اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > مفهوم التغيير لا يعني سوى تجاوز الماضي إرثاً ورموزاً وأساليب عمل وتوجهات

مفهوم التغيير لا يعني سوى تجاوز الماضي إرثاً ورموزاً وأساليب عمل وتوجهات

نشر في: 31 أغسطس, 2014: 09:01 م

يتساءل القراء، وهم محقون، عن حلول وسياسات مقترحة، دون الاكتفاء بالنقد واللاءات المتكررة، وهم يطالعون مقالاتٍ تتزاحم فيها المطالب لإصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وتترافق مع تشريحٍ للدولة وللاداء الحكومي، ولمن يتربعون على كراسي السلطة. وق

يتساءل القراء، وهم محقون، عن حلول وسياسات مقترحة، دون الاكتفاء بالنقد واللاءات المتكررة، وهم يطالعون مقالاتٍ تتزاحم فيها المطالب لإصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وتترافق مع تشريحٍ للدولة وللاداء الحكومي، ولمن يتربعون على كراسي السلطة. وقد تلقيت مثل هذا التساؤل المشروع كلما كتبت رأياً نقدياً، او عبرت عن مواقف وآراء. وهذا ما يحصل غالباً على موقعي الإلكتروني، وفي المساحات المتاحة في الفيس بوك، وفي حقل التعليق في موقع جريدة المدى.

ومثل هذا التساؤل وجه لي، عطفاً على ما كتبته في عدد "٢١ - ٨ - ٢٠١٤" وأعداد أخرى، مطالباً السيد العبادي، المكلف بتشكيل الحكومة، بالظهور في خطابٍ أو مؤتمر صحفي، يقدم فيه ما يفترضه من رؤى او توجهات وسياسات وتدابير عملية، لاخراج البلاد من حالة الانكسار الذي صارت عليه، ومما هي فيه من أزمة تطاول كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية، دون انتظار الاوراق المطلبية لأطراف العملية السياسية، أو بالتزامن معها، كسباً للوقت، وتعريفاً بما خفي على الناس من مزاياه وأساليب عمله، ومفهومه للتغيير المنشود، ومدى تقاطع برامجه وأساليبه مع سلفه، وقدرته على تحسس نبض الناس والتجاوب مع آمالهم بالتغيير.
لكن سؤالاً من بين الاسئلة، ذهب ابعد من ذلك، وكأنه مع افتراض حسن النية، أراد أن يشكك بجدية ما كتبت، أو ما ترمي اليه الكتابة من مقاصد ايجابية، وتطلعٍ لنجاح الحكومة في مهامها المثقلة بإرثٍ سلبيٍ من العيار الثقيل.
وقد جاء السؤال بالصيغة التالية: لماذا لا تكتب لنا حلولاً، بدلاً من الاكتفاء بالآراء والملاحظات التعجيزية؟!
ثم لنفترض انك أنت المكلف، أو واحداً ممن يتجاوب معك بالرأي والعقيدة السياسية، فهل ستكون لديك حلول عملية حقاً..؟
وأقولها بكلمات مفهومة، ليس فيها ما يلتبس على أحد: نعم يمكن تحديد برنامج عملٍ تفصيلي، وأدوات تنفيذٍ غير معقدة، بعيدة عن السفسطة، أو الميكافيلية، أو "معجون المحبة" التي دخلت قاموسنا السياسي، "كمحرك بحثٍ" لا يُخطئ، عن المصالحة الوطنية، والاصلاح السياسي، وتنفيذ ميثاقٍ للشرف، فانتهينا، لفرط ما أتخمتنا "جرعات الحب"، الى خطوط تماسٍ قاتلة مع داعش التكفيرية، وتفكك لأجهزتنا الدفاعية في نشوة حبٍ قاتلة! 
ولأنني كتبت اكثر من مرة حول مقترحات ملموسة للحل، فإن الجواب بامكانية ان اتقدم بحلٍ يتبناه اصحاب القرار، والمكلف بالوزارة، يكاد ان يكون ضرباً من الوهم والافتراض، لان من يستطيع فعل ذلك هو صاحب الامر والنهي، وليس من لا يطاع، ولذلك رأيت أن من الافضل ان اعمد الى استعارة ما طرحته القيادات المعارضة في التحالف الوطني، التي طالبت منذ سنوات باجراء التغيير في الحكومة السالفة، والاتيان برئيسٍ جديد لمجلس الوزراء، وتأليف حكومة شراكة وطنية شاملة، لا تُقصي ولا تهمش، تباشر بتفكيك اسباب الازمات من جذورها، وتجفف مصادرها.
وقد جرى التأكيد دائماً، طوال السنوات الماضية، على ان الخروج من دائرة الازمات والاحتقان الطائفي والانفراد في السلطة وتخريب العملية السياسية الديمقراطية، يتطلب إرساء قاعدة تفاهمات مع الاطراف المعنية بالعراق الجديد، والتي كانت في اساس وضع لبناته الاولى، واطلاق ما سُمي بـ"التوافق الوطني" كصيغة لديمقراطية انتقالية، تُحترم فيها الاكثرية "دون تسلطٍ او احتكار"، ولا "تُحَجَّمُ فيها الاقلية" دون إعاقة أو مغالاة. 
والاطراف المقصودة، باتت معروفة في الحياة السياسية منذ ٢٠٠٣، سواء كاحزاب او كتلٍ او رموز، تدعي تمثيل المكونات الثلاث التي تشكل خارطة العراق السياسية، والجغرافية ايضاً، من باب الصدفة او التدبير الالهي.
وخلال الحراك السياسي عبر سنوات القحط الماضية، توضحت معالم الحل المرتقب، والعناصر والآليات المرتبطة به، من وجهة نظر كل طرف، وتداخلت بعضها في حزمة حلول، تشكل تحصيل حاصل للرأي المشترك الذي يجتمع حوله الاطراف الثلاثة، الشيعية والسنية والكردية.
وما هو مشترك هو المهم، ويفترض ان يدخل دون جدل عقيم، في البرنامج الحكومي:
- انهاء احتكار السلطة، والانفراد في اتخاذ القرار، من قبل حزبٍ بعينه، او حاكم مهووس بالسلطة. وحُددت لتحقيق ذلك آليات عملية، تتمثل في صياغة مشتركة لنظام داخلي لمجلس الوزراء، والالتزام بالدستور واحترام سياقاته، والرجوع الى السلطة التشريعية واعادة صلاحياتها التشريعية والرقابية.
- اعادة الاعتبار للسلطة القضائية والتأكيد على استقلاليتها.
- صيانة الحريات الخاصة والعامة.
- اتخاذ التدابير الكفيلة بانهاء الفوضى الامنية وانفلات الإرهاب التكفيري من جانب، والميليشيات المسلحة من جانب آخر.
- مكافحة وتصفية الفساد المالي والإداري، وايقاف نهب وهدر المال العام.
- الاستجابة لمطالب المكون السني "المشروعة، الدستورية"، ورفع الظلم عن مناطقهم، ومعالجة الحساسيات التي تُشعرهم بالإقصاء والتهميش، وإشراكهم في صناعة القرار.
- معالجة الخلل في علاقة الحكومة الاتحادية مع اقليم كردستان. والخلل الفاضح الذي تصاعد خلال الولاية الثانية للمالكي، تمثل في تدابير عسكرية ثبت فشلها على مستوى المنظومة الدفاعية في مواجهة داعش. وفي قطع رواتب الموظفين، واثارة اشكاليات في قضايا النفط والبيشمركة والمادة الدستورية ١٤٠.
ان كل هذه القضايا وما يرتبط بها من مظاهر وظاهرات وازمات، شكلت قواسم مشتركة، لجميع من عارضوا سياسات المالكي المغامرة الإقصائية، ورفضوا ولايته الثالثة بحزم لا مرد له.
وهل يمكن والحال هذه، ان نتفهم تردد المكلف بالتشكيل الوزاري، او الوفد المكلف بالتفاوض عن التحالف الوطني، بإعلان ذلك في بيان نوايا امام الملأ، والتأكيد على انها تتحاور مع الاطراف الاخرى حول تفاصيلها وتوقيتات تطبيق كل استحقاقٍ من استحقاقاتها؟
لكن ذلك يتعذر ويتعثر، ليس بمعزلٍ عن وجود امتدادٍ للماضي في دائرة من يريد تجاوز ذلك الماضي. ولاسباب ليست بعيدة عن القلق من شبح الماضي المخيم على اجواء التحالف الوطني، وقياداته المشدودة الى اجراء تغييرٍ وانعطافة في الوضع السياسي، ترى هذه الاوساط ان الاولوية الان "لتشكيل الحكومة"، وما يترتب على معالجة المطالب من "برنامج حكومي" يمكن ان يأتي لاحقاً!
وقد يفوت هؤلاء أن الاصوات المتشددة التي تسعى للاستهانة بالاخر، والاستخفاف بمطلب اولوية البرنامج على التشكيل، هي نفسها، بما تطرحه وما تروج له، وما ينعكس في خطب الاربعاء المشؤومة، الدليل الدامغ على أن حكومة بلا برنامج، مثل "عربة بلا حصان"! وهم اذ لا يريدون البرنامج الواضح مع ضمانات تنفيذه، قبل التشكيل الحكومي، انما يتوهمون امكانية اعادة انتاج الماضي الكابوسي، بواجهاتٍ جديدة.
لكن مثل هذا الوهم، والقبول بالتساهل ازاء طروحاتٍ لا يجمعها جامع مع مفهوم التغيير، الذي لابد ان يطاول البرامج والاساليب والادوات و"التطرف" الذي يتجسد في رموز، تتماثل في كل شيء سوى الاسماء، مع صاحب مشروع الماضي بكل ما انتهى اليه من خراب، ستترتب عليه نتائج وخيمة، ثمنها هذه المرة.. العراق..
وقد لا ينتبه البعض، الى ان المغالاة في تأكيد "الوصاية" على الاخرين، أو اعتبار العراق، ملكاً خالصاً لطرفٍ او مكونٍ بعينه، على الآخرين القبول بفرض ارادته، وإن كان يمثل الاكثرية السكانية، لا تعني بلغة السياسي، سوى التفريط بوحدة العراق ارضاً وسماءً وشعباً..!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. عمار القطب

    ساتكلم من منظور منتمي الى اقل الاقليات .ما نفع ان تكون حكومة شراكة وما نفع ان يكون وزير العدل من مكون س والتربية من ص مَن سيكبح المتسلطين ولمن تشتكي اذا تعرضت لظلم من هم فوق القانون ..بالاحرى ما هي مشكلتنا في حكم النظام السابق ؟لقد كان ديكتاتور قرر الحرب

  2. عمار القطب

    تابع -لم لا نعطي رئيس الوزراء سلطة كاملة ولكن نحدد ولايته بواحدة فقط ...مَن هي الدول الناجحة امريكا انكلترا ماليزيا تركيا المانيا .... لماذا لا نكبح جماح روح التسلط بولاية واحدة و بالتالي نجبر رئيس الوزراء على خلق مؤسسات مستقلة اننا نعاني الكثير وجل مشاكل

يحدث الآن

واشنطن تحذر بغداد من التحول الى "ممر" بين ايران ولبنان

تقرير أمريكي: داعش ما زال موجوداً لكنه ضعيف

انتخابات برلمان الاقليم..حل للازمات ام فصل جديد من فصولها؟

صورة اليوم

المباشرة بتطبيق الزيادة في رواتب العمال المتقاعدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الستراتيجيّةُ العمياءُ وراءَ فاجعةِ الكرّادة..

في حُمّى "الهَلْوَسةِ السياسيّةِ" استرخى وزراءُ "الغَمْغَمَةِ" واللَّك..!

بينَ اليأسِ والإحباط مساحةٌ مضيئةٌ للصمت ..!

الموت حين يُصبح طقساً عابراً بلا مراسيم تشييع للفقراء .!

"بــيــروت مـــديـنـتــي".. وعـيـــنٌ عـلـــى بــغــداد ...

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram