-1-
اذا كانت رواية "طبل الصفيح " تعد واحدة من اهم اعمال الراحل غونترغراس ، فانها لاشك تعد واحدة من اهم الاعمال التي عالجتها السينما.
رواية غونتر غراس "الطبل الصفيح" هي اهم واشهر روايات الكاتب الالماني الذي نال جائزة نوبل الادبية . فقد ترجمت الى اغلب لغات العام ، وعدها النقاد من عيون الادب العالمي . في نهاية السبعينات يتصدى المخرج الالماني فولكر شلندروف لنقلها الى الشاشة في مغامرة اثمرت تحفة سينمائية رائعة تعد من روائع الانتاج السينمائي منذ بدايته ، وعد "اوسكار" بطل الرواية احد اهم الشخصيات في الادب العالمي . ومثلما نقلت الرواية صاحبها الى قمة المجد الادبي فانها وضعت مخرجها بين مصاف مخرجي السينما في العالم ، ويكفي ان هذا الفيلم تقاسم عام 1979 سعفة كان الذهبية مع تحفة سينمائية اخرى صنعها فرنسيس كوبلا ، ويا للمصادفة كانت معالجة متقدمة لرائعة جوزيف كونراد "قلب الظلام"..
لم يحاول شلندروف في فيلمه فرض رؤيته الخاصة على النص الادبي بل تعامل معه بحذر شديد للحفاظ على المضمون الخيالي للرواية في اطار واقعي دقيق فاقتصر دوره على الربط بين الاحداث على اختلافها وتنوعها الشديد وهي مهمة لم تكن سهلة على اية حال ، خاصة ان المؤلف لم يلتزم باسلوب روائي واحد وانما استعان بشتى الاساليب لاحد فيها يفصل بين الواقع والخيال. الشخصية الرئيسية في الرواية هي القزم "اوسكار ماتسرات" نزيل مصح عقلي يكتب مذكراته ابتداء بقصة آبائه وميلاده ونشأته وحياته في ظل النازية والحرب، ثم قصته مع مجتمع ما بعد الحرب. ومن خلال هذه المذكرات نتعرف على قرار اوسكار بوقف نموه في عيد ميلاده الثالث احتجاجا على ما يحدث حوله ثم قراره بالنمو مرة اخرى بعد انتهاء الحرب.
تجلت الصعوبة في تحويل النص الادبي في طريقة السرد فـ " اوسكار" يروي ذكرياته بطريقة الانتقال من الحاضر الى الماضي وهو ما يلزم الكاميرا بالعودة الى الوراء على طريقة الـ"فلاش باك" ، وللافلات من هذه الفكرة يلجأ شلندروف الى طريق التتابع الزمني الذي اضطره الى تخطي المرحلة الاخيرة في المذكرات التي تعالج احداث ما بعد الحرب، وهي ايضا مرحلة كتابة المذكرات والاكتفاء بالتسلسل الزمني لحياة اوسكار حتى انتهاء الحرب بخلفية الاحداث التي ترافقها..
في النص الروائي يكتب غونتر غراس سيرة تاريخية من خلال سيرة بطله ، بمعنى انه يرصد الاحداث التاريخية من خلال منظور حياة متفردة، منظور شخصية مصطنعة هي شخصية القزم "اوسكار" والذي هو بدوره مرآة مشوهه لهذا الواقع بسبب رفضه له وتمرده عليه.. فكان من المهم ان يستعين الفيلم بوسائله الخاصة لتكريس هذه الحقيقة فمنذ اللقطة التي يرفع بها الطبيب المولود الجديد اوسكار من قدميه وتثبيت الكاميرا عند مستوى رأسه يجعلنا المخرج نلتزم في اغلب المشاهد واللقطات بمنظوره للاحداث التي ستقع بعد ولادته.
ومن هناك يمكن لنا رصد مستويين للرؤية: المستوى الاول هو مستوى سرد للاحداث والمستوى الثاني لحظة ولادة اوسكار مستوى معايشة الاحداث، الذاتي والموضوعي اذن هو اساس التحكم في جميع العلاقات ولم يعدم المخرج حضور تأكيد هذه الحقيقة ، حديث اوسكار عن نفسه بضمير المخاطب ثم بضمير الغائب، تحديد الالوان من مشهد الى اخر وحتى المؤثرات الصوتية والموسيقية.
يتبع