لم يكن غريباً ولا مستهجناً ولا غير طبيعي، خروج آلاف المواطنين الألمان في تظاهرة انطلقت في مدينة دريسدن، ضد "طالبي اللجوء وأسلمة البلاد"، في عين اليوم الذي احتل فيه مهاجر مسلم مقهى في أستراليا، محتجزاً عدداً من الرهائن مطالباً برفع علم داعش، صحيح أن ألمانيا اعتادت أن تشهد مظاهرات يحركها اليمين المتطرف، وتحظى بدعم النازيين الجدد ومشاغبي كرة القدم المتطرفين، وصحيح أن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل دانت مثل هذه الاحتجاجات، وحذرت مواطنيها من "استغلال" المتطرفين لهم، وقالت إن حق التظاهر لا يصل إلى مستوى "اثارة المشاكل والتشهير" ضد الأجانب، لكن الصحيح أيضاً أن حادثة كالتي شهدتها مدينة سيدني، تعطي مبرراً لكل مواطن غربي في النظر بعين الريبة للمهاجرين، وخصوصاً إن كانوا يدينون بالإسلام، الذي ترتكب باسمه وتحت راياته السوداء كل العمليات الإرهابية، سواء في مدن الغرب التي تعرضت مراراً لغزوات أتباع أسامه بن لادن، أو الصحارى التي انطلق منها هذا الدين، وهي تتعرض اليوم لإرهاب الإسلام السياسي الإخواني، وداعش التي تدعو لدولة الخلافة واستعادة زمن الفتوحات.
يرفض المتظاهرون ضد اللجوء والأسلمة وصفهم بالنازيين، ويؤكدون حقهم في المحافظة على بلادهم وقيمهم، ويسألون هل هي جريمة أن يكونوا وطنيين، وطبيعي في ظل النظم الديمقراطية "الكافرة" أن يرفض الكثيرون هذه الاحتجاجات، خشية انتشار وتعميم الفكر النازي وهو ليس بعيداً عن فكر المتطرفين الإسلاميين، فكلاهما يدعي احتكار الحقيقة ويتعالى على الغير، غير أن اللافت أن مناهضي هذه الاحتجاجات هم جماعات مدنية وسياسية وكنسية، يرفضون اعتبار الإسلام متطرفاً بالمطلق، لكن الإيراني وهو يحمل ثلاثة أسماء، المتحول من المذهب الشيعي إلى السني، والمتهم بالعديد من قضايا التحرش الجنسي ومحاولة قتل زوجته، والذي قام منفرداً بغزوة سيدني، سيمنح المتطرفين الحق بمعاداة الإسلام، خصوصاً وأن الأزهر، ويعتبره البعض الهيئة الرسمية للمسلمين السنة، رفض رفضاً باتاً وبقوة تكفير داعش، ورفض حتى مجرد مناقشة مشاركة جيوش الدول الإسلامية في الحرب ضد هذا التنظيم الإرهابي المتطرف، رغم أن الهدف المعلن لتلك الحرب هو حماية الإسلام المعتدل.
القارة الاسترالية، التي تعرضت كبرى مدنها للعملية الإرهابية، استقبلت مئات الآلاف من المهاجرين المسلمين، ويقطن سدني وحدها ما يقرب من نصف مليون مسلم، وإذا كان مفتي أستراليا ومعه أكثر من 40 منظمة إسلامية، دانوا في بيان مشترك احتجاز الرهائن، فإن سيدني شهدت حوادث طائفية متفرقة ضد المسلمين والإسلام، باعتبار أنه لا يوجد شيء اسمه إسلام معتدل، وتعرضت نساء يرتدين الحجاب للمضايقة، فيما طالبت رابطة الدفاع الأسترالية اليمينية أتباعها بالاحتجاج أمام مسجدين كبيرين، وإذ يزعم البعض أن دولاً غربية عديدة، عملت على تشويه صورة الإسلام، من خلال ربطه بالإرهاب، فإن الجرائم التي ترتكبها تنظيمات وجماعات متأسلمة، تتكفل بتشويه صورة الإسلام، وقد نجحت في مهمتها نجاحاً باهراً بجز الرؤوس وسبي النساء وإعدام الأجانب، ما أسفر عن إضعاف المؤيدين للعرب وقضاياهم، مع أنه يصيب المسلمين أيضاً، مثلما أضعف عدالة القضايا العربية والنضال من أجل القضايا الأساسية، فيما ابتعدت إسرائيل عن موقعها المتقدم كدولة إرهابية.
هل هي مصادفة تزامن الإعلان عن ولادة دولة الخلافة الداعشية، وبروز التوتر الطائفي بين المسلمين أنفسهم ومع الديانات الأخرى، والتحركات الكريبة للإسلام السياسي، مع السعي لإقرار قانون يهودية دولة إسرائيل، وبمعنى أن الدين ثم الطائفية هو عنوان الدول، سؤال ينتظر الإجابة من جهابذة الإسلام السياسي، ولن ننتظر تلك الإجابة.
غزوة سدني والإسلام السياسي والإرهاب
نشر في: 16 ديسمبر, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/Almada-logo.png)