TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هيّه باب وهيّه ريح

هيّه باب وهيّه ريح

نشر في: 23 أكتوبر, 2012: 05:12 م

ربما لاحظ القارئ الكريم أني منحت نفسي راحة بالابتعاد عن الكتابة في الهم السياسي على مدى أسبوع تقريبا. وقد يتصور البعض أن هذا الابتعاد سهل على من يكتب عمودا يوميا. الحقيقة عكس ذلك. فابتعادي عن الكتابة في الوضع السياسي العراقي، الذي قد يكون الأتعس بالعالم، لا يمكن أن يحدث إلا إذا أغلقت كل منافذ الأخبار. وفعلا أغلقتها وقررت، على الأقل، أن لا أتابع القنوات الفضائية العراقية لمدة أسبوع كامل، تيمنا بقول من قال "باب التجيك منها ريح سدها وستريح".

لكن، وكما يقول العراقيون، "البيك ما يخليك" عدت للأخبار بعد أن انتهى الأسبوع ممنيا النفس أن أجد فيها شيئا قد تغير. تابعتها وإذا بها "نفس الطاس ونفس الحمام". لا بل وجدت الطاس مخسوفا أكثر والحمام يخرّ دما عبيطا. أول خبر مسخّم، وان كان متوقعا، يبشرنا بتفجير مزدوج بالكاظمية احدهما في سوق باب الدروازة. التقرير المصور الذي رافق الخبر كأنه أفلام أرشيفية من مئات التقارير السابقة. أمهات منكوبات. دموع تسيل. نحيب يكسر قلب حتى من لا قلب له. أطفال ممدون. جثث محترقة. صبيّة بُترت ساقها، وطفل على وشك أن يفارق أنفاسه في أي لحظة.

أكرر ما قلته من قبل، وأظل أكرره: أن زوّار الإمام الكاظم قدموا من الضحايا ما لم يقدمه زوار أي عتبة مقدسة. ومع هذا نجد حكومتنا، بقيادة رئيسها المؤمن، لم تتعلم درسا واحدا في كيفية حمايتهم. أكثر من ألف مرة ومرة سمعت من دعاة الإيمان بالله ورسوله، ومن لسان المالكي نفسه، أن النبي قال "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين". فأين هذا المؤمن وهو يرى المؤمنين، لا يلدغون مرتين، بل وتُقطَّع أوصالهم عشرات المرات قرب ضريح الإمام؟ لو كان باب الدروازة جحرا من جحور الخضراء لما تفجر مرة واحدة وليس مرتين.

ويقولون إن الكاظمية مقدسة، ولا نختلف مع من يقول. لكن القداسة لا تخص ارض المدينة فقط، بل الأهم أن تشمل دماء الناس التي عليها. فدم بني آدم عند الله أكرم من بيته. أشد ما أستغربه حين أسمع عن تفجير بالكاظمية هو صمت السادة ورجال الدين فيها. وليتهم اكتفوا بالصمت، بل نسوا دماء الناس وأيتامهم وأراملهم وجرحاهم. لم يدعوا الله لينتقم من حكومة لم تحمهم، بل لأنها لم تكمل هجومها لتجتث الغناء و "السافرات" وشرابي الخمر، وليس الإرهابيين.

قبل ليلة واحدة فقط من التفجير الأخير خطب السيد حازم الأعرجي في صلاة الجمعة هاتفا من قلب الكاظمية: لا للغناء لا للخمر لا للسفور لا للقمار.

يا بعد شيبي يا سيدنا، أريد أن أستحلفك بجدك رسول الله لأسألك: هل سمعت يوما بسكران فجر نفسه وسط حشد من المؤمنين أو غير المؤمنين؟ وهل سمعت بمطرب كفّر هذا أو ذاك وحلل دمه؟ وهل سمعت "بسافرة" أو "متبرجة" كما تسميها، نسفت جامعا أو حسينية أو اقتحمت فندقا ليلة عرس فهجمته على رأس العروس والزفّافة؟

وحقكم، تمنيت أن لا أعود للأخبار وأسّد الباب التي تأتي منها الريح، لكني كما قال الرائع الراحل طارق ياسين: شلون أسدها..  وهيّه باب وهيّه ريح؟ 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. عطا حسن

    الاخ العزيز هاشم العقابي. اتمنى لك كل الخير و في الدوام المستمر لكتاباتك الهادفة و النابعة من صميم وعيك العراقي الاصيل.دك الفاس بلراس...الظلاميين سرقوا احلامنا و اهدافنا...و لا يبتعد العراق الحالي عن المثل الشعبي الرائع(شدوا على الكلاب سروج). اكتب لك من ا

  2. المدقق

    بس اطلعو منها وهي تعمر لان سبب الخراب انتو وامثالكم واسيادكم ... مدد يا سيادي مممممممممممدد

  3. Ankido

    دماء الناس الابرياء لا تعني شيئا على الاطلاق للصوص وتكارتت العراق الجدد اصحاب الدرجات الخايسة والسيارات المصفحة والجوازات الدبلوماسية والشهادات المزورة امراء احزاب الطوائف والقوميات احزاب الفرهود والاقطاع السياسي الفاشلة ابطال المشاريع الوهمية والنص ردن و

يحدث الآن

القصة الكاملة لـ"العفو العام" من تعريف الإرهابي إلى "تبييض السجون"

الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية والفنية

شركات نفط تباشر بالمرحلة الثانية من مشروع تطوير حقل غرب القرنة

سيرك جواد الأسدي تطرح قضايا ساخنة في مسقط

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جنرالات الطائفية

العمود الثامن: لماذا لا نثق بهم؟

الصراع على البحر الأحمر من بوابة اليمن "السعيد" 

العمود الثامن: رئيستهم ورئيسنا !!

كيف يمكنناالاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

 علي حسين أعرف جيداً أن البعض من الأعزاء يجدون في حديثي عمّا يجري في بلدان العالم نوعاً من البطر لا يهم المواطن المشغول باجتماعات الكتل السياسية التي دائما ما تطابنا بـ " رص...
علي حسين

قناطر: الربيع الأمريكي المُذِل

طالب عبد العزيز هل نحن بانتظار ربيع أمريكي قادم؟ على الرغم من كل ما حدث، وقد يحدث في الشرق الأوسط، نعم، وكم هو مؤسف أن تتحرك دفة التغيير بيد القبطان الأمريكي الحقير، وكم قبيح...
طالب عبد العزيز

تضارب المصالح بين إسرائيل وتركيا في سوريا وعواقبه

د. فالح الحمـــراني كما بات معروفاً، أن وزير الدفاع الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو*، خلال لقاء حول موضوع الوجود التركي في سوريا، طرحا مقترحاً لـ"تقسيم سوريا إلى مناطق مقاطعات (الكانتونات)". وذكرت صحيفة إسرائيل هايوم عن خطة...
د. فالح الحمراني

النظام السياسي في العراق بين الخوف من التغيير وسؤال الشرعية

أحمد حسن لفهم حالة القلق التي تخيم على النخبة السياسية في العراق مع كل تغيير داخلي أو إقليمي، لا بد من تحليل عميق يرتكز على أسس واضحة ومنطقية. فالشرعية السياسية، التي تعد الركيزة الأساسية...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram