسميح القاسم منذ ديوانه الأول "ثالث أوكسيد الكاربون" الى ديوانه "غير مرغوب فيه" وهو يتمرد على الغنائية الملحمية ويحاول ان يجعل نصوصه أقوى من الحلم، لذلك يلمس التجديد المستمر الذي يتسيد على الغنائية في نصوصه، ونستطيع القول ان الشعرية العربية قد فقدت عموداً بارزاً آخر من اعمدتها اذ كان لسميح القاسم شرف انتاج نصوص تمتلك مقومات الإضاءة والاصالة التي كان للحلم الانساني حصة كبيرة ومشترك واضح فيها.
واشار الشاعر جاسم العايف الى ارتباط اسم سميح القاسم بشدة بعد هزيمة حزيران 1967 والتي تعرف بحرب الأيام الستة، وقال: عندها اكتشفنا ان في عرب إسرائيل منذ عام 1948 من هو منا من دون تظليل، ولم يكن ذلك واضحاً الا بعد هذه الحرب، فقد اكتشفنا ان سميح القاسم صوتاً تقدمياً وشيوعياً بالذات في الجانب السياسي عبر مجلة الطريق اللبنانية التي قدمته الينا بصفة شاعر للمقاومة للمقاومة. وقد تحدث القاسم في مقالات له عن إعجابه الشديد بالتاريخ الوطني العراقي وعن يوسف سلمان يوسف "فهد" وحمل سميح القاسم شرارة المقاومة بالكلمات والقصائد بعيداً عن لغة الدبابات والصواريخ. ونحن كمثقفين كنا بأشد الحاجة لذلك فيشكل سميح القاسم صوتاً شعرياً منفرداً ونموذجاً عربياً لما اطلق عليه غرامشي صفة المثقف العضوي. يبقى سميح القاسم ومنجزاته الشعرية والنثرية ومواقفه الحياتية عندما رفض مغادرة وطنه فلسطين مع انه يحمل الجنسية الاسرائيلية. وفي موقف آخر اصر على ان يحضر لوداع صديقه ورفيق دربه محمود درويش والقى في رحيله قصيدة برغم علمه جيداً بالثمن الذي يدفعه عندما يعود الى بلدته في اسرائيل وهو يحمل جنسيتها. سميح القاسم رمزاً شعرياً متوهجاً كان وسيبقى في الذاكرة العربية التقدمية.