بعد انطفاء شعلة المماحكات التي قادتها الدوحة ضد بعض شركائها في مجلس التعاون الخليجي، وكادت تطيحه وتقتل التجربة المتنامية منذ عقود، تنعقد غداً في العاصمة القطرية قمة للمجلس الذي بات من أبرز مراكز النفوذ الاقتصادي والسياسي في العالم العربي، وهي قمة تسعى للحفاظ على دور سياسي منسق بالحد الأدنى، وأن تحافظ على حصتها من سوق النفط العالمي، خصوصاً وأن دول الخليج تستأثر بما يقرب من ثلثي الصادرات في منظمة الدول المصدرة للنفط "اوبك"، كما سيكون ملفا الأمن بعد قيام دولة الإرهاب الداعشية، والعلاقات مع المحيط العربي، وفي القلب منه مصر، حاضران إلى جانب العلاقة مع إيران التي تحتفظ بعلاقات متباينة مع الدول الأعضاء في المجلس.
لم تتم المصالحة مع شيوخ الدوحة لأنهم تراجعوا عن مواقفهم، بقدر ما فرض نشوء دولة داعش وخطر تحول ذلك التنظيم إلى معضلة داخلية في كل دول الإقليم، ما يعني أن الملف الأمني سيكون الأبرز، ولعله يفضي إلى تكوين هيئة عسكرية مشتركة، تتولى تنسيق الحرب على الإرهاب، بالتشارك مع التحالف الدولي، خصوصاً مع أنباء عن توافق عواصم الخليج على معظم المواضيع السياسية، وأبرزها الوضع في سوريا، الذي لم يعد موضوع خلاف بين الرياض والدوحة، دون إغفال استمرار التباين في وجهات النظر، تجاه العلاقة مع مصر وكذلك الدور الايراني.
اقتصادياً ستقف القمة الخليجية السادسة والثلاثون أمام معضلة النفط وانخفاض أسعاره، لكنها ستسعى لتثبيت حصتها من السوق النفطي، كما تسعى للضغط على منتجي الطاقة من الصخر النفطي، للمحافظة على نفوذها في سوق الطاقة العالمي، وهي ترى أن المحافظة على حصص السوق أهم من أسعاره ، خصوصاً وهي قادرة على تحمل تداعيات تهاوي الأسعار، نتيجة الفائض المالي المتوفر لديها، والمقدر بحوالي 2500 مليار دولار راكمتها خلال السنوات الأخيرة، وتعطيها فرصة الصمود لثلاث سنوات، مع تخفيض الميزانيات الضخمة، التي اعتمدتها دول الخليج لبرامج التنمية التي أطلقتها لمواجهة تداعيات الربيع العربي، وقد يؤدي ذلك لاحقاً إلى عجز يضرب ميزانية البعض منها للمرة الأولى منذ فترة طويلة.
مثل كل القمم الخليجية السابقة، توصف قمة الدوحة بأنها تشكل منعطفاً مهماً، ونقطة تحول في مسيرة المجلس نحو خدمة المصالح المشتركة بين دول وشعوب المنطقة، وتحقيق الأهداف والتطلعات المنشودة التي قام المجلس على أساسها، وهذا كلام إنشائي لايقدم ولا يؤخر، ذلك أن الأكثر أهمية وإلحاحاً، هو صياغة موقف صارم من التنظيمات الإرهابية بكل مسمياتها، بالنظر لما تشكله من خطورة تستوجب تجفيف منابع الدعم لها، وليس سراً أن تلك التنظيمات، وخصوصاً داعش وجبهة النصرة والإخوان المسلمين، حظيت بدعم وازن من الخليج حكومات وشعوباً، وإذ أدركت الحكومات خطر الوحش الذي رعته، فإن عليها اليوم توعية مواطنيها بهذا الخطر، وأكثر من ذلك منعهم من تقديم أي مساعدة لتلك التنظيمات، وكشف ظلامية أفكارها وبعدها عن الطريق القويم، ولن يكون كافياً التوقف عند الإدانة اللفظية لما ترتكبه من موبقات باسم الدين.
إعلان القيادة العسكرية الخليجية الموحدة، وإنشاء قوة بحرية مشتركة، وتشكيل شرطة خليجية، إنجازات مهمة إن تحققت، لكنها ستظل قاصرة عن تحقيق الهدف، إن لم تكن استراتيجيتها الأساس هي محاربة الإرهاب المتستر بالإسلام، والمتخفي وراء "مظلومية الطائفة السنية"، وأيضاً محاربة الطائفية التي تفرق ولا تجمع، وتعطي للظلاميين فرصة فرض وجودهم، وبغير ذلك فإن الشرر المتطاير من تخوم دولة الخلافة، سيصل إلى كل بئر نفط في الخليج.