كاظم العبودي
قبل أكثر من 25 عاماً ، علقت ببالي لقطة من فيلم يحكي عن بعثة النبي محمد (ص ( تساءلت في حينها عن صدقها مرات عديدة رغم صغر سني في تلك الفترة .
اللقطة هي إقدام أحد المشركين على أكل إلهه الذي صنعه من تمر عندما شعر بالجوع بعد أن كان يعبده ويتقرب إليه زلفا ويعرض عليه حوائجه الواحدة تلو الأخرى لقضائها.
لكنني سخرت من ذلك الرجل ولم أصدق أن إنسانا عاقلا يفعل هذا الشيء مهما بلغ به الجهل حتى وإن عاش في زمن الجاهلية.
مرت السنون وجاء بعدها المسلسل الإيراني "يوزر سيف" وشاهدت مرةً أخرى كيف أقدم البشر على صنع آلهتهم من حجارة في المعبد الكبير وكيف دافعوا عنها على الرغم من أن "الخماهو" ورجال معبد "آمون" كانوا يعمدون على تحريك الآلهة لإيهام الناس بقدرتها على التحرك وصنع المعجزات وهم يعرفون "كهنة المعبد" عجزها ووهنها، كذلك لم أصدق هذه المشاهد وقلت في قرارة نفسي مبالغاً فيها.
لكن ما مر به المشهد السياسي العراقي خلال هذا العام واطلاعي على أحداث وأخبار الأزمة السياسية في العراق بصورة عامة وعلى أفعال وأعمال المسؤولين بصورة خاصة جعلني أتيقن جهلي باكتشاف بعض من حقائق تلك المشاهد ،حيث اكتشفت صانعي الآلهة وهم ينتشرون من حولي أين ما أذهب لأنهم كثيرون في هذا البلد ولكن باختلافات بسيطة عن الماضي على الرغم من امتداد المسافة الزمنية الشاسعة بين أيام الجاهلية والجهل وعصر الحداثة والتطور والعولمة التي نعيش فيها.
بفوارق صغيرة جدا وهي أن أولئك الأشخاص(الجاهليين ) صنعوا آلهتم من الجماد بينما أحفادهم (افاد الخماهو صانع آمون الإله الكبير) صنعوها من البشر .
وباستطاعة أي عاقل أن يشخص بسهولة تلك الكائنات البشرية الصانعة للآلهة ،فهنالك مجاميع من العراقيين متخصصة بهذا المجال "صنع إله" وإحاطته بهالة من القداسة والرهبانية خصوصاً آلهة السياسة ،وهدف هذه الصناعة هو القضم وإشباع الكروش كما فعل ذلك الجاهلي في المشهد الأول "أكل إلهه التمري".
إن صناعة الآلهة من التمر وأكلها أيام القحط في سابق الأزمان يساوي صناعة آلهة النفط وآلهة المصارف والمكافآت و الإيفادات والسفرات ،فضلا عن آلهة التعيينات وآلهة الفساد في هذا الزمن ،لكن آلهة هذا العصر من لحم ودم دون أحاسيس ومشاعر "كآلهة معبد آمون التي يحركها الكهنة ليحصلوا على مبتغاهم من وراء هذه الأفعال".
إن " صانعي الآلهة" يقومون بإحاطة شخصياتهم الإلهية بأغشية ،أهمها الوهم والمديح المفرط الذي يجعل من الإله يحلق في السماء دون أن ينظر إلى من هو في الأرض ،يحلق عاليا ويرفرف بأجنحته الوهمية التي حيكت من تبريد الأخطاء والكلام المعسول الذي صاغه أحفاد "الخماهو".