افتتاح سدة الهندية
قدم إلى العراق في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي رجل هندي من طائفة البهرة غايته زيارة المراقد المقدسة في العراق اسمه آصف الدولة الهندي وكان ثريا ،لفت نظر هذا الرجل افتقار مدينة النجف إلى المياه، فأمر بشق نهر يأخذ مياهه من نهر الفرات جنوب المسيب ،ولما تم شق الجدول اخذ مجراه بالتوسع وبمرور الزمن تحولت معظم مياه نهر الفرات إلى النهر الجديد إلى أن جف شط الحلة تماما ،وقامت الحكومة العثمانية بعدة محاولات لإرجاع المياه إلى شط الحلة ولكن دون جدوى .وفي عام 1885 جف شط الحلة تماما وذهبت أهمية الحلة الاقتصادية وهجرها سكانها إلى المناطق المجاورة وعندها أرسل السيد محمد القزويني برقية إلى الأستانة على شكل شعرا :
إلى أن يعود الماء في النهر جاريا
ويخضرّ جنباه تموت ضفادعه
وعندها فكرت الحكومة العثمانية في حل المشكلة فاستدعت المهندس الفرنسي شندوفيرز وطلبت منه أن يقيم سداً على نهر الفرات وباشر المهندس الفرنسي شندوفيرز عملية بناء السدة ،ومما يؤسف له حقا أن بناء السدة تم من آثار بابل بعد أن تهدم باستخدام الديناميت وأكملت السدة في عام 1890 وافتتحت في نفس السنة .
إن السدة التي بناها المهندس الفرنسي (( شو ندير فر )) عام 1890 على نهر الفرات أخذت تتهدم بمرو الأيام حتى إذا حل عام 1905 أصبحت الحالة في شط الحلة أشد مما كانت عليه قبل إنشاء السدة وانقطعت المياه في موسم الصيهود عن أراضي الحلة والديوانية والدغارة.
وفي شهر كانون الأول 1908 وصل المهندس البريطاني المعروف السر (( وليم ويلكوكس )) إلى بغداد حيث عينته الحكومة العثمانية مستشارا للري في العراق .
وبعد دراسة الوضع اقترح بناء سدة ذات أبواب حديدية على بعد 800 متر من شمال سده شو ندير فر . وأخذت الحكومة بهذا الاقتراح وعهدت ببناء السدة إلى شركه (( جاكسون )) البريطانية وباشرت الشركة العمل في شباط 1911 ، حيث بنيت السدة على اليابسة في الجهة الشرقية من مجرى النهر واستخدم فيها زهاء 3500 عامل عراقي وجرى العمل فيها بدقه عجيبة، ويعود الفضل بذلك للشركة والمهندس في بنائها بتلك الضخامة في وضع إداري متردٍ.
بلغت تكاليف السدة (( 250000 )) ربع مليون ليرة وهذا مبلغ زهيد ويمكن أن نعزو ذلك إلى رخص أجور العمل من جهة ونزاهة المشرفين على العمل من جهة أخرى .
وفي مثل هذا اليوم من عام 1913 ، جرى الاحتفال بافتتاح السدة وحضر الافتتاح القناصل وكبار الموظفين والأعيان كما حضره الوالي بالوكالة (( محمد فاضل باشا الداغستاني )) وكان حفلا مهيبا ألقى فيه المستر هويتلي مندوب الشركة خطابا بالفرنسية فأعقبه الداغستاني بخطاب أخر بالتركية .
ثم سار الجميع إلى سد التراب الذي أقيم لمنع الماء من الجريان فتلا دعاءً وذبحت الذبائح ، ثم أمسك الداغستاني مسحاة أزال بها شيئا من التراب واندفع من بعده عشرون عاملا فأزالوا سد التراب كله في خمس دقائق وتدفقت المياه نحو السدة .