اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هل تصمد الشعرية العربية أمام (نظرية التلقّي)؟

هل تصمد الشعرية العربية أمام (نظرية التلقّي)؟

نشر في: 7 نوفمبر, 2014: 09:01 م

من المعروف اليوم أن نظرية التلقي القائمة على فكرة زحزحة مركزية المؤلف تتناغم مع المشروع الفلسفيّ ما بعد الحداثيّ الذي يرتكز على نقد مركزية الذات. وإذا ما بدت النظرية قائمة على أساس القطبية: العمل الفنيّ من جهة، والمتلّقي من جهة أخرى، فإن الأول يبدو ثابتاً، مستمراً وقابلاً للنقل والحمل والتحويل، بينما يبدو الثاني مؤقتاً، مُخترَعاً ويمكن اختراعه، متعدّداً ومتنوّع التخوم. القراءة لذلك هي نوع من (حوارٍ) بين طرفين، ويستوجب تبادُلاً للخبرات القابلة للتأويل أي الاختلاف. يقوم الحوار، في كل عمل فنيّ أو شعريّ، على تجربة المتلقي (الفردية)، على (السياق) وعلى (توقّعات) المتلقي من العمل. تجربة المتلقي المسبقة التي سيكشف عنها العمل مهمّة في هذه الشروط. الأعمال السابقة تستدعي إذنْ نمطاً خاصاً من (التلقي).
في العالم العربيّ هذا الحوار بين النص الشعريّ والمتلقي يعاني، منذ عشرين عاماً، من إشكاليات كبيرة، إذا لم نقل يكاد يكون متوقفاً. ترتبط المشكلة بالسياقات التي تشتغل فيها القصيدة العربية طيلة هذه السنوات. من المعقول اقتراح حدوث التباس كبير في تلقي الشعر، بسبب غياب السياق الثقافيّ والجغرافيّ المتّسق الذي يضبط الذائقة والثقافة والممارسة الشعرية. ثمة بالأحرى انقطاع متكرّر في الاستمرارية السياقية الضرورية، قادم من استحكام مفهوم (الثقافات المحلية) المتضخّم في الدول حديثة النشوء، وتقوقع ثقافات الدول العريقة لأسباب معقّدة. يكاد يكون هذا الاستحكام صورة مُصغّرة خاصة عن مركزية الذات، بنسخةٍ عربية محلية دَهْورتْ عملية التلقي برمتها على المستوى الشعريّ، والأدبيّ عموماً، وليس في الفنون البصرية بالضرورة وإنْ ظلت تعاني منه بدورها. في شروط البلدان المسيّجة بالميديا ووزارات الثقافة – الإعلام، النص الشعري العربيّ القائم، القابل للنقل والتحويل، يجد أمامه غالباً متلقياً قليل التنوّع وضيق التخوم، ومن الصعب اختراعه. يَصْدق الأمر على المتلقين في البلدان العربية إزاء بعضهم (تشكّل تونس مثالاً نموذجياً لـ "مركزية الذات" الشعرية)، مثلما يَصْدق على بلد واحد يعاني من متلقين في الداخل وآخرين في الخارج مثل العراق. ما الذي يتوقع المتلقي من النص الشعريّ في هذا البلد أو ذاك؟ بل ماذا ينتظر المتلقون في داخل البلد من النص بالمقارَبة مع المتلقين في خارجه؟.
بعبارة أخرى: تطوّر الشعر العربي، منذ السبعينات، في أقطار العالم العربي، بصفته جزراً معزولة، شكّلت ذائقات محلية بعيدة عن بعضها، وتصوّرات مُتناقِضة عن ماهية الشعر، تذهب من العمود إلى النثر، وباختيارات معجمية واستعارية متباينة، لا تبرهن على الاختلاف والتنوّع، قدر ما تبرهن على غياب السياق والاستمرارية الثقافية الضروريين للتلقي. الاختلاف والتنوّع لا يصيران من حينها دالة بديهية على العافية، بل إشارة إلى انغلاق وخصوصيات مشكوك بهما رغم تقنيات التواصُل الحديثة. هكذا سنتحدث عن قصيدة مصرية وأخرى عراقية وثالثة سعودية وأخرى خليجية، وكل منها متميّزة بسمات افتراضية متضخّمة، ومكتفية بحدودها الوطنية. وهكذا سنتعرّف على متلقين صِيغتْ حسّاسيتهم وفق تلك الافتراضات.
ما يعمق المأزق أمران: أنّ بعض الكتابات والمحررين الصحفيين لم ينفكّوا عن الدعوة لحداثةٍ تقع فقط في احتقار البلاغة والنحو والتراث الشعريّ، والانهماك بالذات في يومياتها وعبثيتها، والظنّ أن هموم الشبّان والشابات المشروعة هي وحدها الوجه الأكثر معاصَرة وتجدُّداً للشعر العربيّ. من هذا الظنّ، انبثقت الدعوات الصريحة في السنوات الأخيرة إلى تجاهُل واحتقار ونبذ بعضٍ من رموز الشعر العربيّ الحديث وأساتذته، لتترسّخ إشكالية التلقي وتتوطن.
إذا أضفنا التحوّلات البنيوية المتعسّفة والقمع والهجرات والحروب الأهلية والقلق الوجوديّ والتغيرات الديموغرافية، فإن تلقي الشعر يصير ترفاً، لذا تتراجع مبيعاته في المكتبات، كما يعرف الناشرون العرب جميعاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. د. خيرالله سعيد

    العزيز شاكر لعيبي المحترم جميلة تلك الإشكالية التي تثيرها في هذا المقال، وبتقديري أن هـذا التفاوت في الإدراك بين النص والمتلقي يحتاج لمعرفة مدى ثقافة المتلقي من جهة، ومن جهة أخرى شكل الثقافة الطاغية على تفكيرة، والتي - ربما - ادجلت وعيه في اتجاه معيّـن ،

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram