الرئيسية > أعمدة واراء > تكنولوجيا القبيلة

تكنولوجيا القبيلة

نشر في: 21 نوفمبر, 2014: 09:01 م

هل يمكن أن يكون صحيحاً أن المجتمع العراقيّ عصيّ على النقد؟. أظنّ أن أرشيفاً لما كُتِبَ عن أعمال الراحل علي الوردي، عند صدور الطبعات الأولى لأعماله، سيبرهن لنا أن شريحة مهمة من المجتمع العراقي لم تتقبل تحليله، وأنها نقدته بمرارةٍ. لكم سيكون مفيداً أن ينحني أحد على مهمة جمع هذا النقد الذي جوبه به الوردي حينها، وتقديمه لقرّاء اليوم من أجل رؤية التغيُّر الذي طرأ على قبول أو عدم قبول النقد الموجَّه لعموم الظاهرات السوسيولوجية في مجتمع كالمجتمع العراقيّ.
ما زال هذا التحفّظ على فكر د. علي الوردي قائماً حتى اليوم وإن اتخذ مصطلحات واتجاهات محدثة، فلا نعدم الآن قراءة أفكار من قبيل أن الرجل ذو فكر عنصريّ، جامد وتعسّفي إذا لم نقل إسقاطيّ، وهو علمانيّ، تغريبيّ استشراقيّ، بل هو مولع بـ "سلفية" ابن تيمية التكفيرية بالنسبة للبعض، و"متشيّع" في جوهره بالنسبة للبعض الآخر، كلامه أشبه بتأملات شخصية وتصوّرات، ويدمج الأيديولوجيا بعلم الاجتماع... الخ.
بعض النقد الراهن يشكّل ردّ فعل على التضخيم الاحتفائيّ بشخصية وفكر الوردي، وعدم موازاة أعماله بالأبحاث السوسيولوجية المحايثة لتي لعلها قطعت أشواطاً، وقد تكون تجاوزته منهجياً ومفهومياً. بعضها الآخر يغمز مداوَرَة من طرف ازداوجية المحتفلين الذين يثمنون واحدة من أفكار الجوهرية عن (ازدواجية الشخصية العراقية) بينما هم أنفسهم في صلب هذه الازدواجية، على كل صعيد.
مثل النقد الذي جوبه به الوردي (وقبله الزهاوي والرصافي وروفائيل بطي مثلاً) يمكن أن يُقال عن أي فكر لا يمشي مع تيارات التفكير والقيم السائدة. ما زالت شرائح عريضة لا تتقبّل فكرة نقد المجتمع العراقيّ، وتشيح بوجهها عن كل نقد ذاتيّ، رغم أن جميع المجريات برهنت، في أجواء (الحرية) الفردية والمؤسساتية بعد 2003 أنها، هذه الشرائح، مافتئت عاملاً من عوامل التدهور الراهن، وصولاً إلى صعود داعش الدراماتيكيّ، بالترافُق مع عوامل خارجية وإقليمية يقيناً. لن يستطيع أحد الزعم أن شرائح اللصوص الكبار والصغار، والفاسدين والمفسدين، ومزوّري الشهادات الجامعية، ومهرّبي العملة الصعبة، وسرّاق الدولة جهاراً نهاراً، والمتحاورين بشراسة عبر وسائط التواصُل الاجتماعيّ، وممارسي الطقوس القبلية والعشائرية، والمتضامنين بروابط الدم والفساد بدلاً من الروابط المدنية والوطنية، ومخرّبي الجامعات والتعليم، ومروّجي الطائفية والشوفينية القومية.. الخ، ليسوا من العراقيين، أو أنهم يشكلون نسبة لا تُذكر من بينهم، دون أن ننسى العراقيين الشرفاء بأي حال من الأحوال. هؤلاء لم يستطيعوا بعد الوقوف بوجه تيّار ضارب الجذور.
نزعات التخلف التي ينقدها الورديّ، متقبلاً النقد القاسي حينها، والتبجيل مزدوج الهوية اليوم، وصلتْ إلى تكنولوجيا التواصُل الاجتماعيّ الذي صار منذ بعض الوقت مكاناً لاحتفالات وأعراس وخطوبات وطهور أبناء القبيلة، بحيث أنك معاتَب أشدّ العتاب إذا لم تُسهِم فيها في العالم الافتراضيّ، بالضبط كما تسهِم في (واجب) عائليّ أو عشائري أو طقوسيّ في العالم غير الافتراضيّ. التكنولوجيا نفسها مكيَّفة اليوم صالح تقاليد القبيلة.
نحن نعلم جميعاً أن فحص وتفكيك تلك الظواهر، جميعهاً أو بعضها، قد قوبل، مراتٍ متكرّرة كما تشهد صحافتنا الوطنية، بالعداء أو التبرير السريع أو الصمت الدالّ أو الجفاء، وأحياناً نوقش في ساحات القضاء.
ماذا يمكن أن يقول سوسيولوجيّ مثل علي الورديّ عن الإصرار المستمر لشريحة من أبناء البلد على رفض أيّ نقد ذاتيّ للمعتقدات البائدة، والتمترس في المعايير الموروثة والعرفية المريحة؟، دون أن ننسى قط حضور السائرين بإصرار وصلابة ضدّ التيّار.
أحسب أن التحليل المُحبّ، الواضح، هو وحده الكفيل بتجاوز المعضلات العويصة، بدون، للمرة الثالثة، جلد مازوشيّ للذات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ضبط كريستال بحوزة مسافرة أجنبية في منفذ الشلامجة

الحكيم: الانتخابات المقبلة قائمة وفي موعدها

الداخلية تعلن نتائج التحقيق بحادثة اعتداء في العامرية وتقرر إحالة الملف إلى مكافحة الإجرام

المرور تتوعد اصحاب الدراجات النارية وتحدد الضوابط

أرض العراق الملغومة تعادل 300 ألف ملعب كرة قدم

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: السعادة على توقيت الإمارات

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجزعن مواجهة واقع يسير بنا إلى...
علي حسين

كلاكيت: عن (السينمائي) وعبد العليم البناء

 علاء المفرجي علاقتي مع (السينمائي) لها حكاية، تبدأ من اختياري لها لكتابة عمودي (كلاكيت) منذ عددها الأول، ولا تنتهي بعددها الأخير. ولئن (السينمائي) تحتفل بعشريتها الأولى، كان لزاما عليّ أن أحتفل معها بهذا...
علاء المفرجي

تركيا تواجه التحول الجيوسياسي الناجم عن عودة دونالد ترامب إلى السلطة

جان ماركو ترجمة: عدوية الهلالي في الأسابيع الأخيرة، ومع ظهور الديناميكيات الجديدة للجغرافيا السياسية لترامب، تركز الاهتمام إلى حد كبير على اللاعبين الرئيسيين في الساحة الدولية، بدلاً من التركيز على دول الطرف الثالث التي...
جان ماركو

منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

محمد علي الحيدري يبدو أن ملف التفاوض بين إيران والولايات المتحدة دخل مرحلة جديدة من التعقيد، ليس بسبب طبيعة الخلافات القديمة، بل نتيجة تبدّل ميزان القوى الإقليمي والدولي، الذي بات يفرض مقاربة مختلفة عن...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram