طوال سنوات كان هناك علمانيون واسلاميون، يسألوننا بتعجب او غضب: كيف تمتدحون مرجعية النجف، وانتم تؤمنون بدولة علمانية؟ هذا سؤال يطرحه علينا بغضب، اسلاميون وعلمانيون.
ويكشف هذا الاستفهام الاستنكاري خللا عميقا في صوغ السؤال الثقافي والسياسي في العراق، وهذا ما ادى الى سوء فهم في مجالات كثيرة، حول الدين وما وراء الدين، وتسبب في هدر الوقت والدم.
لندقق قليلا. ان سؤال الحداثة السياسية يدور في النهاية حول: كيف نتعايش في مكان واحد بسلام، رغم اختلاف افكارنا وطرائق حياتنا؟ اما التخلف السياسي فيطرح السؤال بصيغة عرجاء: هل تريد الحداثة السياسية ان تقضي على الاسلام؟ ام انها ستلتزم بضوابط الاسلام؟ وبالتالي لا يريد هذا الطرف ان يسمح للعلمانية بالتعايش مع الاسلام، بل هو لا يتخيلها سوى منتصرة على الدين، او مهزومة، وفي الحالتين هناك سبب للحرب لا للتعايش.
وما يحصل هذه الايام امر مشابه، يرتكبه علمانيون واسلاميون. فهناك غضب على اخطاء الاحزاب. والمرجعية الدينية ايدت هذا الغضب، وطلبت محاسبة الفاسدين "بلا هوادة". وبدل ان تنشغل الاحزاب الدينية بفهم الرسالة، راح بعضها يصيح: وا اسلاماه! مستغلا بعض الشعارات وبعض الانفعالات، لكي ننسى القضية الاساسية (الفساد)، وننشغل بصراع مفتعل وغير موجود حاليا في العراق، بين الدين والعلمانية.
يخطئ العلماني حين يعتقد ان الاسلاميين هم الذين افسدوا التجربة. فنحن نعلم نوع وعدد العلمانيين الفاسدين وغير الخبراء في كل اللعبة. ويخطئ الاسلاميون حين يتصورون بان من الممكن ان يصمت الجمهور، او ان تنجو رقاب الفاسدين الاسلاميين، عبر ترديد صرخة "وا اسلاماه" لانها صرخة لن تنجح في مشاغلتنا عن حقيقة كبيرة قالتها النجف وقلناها نحن: ان الاصلاحات ضرورية منعا لتقسيم العراق او حدوث عواقب وخيمة!
لقد لعب العلمانيون دورا في اولى مراحل الاعتراض السياسي الايجابي، حين احتجوا على اخطاء المالكي. ونحن اليوم نعيش المرحلة الثانية للاعتراض. كما ان الاسلاميين لعبوا دورا في المرحلة الاولى وساهموا بقوة في تطويق خطر المالكي او تخفيفه، ثم خلعه. وسيلعبون الان دورا مؤثرا في الاصلاح، اذ لا خيار سوى البدء بالتغيير.
ولذلك يجب ان نكون حذرين من صياغة خاطئة للسؤال حول علاقتنا بالمرجعية. لاحظوا ان بعض العلمانيين يحاولون ان يقولوا للنجف: لا تدعموا الاسلاميين فهم فاسدون. اتركوهم بلا دعم وسننتصر عليهم! لكن هذا محض وهم بالطبع، لان الحركة الدينية تعيش عصر قوتها ولديها جمهورها. اما الاسلامي او بعض الاسلاميين، فيريدون ان يقولوا للمرجعية: ان مصلحة الاسلام تقتضي ان لا نحمي مظاهرات العلمانيين، لانهم ملاحدة، والاولوية لحفظ الدين ولا وقت لمحاسبة المالكي! وهكذا يجري تداول "معلومات واستخبارات" للتدليل على إلحاد الناشطين واخفائهم مؤامرة!
لكن المرجعية تعلم، ان اكبر مؤامرة على الدين هي تعيين اسلامي ناقص الخبرة والامانة، في منصب حساس وكبير، ليفسد ويخرب الدولة. وتخريب الدولة ينتهي الى ثورة وفوضى، او تقسيم دموي، او تقديمنا هدية لشرقنا وغربنا.
لا يتطلب الامر ان نفكر بوجود خديعة. لا النجف تريد خداع العلمانيين الناشطين والمعترضين. ولا العلمانيون في الغالب، يطمعون ب"خداع" النجف لاخذ مناصب. ان العلاقة بين النجف والعقلاء الاسلاميين والعلمانيين، قائمة على التوحد في قناعة سياسية كبرى: ان هناك فراغا سياسيا، وغضبا شعبيا، وخصوما متشددين يريدون التخريب والاختراق، والامر يتطلب دورا جادا من مراكز القوى الدينية والعلمانية، لتعمل معا في مواجهة المأزق. وهذا العمل المشترك في وسعه ان يقودنا الى حوار لاحق: كيف سنتعايش معا، نحن العلمانيون وانتم المؤمنون؟ اذ ان كلا الطرفين يجب ان يستعد لتنازلات داخلية تحصن الوطن من الاختراق.
ان "غموض" علاقة النجف بالحراك المدني، قد يستخدم كذريعة حزبية لانقاذ رؤوس فاسدة وخطيرة، لكنه قبل ذلك، غموض سببه اخطاء في صوغنا للسؤال الثقافي والسياسي في العراق. وكل هذه الدماء تسيل من ثقوب الاسئلة المغلوطة
المرجعية وعلاقة غامضة بالعلمانيين
[post-views]
نشر في: 24 أغسطس, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو سجاد
هل تعتقدهناك غموض بعلاقة النجف مع الحراك المدني وما معنى وقوف النجف مع الجماهير وتحريضها على المطالبة بحقوقها وهذا من خلال خطب الجمعة في كربلاء والنجف وما نوع هذا الغموض يااستاذ سرمد
كاظم مصطفى
ومن قال ان العلمانيه ضد الدين وتحاربه فهاهي فرنسا اكبر دوله علمانيه في اوربا اذهب وعدد مساجدهاا ستجدها بالمئات العلمانيه نظام حكم للعداله والمساواة بين جميع المواطنين مهما اختلفت عقائدهم ومذاهبهم وقومياتهم.اما الدوله الدينيه فستبقى في صراع بين المذاهب