TOP

جريدة المدى > عام > الديموقراطية اللبرالية... حلاً أخيراً

الديموقراطية اللبرالية... حلاً أخيراً

نشر في: 25 أكتوبر, 2014: 09:01 م

منذ تأسيس الدولة العراقية في 1921 وحتى ثورة 14 تموز 1958، كانت الركائز الأساسية للديموقراطية واضحة. في الأقل رسميا، هذا وان كان الحكم ملكيا ولبريطانيا عليه نفوذ وجهاز سيطرة حدد ما يراه مناسبا لمصالحها. لكنه على كل حال نظام ديموقراطي بعامة وبنوع من ال

منذ تأسيس الدولة العراقية في 1921 وحتى ثورة 14 تموز 1958، كانت الركائز الأساسية للديموقراطية واضحة. في الأقل رسميا، هذا وان كان الحكم ملكيا ولبريطانيا عليه نفوذ وجهاز سيطرة حدد ما يراه مناسبا لمصالحها. لكنه على كل حال نظام ديموقراطي بعامة وبنوع من اللبرالية البسيطة الناشئة.نعم كان للإقطاع حضور مهم ولكنه كان تابعا للدولة ويستوعب أقطابه مجلس الأعيان. كما ان النواب من الإقطاعيين موافقون على المصلحة العامة وراضون باقطاعياتهم الآمنة حيث يحكم النظام العشائري بالطاعة والدولة تحافظ عليه. اما الاتباع- الفلاحون- فيستسيغون الاستغلال على مضض من دون عداء جماعي منظم يخشى منه.
 
والان نتساءل: لماذا أينعت فجأة بذور الأوتوقراطية (الحكم الفردي) بصيغة زعيم كما في حالة عبد الكريم قاسم ثم بتجسيد اكبر فادح باسم قائد كما في حالة صدام حسين؟
كان هذا في العراق وكان في سوريا حافظ الأسد ثم بشار الأسد. ونعلم ان التأسيس لهذه الأوتوقراطية قد ابتدأ بعبد الناصر في مصر اثر ثورة يوليو 1956 وتبعه معمر القذافي في ليبيا بعد الإطاحة بالملك السنوسسي.
نعود إلى السؤال: هل هي الصدف فقط أسست لهذه الأوتوقراطية ام هو اتجاه رسمته السياسة الدولية المتنفذة في المنطقة؟ الجواب هو اتجاه تطلبته الظروف الجديدة والسياسة الأميركية على وجه الخصوص. انها هي التي بذرت هذه البذور وهيأت لها ووظفت النزوع الوطني لتنفيذها مرحليا لأهداف تحررية تفيد منها لاحقا بعد امتصاص الزخم التحرري الوطني.
لكن ما جدوى أميركا وبريطانيا من ذلك؟ اعتقد انهما درستا طبيعة المجتمعات في مصر والعراق وسوريا والشعور الوطني والفوضى في هذه البلدان وانتهيا إلى ان أميرا، رئيسا، قائد ثورة يسيطر ويخضع الشعب لإرادته، بعد تزييف التطلعات الوطنية أو حرفها، هو الأضمن لمصالحهم وسلامتها. والتفاهم هنا لا يتم مع جملة أحزاب أو جملة ثقافات ولكن مع عقل واحد يمكن اللعب بمخيلته، باحترام اكثر، بثقافته، وهي ثقافة محدودة ومضطربة، ليسير في الاتجاه المطلوب بتغطيات محلية كاذبة وشعارات عريضة وادعاءات يخدمها إعلام واسع وتهريج غوغائي. وحين أقول يؤدي في النتيجة إلى الأهداف المرسومة فاعني 6 حزيران واعني دمار الجيش العراقي في الكويت وقبل ذلك استنزاف الجيشين العراقي والإيراني في حرب الخليج الاولى أو في خديعة الخليج الاولى وهكذا صارت اكبر قوتين عسكريتين في المنطقة ضمن السيطرة. فلا هوج ولا حماقة بعد لضرب إسرائيل ولا تصدير الثورة من جانب ايران إلى العراق والخليج. واذا ما حصل، فالنتيجة ليست افضل من احتلال إسرائيل للجولان بعد التهديد بإسقاط دمشق.
هذا الاتجاه في تبني شخصيات جريئة، شرسة، من بين ضباط الجيش أو من الأحزاب، ومدّهم بالمشورة والأسلحة القامعة، كان عملا ممنهجا لإشغال مرحلة يتجاوزون فيها المسافة مختلطة التكوين: العشائرية وتداخل الطبقية الناشئة واندفاعات الحركات اليسارية أو حركات التحرر الجديدة. معلوم ان الاخيرة هي الأكثر خطرا لأنها اكتسبت ثقافة ثورية، أو ثقافة ليبرالية رافضة للتخلف ومتطلعة إلى رفاه ومدنية بل وحداثة.
اما المشهد السعودي الخليجي، فهو مثل هذه، اعني مثل مصر، سورية، العراق، ايران في اوتوقراطيتِهِ، فالملك أو الأمير أو الشيخ، حاكم فرد وان بدأت في السنوات الاخيرة حركات إصلاح، فوجد برلمان وتقدّمُ النظام الأميري في بعضها إلى ملكي كما في البحرين بعدما اتضح التهديد للملكيات والحكم الفردي. وقد راينا ان الإصلاحات في البحرين- التحول إلى ملكية- والإصلاحات في الكويت والسعودية ونماذج بسيطة من الانتخابات... كلها جاءت استجابة لمتطلبات بدء المرحلة الجديدة لتفهم الرغبات الدولية وتفهماً للفكر الغربي، الأميركي البريطاني المتحكم في المنطقة. هي بدايات، بوادر أولى للابتعاد عن الأوتوقراطية بسبب انتهاء ضروراتها وبعد الدعوة إلى نشر الديموقراطية. وهنا لم تنج الديموقراطية نفسها من ان تكون غطاء لتوجهات أميركية جديدة في المنطقة والعالم لتصفية العراقيل التي تعيق التوسع العسكري لقد كان الصوت واضحا ولا يحتاج إلى تفسير أو إيضاح في قول روبرت كاجان Robert Kagan الذي اصر على:
"انه الوقت المناسب للولايات المتحدة والديموقراطيات اللبرالية الأخرى، ان تتخلى عن آمالها بتعاون دولي. بدلا من ذلك عليها تقوية الروابط بينها حتى لتأسيس "عصبة الديموقراطيات" وتهيئ نفسها للعمل على إحداث خلافات وصراعات بين الدول الاوتوقراطية الناهضة...
واكد على "الاحتواء" اكثر من "الانشغال بـ "بعث الروح الحربية" واكثر "من السيطرة على كم الأسلحة فيها وعلى توازن القوى اكثر من التوافق بينها"
Foreign Affairs Jan.Feb. 2009
اذن هي خضخضة للثوابت الاوتوقراطية والاقطاعية كشفت سر الخصومات والصراعات التي شهدناها عبر تلك السنوات بين بلدان المنطقة وحكامها، شغلت المنطقة وأضاعت زمنا، أو فرصة للتقدم، والبناء الاجتماعيين. وأهدرت ملايين، ان لم تكن مليارات الدولارات للسلاح وللدعاية وللمأجورين من الكتبة والصحف والفضائيات ومتعهدي المظاهرات المؤيدة أو المناوئة. وكانت خطابات الملوك والرؤساء والقادة تنشرها الصحف كإعلان وبمبالغ مضاعفة..
لم ينفع هذه الدول أنها كانت في السنوات الاخيرة اكثر مجاراة وتوافقا مع الفضاء اللبرالي. لكن نمو رأسمالية محلية محدودة، بصورة أفراد أثرياء أو شركات أو النمو السريع لحسابات الأمراء المحليين. أعطيا هذه الدول نفسا وسلوكا شبه رأسمالي. هذا التقرب من الرأسمالية العالمية، من طبقة أصحاب الأعمال والقادة الدوليين وأثرياء العالم والمشاركة في بعض المشاريع واستثمار الأموال استوجب تقربا للأخلاق الديمقراطية ولمطالب وقيم الديمقراطيين اللبراليين في العالم. وهذا اخيرا استدعى الاصلاحات اللاحقة.كما ان الاصلاحات الديموقراطية والاصلاحات المالية وأنظمة المصارف وقوانين التجارة والاتفاقات الدولية هي أيضاً قربت قادة ونخبا وقربت الطبقة الحالية الناشئة إلى تفهم اكثر لمتطلبات الحياة الجديدة، أو لأمنها!. ان محرك البورصات في الدول الأوروبية وأميركا واليابان هو النفط المصدر وعائدياته. هذا سبب اخر مضاف يحرك الدول الاوتوقراطية خطوات وان بطيئة إلى الديموقراطية اللبرالية اجتماعيا والى الرأسمالية نشاطا ماليا.
اذن، خطوط الاتصال الجديدة، والمتزايدة، والتفاهمات مع الدول الرأسمالية، بخاصة المتنفذة في المنطقة والانسجام مع أقطاب تلك المجتمعات أهّلهم بالتدريج لإيجاد مؤسسات ديموقراطية ومكاتب مجتمع مدني وطوّرَ أنظمة الحكم في هذا الاتجاه وان بدأ تطورا نسبيا.
هذا ما شهدناه ونشهده في السعودية وفي البحرين والكويت، ثم التطور المفاجئ، والمفروض، فرضاً أمريكياً على العراق، مما شكل عداء مع أنظمة حكم مجاورة لم تكتمل وتدب دبيبا في اصلاحاتها. ما واجههُ العراق بعد مرحلة الاحتلال الأميركي والانتقال المفاجئ والواسع للديموقراطية في مجتمع متشبع بالروح الإقطاعي والنزوع الفردي، احدث إرباكا. ويمكن القول ان للإرباك مصدرين واحد داخلياً من مجتمع لم يكتمل استعداده للديموقراطية ولم يتخلص بعد من العشائرية الريفية، ومصدر خارجي من الدول المجاورة الكارهة لما حدث فقد احرجها العراق بمشروع جاء في غير أوانه. وحتى اليوم ما تزال الكراهة والعدوان واضحين في هذا الكلام الرسمي أو ذاك وما يزال تمويل تنظيمات معينة للايقاع بالنظام الجديد، الذي مع الاسف احتضن أو سيطرت عليه مذهبية دينية محملة بألم الاضطهاد من جهة والثأرية الانتقامية من جهة، فتفرع العداء وازداد تعقيدا.
ومع إدراكنا ان بعضا من الأهداف تعمل على استنزاف عائدات النفط، أو استعادتها بطرق مختلفة منها إعادة التسليح أو تجديد السلاح وإعادة إعمار المنشآت المدمرة ودفع التعويضات... الخ فاننا لا نرى الرغبة جادة في وجود شعوب آمنة تتمتع باستقلالية معقولة. المطلوب هو وجود شعوب استهلاكية من غير أهداف مستقبلية كبرى، تتقدم ببطء إلى نسبة معقولة من الديموقراطية ذات السمات اللبرالية. انموذج الخليج المتطور مثل جيد فيه حل وسط للمرحلة.
هذا الانموذج يوفر للولايات المتحدة والدول الغربية ذوات المصالح في المنطقة، هدوءاً سياسيا عاما وهو يرتضي قواعد عسكرية فيه ويرتبط باتفاقات أمنية ويعتمد الشركات الغربية الكبرى في مشاريعه وتعمل سياسته الخارجية باتجاه ارضائي لا يخالف الاتجاهات الرئيسة المطلوبة دوليا.
ان عبارة "خلجنة العراق" عبارة اطلقت بدء الاحتلال الأميركي (لغرض الديموقراطية). يمكن لنا ان نوسع شمول هذا المصطلح لسورية ومصر وهو حاصل سلفا في السعودية.في رأيي ان شعوب المنطقة، ومنها شعبنا العراقي ليس ابدا ضد هذا المنحى بعد انكسارات الأحزاب الراديكالية وتدجينها أو استنزافها أفكارا وقوى بشرية.
ان الديمقراطية اللبرالية حل عملي للمنطقة. لكن ما نراه في السياسات الداخلية التي تمارسها الحكومات المحلية لا يدل على جدية، على توسيع هذا المنحى. هي لا تعمل على توسعيتهِ خارج منظوماتها الحاكمة والأسماء المتمولة الكبيرة فيها. هي تعمل على توفير شرط واحد هو ان توفر امنها وسلامة نفوذها واستمراره مع اصلاحات اجتماعية واقتصادية تتدرج ببطء بينما هي آمنة في ظل الحماية الأميركية. فمجمل الكلام انها تلتزم بحماية مصادر الطاقة (وفيه حماية عائدياتها المالية وتستجيب لمتطلبات السياسة الخارجية الأميركية بما فيها مشاريع المستقبل العسكرية وما يلزمها من قواعد عسكرية وطرق إمداد..)
أستطيع ان اقول ان الشعوب العربية، وضمنها شعبنا العراقي يرتضي الديموقراطية اللبرالية مرحلياً بل يتمناها، لان هذا يعني تأسيسا مدنيا، وتأسيساً ديموقراطيا اولا واصلاحا اجتماعيا يتضمن احترام حقوق الانسان ويعمل على دخول مالية افضل لعموم الناس.
ان اجراءات مثل هذه سوف بالتأكيد توفر أجواء سياسية هادئة وستوقف التحايل على المال العام، كما ستحد كثيرا من الدجل السياسي وفضلا عن هذه سيكون لمنظمات النخب حضور فاعل نسبيا وهذا ابسط ما تحتاج له الشعوب. 
لكن هل يريح الفئات الحاكمة، كتلا وأحزابا هذا التحول المدني والاجتماعي الذي يتكامل في ديموقراطية ليبرالية؟ هل ترتضيه وهو تحوّل يقلل من هيمنة الحكم ويضرب على الأيدي المتجاوزة على ملكيات الدولة ويرفض التعرّض او التجاوز، على الحريات العامة والخاصة؟
مهما تكن من عراقيل صغيرة الأهمية، فانا اعتقد بان العقود القادمة ستشهد حركة التقدم إلى الديموقراطية اللبرالية في المنطقة وان تعثرت بالمصالح الفئوية وارجأت تقدمها الصراعات الصغيرة أحياناً. ومهما أثارت التوجهات الدينية وحاولت الرجعية المحلية وأصحاب المصالح الخاصة من المتنفذين والقادة الطائفيين من مشاكل، فهي إلى انتهاء حتمي. هذه المصدات والمعرقلات لن تفعل غير تأخير التقدم وابطائه.
الديموقراطية اللبرالية فيها الحل لكلا شعوب المنطقة والمصالح الأميركية. ولهذا ستُنَظَّف الطريق وان استغرق وقتا. لكننا يجب ان نكون دولة حقيقية قبل ان تكون لنا ديمقراطية ليبرالية حقيقية...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

جلسة "القوانين الجدلية" تحت مطرقة الاتحادية.. نواب "غاضبون": لم يكن هناك تصويت!

القانونية النيابية تكشف عن الفئات غير مشمولة بتعديل قانون العفو العام

نيمار يطلب الرحيل عن الهلال السعودي

إنهاء تكليف رئيس هيئة الكمارك (وثيقة)

الخنجر: سنعيد نازحي جرف الصخر والعوجة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram