حتى في الدول المتقدمة، المتحضرة، والعريقة في أنظمتها الديمقراطية وممارسة حرية التعبير، يحصل أن تخرج الاحتجاجات العامة (المظاهرات) عن سلميتها فتشهد أعمال عنف يُشعل فتيل اندلاعها بعض المحتجين أنفسهم أو عناصر أمنية من القوات المكلفة تأمين المظاهرات وحماية المتظاهرين وسواهم والممتلكات العامة والخاصة.
باستثناء حالات محدودة للغاية، سجّل الحراك الشعبي الاحتجاجي، المتواصل أسبوعياً منذ 31 تموز الماضي (11 أسبوعاً)، لنفسه فخر التزام السلمية التامة. المتظاهرون كانوا على الدوام منضبطين وفي غاية الودّ تجاه عناصر القوات الأمنية، فاكتسبوا تقدير هؤلاء واحترامهم إلى حدّ أن عناصر القوات الأمنية راحوا يقدمون الماء البارد بأنفسهم إلى المتظاهرين لإعانتهم على مواجهة حرّ الصيف اللاهب. حتى الخروقات المحدودة فان المبادرين بها كانوا في الغالب من العناصر الأمنية في بعض المحافظات، ممن خرجوا على التعليمات والأوامر الصادرة إليهم من قيادتهم العامة بالتزام السلمية. والمعطيات المتوفرة تفيد بأن مَنْ أقدموا، من المتظاهرين، على استفزاز العناصر الأمنية ومهاجمتهم كانوا في الغالب عناصر مندسة تعمل لحساب الفاسدين في الدولة بغية إثارة صدامات بين المتظاهرين والقوات الأمنية، والغاية النهائية وقف الحركة الاحتجاجية المطالبة على نحو خاص بمكافحة الفساد الإداري والمالي، وتوفير الخدمات العامة، وإلغاء نظام المحاصصة، ومحاسبة المقصرين حيال سقوط ثلث مساحة البلاد في أيدي تنظيم داعش الإرهابي.
القوى المحرّكة للمندسّين في ساحات الاحتجاج، لم تكتف بذلك، فقد عمدت الى ملاحقة عدد من النشطاء البارزين.. اغتالت بعضهم وغيّبت البعض الآخر وأساءت معاملة سواهم، إهانة وضرباً وإرغاماً على توقيع تعهدات بعدم التظاهر. هي قوى لم تفصح عن نفسها، لكنها سعت لإعطاء الانطباع بأنها على صلة بأجهزة حكومية، وقد يكون البعض منها كذلك، فنظام المحاصصة فعّال ويسري تأثيره حتى داخل الأجهزة الأمنية.
الحملة المشينة ضد ناشطي الاحتجاجات متواصلة ومتصاعدة.. إنها في الواقع نوع من اللعب بالنار، فمن الواضح أنها لن تثمر نتيجة على صعيد وقف الحركة الاحتجاجية وتراجعها عن مطالبها بالإصلاح، خصوصاً بعدما أقرّت الحكومة ومعها مجلس النواب بالحاجة إلى الإصلاح ووعدا بتنفيذ خطط تفضي إليه، وبعدما وجدت الحركة الاحتجاجية تعضيداً قوياً من المرجعية الدينية في النجف.
حملة القمع التي تستهدف ناشطي المظاهرات يمكن لها، إن استمرت وتفاقمت، أن تدفع الحركة الاحتجاجية باتجاه الخروج عن سلميتها، فالضغط على البالون يؤدي في العادة إلى انفجاره، وإذا ما انفجرت الحركة الاحتجاجية فان عصف ريحها لن يسلم منه أحد.. يمكن له أن يكون مدمّراً على نحو مأساوي.
الحكومة بالذات تتحمل المسؤولية عن حماية مواطنيها وعن صون السلم الأهلي، وفي هذا الإطار مطلوب منها وضع حدّ لأعمال ملاحقة ناشطي المتظاهرين، والكشف عن هوياتهم وتقديمهم إلى القضاء.
لعب بالنار
[post-views]
نشر في: 13 أكتوبر, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
بغداد ترحب بـ"هدنة لبنان" والفصائل ترفض وقف التصعيد وتهدد واشنطن
تقرير امريكي يتحدث عن "السيناريو الأسوأ": جر العراق إلى "عين العاصفة الإقليمية"
المالية النيابية: تعديل الموازنة الاتحادية يفتح المجال لتغيير فقرات غير فعّالة
فرنسا تشهد أول محاكمة لدواعش من رعاياها اعتدوا على إيزيديين
مجلس الخدمة الاتحادي: نحتاج لأكثر من 5 مليارات دولار شهرياً لتمويل رواتب الموظفين
الأكثر قراءة
الرأي
الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!
رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...