اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المرأة في (قانون الجمال الصينيّ)

المرأة في (قانون الجمال الصينيّ)

نشر في: 12 سبتمبر, 2014: 09:01 م

(2-2)
المثال الأعلى للجمال الإغريقيّ الذي تعودّنا عليه يقترح، لرسم الجسد البشريّ، نِسَباً محسوبة (النسبة الفُضْلى على حد تعبير مترجميهم العرب). يتعلق الأمر في نهاية المطاف بنظرية فيثاغورس الهندسية المتوغّلة في الحقل التشكيليّ والموسيقيّ. نجد في الأعمال اليونانية العليا، في النحت خاصة، سعياً دائباً لتطبيق فرضية النسبة المثالية: الكمال في القياسات بين أجزاء الجسد، الاكتمال على مستوى التفاصيل والبنية العامة كالعضلات والقامة النموذجية والوضعيات التي تسمح بإبراز هذه المثالية. منحوتات اليونان تقدِّم بالأخرى رياضيين متفوِّقين وأبطالاً أولمبيين بالمعنى الحرفي للكلمة. الذكور هم الأنماط الأولى القياسية للجمال الإغريقيّ في البدء ، تتبعهم النساء اللواتي قُدِّمْنَ (كموديلات عَرْض)، ببطون تامة الخلقة، بسيقان وأذرع مكوَّرة قليلاً، طويلات نسبياً، رشيقات وحازمات.
لقد بقي المثال الأنثويّ طيلة عصور الفن الأوربيّ يتابع النمط اليونانيّ وإنْ ظهرت في أحيانا كثيرة نساء (مربوعات) وممتلئات، استجابة للمزاج الجماهيريّ العام دون الخروج عن المبدأ الأصليّ للقانون اليونانيّ. هذا هو القانون الذي ظل يُدرَّس وما زال في أكاديميات العالم للفنون الجميلة.
في الصين كانت المعايير الجمالية الأنثوية متغيّرة حسب الأزمنة والسلالات، دون مثال معياريّ ثابت. هنا عرض مستمدّ من شتى المصادر للفائدة. منذ بداية القرن السابع إلى أوائل القرن العاشر الميلاديّ، خلال سلالة تانغ ذات التأثير العميق على الثقافة الصينية، كان على المرأة الجميلة أن تكون متينة وصلبة، وأن تمتلك وركين عريضين تتبختر بهما أمام الملأ بفخر واعتزاز (وهذا يُذكِّرُنا بالعجيزة العربية الضخمة المُمْتدَحَة). حوالي عام 1000م، خلال سلالة سونغ، انقلبت الآية، وصار القانون الجماليّ الأنثويّ يميل إلى نمطٍ خنثويّ. استمر هذا المعيار خلال سلالة مينغ (من القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر الميلاديين)، حيث وقع تفضيل المرأة الرسحاء ذات الوركين الواهيين والصدر غير المكتنز والملابس المحتشمة العفيفة. بدءاً من القرن السابع عشر، خلال حكم سلالة تشينغ، اندفع معيار الخنوثة إلى أقصاه، حيث صار التركيز منصباًّ على المظهر الأنثويّ الضبابيّ، البعيد عن حقيقته المادية، وعلى البشرة بالغة الشحوب. في هذه الفترة لم تكن (قوانين الجمال) حسيّة مادية فحسب، بل كانت تأخذ بنظر الاعتبار الشخصية نفسها، فلكي تكون المرأة جميلة، كان عليها أن تكون امرأة مطيعة، خجولاً وهادئة، مثلما نتبيّن من أحد الأعمال الأدبية الصينية المكتوبة منتصف القرن الثامن عشر.
بعض ميّزات المثال الأنثويّ الصينيّ استمرت حتى بداية القرن العشرين، مثل أن تكون قَدَم المرأة صغيرة جداً حتى أن النساء كنّ يرتدين أحذية ضيقة لتصغيرها، وكانت تسمى (قَدَم اللوتس). ستكون هذه القدم الصغيرة بالتأكيد فضيحة جمالية بالنسبة لليونان ومن تابعهم.
تاريخياً، خضعت معايير الجَّمال الأنثوية الصينية إلى التأثيرات الدينية، مثلها مثل الفن الإسلاميّ. لقد كان على هذا الجمال أن يطلع دوماً من (صفاء روحيّ) طاويّ. ومثله مثل فن التصوير الإسلاميّ لم يكن ليمنع من تقديم بعض المواضيع المحرَّمة عُرفاً في الفن اليونانيّ، والأوربيّ لاحقاً، كرسم المرأة أثناء ولادتها (هناك منمنمة للواسطي عن الموضوع).
سوى أن الرسّامين الصينيين لم يكونوا كالرسّامين الفرس المأخوذين بالتعبير عن الملذات الحسيّة التي ترمز إلى فتنة ومجد العالم. ولم يشابهوا الرسّامين الهندوسيين الذين كانوا يتعجّلون بإظهار الدلالات الروحانية والعرفانية المباشرة في مواضيع رسومهم. كان اهتمامهم الكبير، وهو ما ينطبق على رسم المرأة، إدماج العناصر الروحانية بالعناصر المادية.
في هذه اللمحة المقارَنة لم نقترب من التغيرات في سياق زمنيّ (كرونولوجيّ)، لكن تتوجب الإشارة إلى أن اكتشاف وتطبيق (المنظور) الهندسيّ في الفن الأوربيّ، القرن الرابع عشر، الذي قاد إلى تقديم المرئيات كما تراها العين بأبعادها الواقعية، لم يُجْبر الفن الصينيّ على الأخذ بمبادئه، فظلّ محافظا على طابعه المنمنماتيّ أو شبه المنمنماتيّ الذي يغيب عنه تقريباً هذا المنظور، مثله مرة أخرى مثل الفن الإسلاميّ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram