لا يبدو لي ممكنا معالجة هذا الموضوع العريض هنا إلا بسلسلة ومتواليات من الأسئلة، مع تمهيد ضروريّ يزعم أن الشروط العامة التي كان يشتغل الشعر فيها بالأمس ليست الشروط الحالية على كل صعيد.
هل نحن في أزمة شعر، أم أزمة قراءة الشعر؟. أليست مشكلة التلقي محفوفة، في السياق العربيّ، بجميع المعضلات التي لا تتصل مباشرة بالثقافة، ولا بالشعر بالأحرى؟ ألسنا أمام أزمة نقدية مُصِرّة على أسماء بعينها تعتبرها رفيعة ولا تقرأ لسواها إلا عرَضاً، لسبب إعلاميّ، دعائيّ، معروف منذ الثمانينات في الأقلّ؟.
لكننا في حقيقة الأمر نعاني، منذ الخمسينات حتى اليوم جموداً مستعصياً مُتَمَحْوراً على أسماء شعرية بعينها (ثلاثة، أربعة، خمسة..) ثابتة، ثم أسماء بعينها ثابتة أيضاً لجميع الحقب اللاحقة، حيث كل حقبة تتشبث، حقاً وباطلاً، بأسماء شعرية محدودة؟.
ألا تعترف الثقافة العربية، نظرياُ، بالمجهول والمنسيّ والمهمّش، لكنها لا تشتغل عملياً عليه إلا نادراً، في الحقل الشعريّ والتشكيليّ والنقديّ وعموم الثقافة، لأن الاشتغال على العُرْفيّ والمتوطّن والمشهور (يسمى متكرّسا) أسْهل وأكْذَب ويَسْمح بوضع قناع العارف؟.
لماذا تغيب في جُلّ البلدان العربية مجلة مكرّسة للشعر؟. أليس من السهل إنشاء مجلة تعادِل (الكشكول) لكن من الصعب تأسيس مجلة تقوم على (مشروع) ذي أسئلة وإشكاليات مرسومة، حتى لو لم يتفق الجميع عليها؟. أليس الكشكول سهلاً، بينما المشروع أقلّ سهولة؟.
ألا يتوجب أن نهتمّ بـ "حيتان الشعر المعاصر" أيضاً، ونسعى لتقديم رؤية صادقة عن التالي: لماذا لم يتوقف النقد العربيّ عن الإشارة والكتابة عنهم هم وحدهم، ودعوتهم هم وحدهم، والترجمة لهم هم وحدهم، رغم أن المنابر الثقافية التي شغلوها طيلة أكثر من ربع قرن هي التي ساهمتْ مباشرة في صنع (الهالة البيزنطية) على رؤوس بعضهم، دون إنكار مواهبهم وشعريتهم ومساهماتهم؟. لماذا يتملق القارئ للهالة وللصوت الأنثوي العاري؟. وهل من مثيل لهذه الظواهر في الثقافات العالمية؟.
هل ممكن أن يُبرهِن الشعرُ الرفيع عن نفسه مهما طال الأمر وتحت أيّ ظرف كان، في الحالة الراهنة؟.
أليس من الواجب مراجعة عيادة فرويد، ومساءلته: في الحقل الشعريّ، هل علينا تثبيت الأب أم قتل الأب؟.
لماذا لا يُؤسّس أحد اليوم لمجلة شعرية إشكالية، لا تبحث عن المشاكل؟. لمَ لا تفرّق ثقافتنا العربية بين (الباحث عن الإشكاليات) و(الباحث عن المشاكل)، وخلطتْ بشكل مُدوّخ بينهما. بل أن بعضهم تعمّد التخليط بشأن الإشكاليات وقاربها بالمشاكل؟. وشتّان بين مُشرِّق ومُغرِّبِ.
عن أيّة حداثة نتحدث؟ ولماذا تتوقف الحداثة فجأة، وتصاب حداثة بعضهم بسكتة قلبية، حالما نتقدّم لمواضيع بعينها وأشكال أدبية معروفة وأعراف أدبية مستقرّة ونمسّ الثوابت المغروسة غرساً، وحالما يُعالج الجسد الآدميّ وتمثيلاته البصرية والسمعية والشعرية. أية حداثة هذه؟ وأي نوع من المثقف هذا الذي يختلط في ذهنه الهاجس الجنسيّ مثلاً، مع المتطلبات الجمالية، ولا يفرّق بين الوعي الدينيّ والشروط الشعرية، أو لا تتضح له جدود الشروط الاستمنائية وشروط الكتابة الأيروتيكية؟
أية حداثة يا تُرى؟ هل الحداثة ممارسة شكلانية، تلفيقية؟ هل هي صالحة أم غير صالحة (للمتلقي العربيّ)؟.
من هو يا تُرى المتلقي العربيّ للشعر، ووفق أيّ نسق جماليّ يشتغل: عموديّ، شعر موزون حر، قصيدة النثر؟.
ألم تغدُ قصيدة النثر الآن "مؤسسة" مُتَهَيْكِلة، ذات قوانين صارمة وقواعد ثابتة، وتتأصل بأصول لا ينبغي الخروج عليها كما ينصح الناصحون؟.
هل الشعر استعارة، ثيمة، مناخ، موضوع، كناية، رمز، سرد، وأيّ نوع من السرد، وما الفارق بين سرديته والسرد في الرواية؟.
أسئلة الشعر بالأمس ليست أسئلته اليوم.
هل (أسئلة الشعر) بالأمس هي أسئلته اليوم؟
نشر في: 4 سبتمبر, 2015: 09:01 م