واحدة من أجمل الممارسات في السياسة البريطانية التي أحببتها أثناء فترة منفاي في المملكة المتحدة وكنت أرغب في مشاهدتها عبر التلفزيون (قناة البرلمان)، هي المواجهة الاسبوعية بين رئيس الحكومة وزعيم المعارضة، رئيس حكومة الظل، في قاعة مجلس العموم (مجلس النواب)، فهناك تجري مصارعة حقيقية حامية الوطيس، لكن بالكلمات، بين الشخصين الأكثر نفوذاً في البلاد، رئيس الوزراء الحالي ورئيس الوزراء اللاحق على الأرجح.
منذ خمسة أسابيع انتخب حزب العمال البريطاني المعارض جيريمي كوربن زعيماً له، وهو قيادي راديكالي في الحزب.. خطيب مفوه ومتحمس، مؤيد للشعب الفلسطيني وحقوقه ومنظمة التحرير الفلسطينية ومعارض لسياسات الحكومة الاسرائيلية العدوانية، ومتعاطف مع اللاجئين من بلداننا الى الغرب، ومناهض أيضا للسياسات الامبريالية لبريطانيا وحليفاتها في أوروبا وأميركا الشمالية، وكان معارضاً لمشاركة بلاده في حرب 2003 التي أسقطت نظام صدام حسين.. بالطبع ليس من منطلق الدعم لصدام ونظامه.
انتخاب كوربن استقبله رئيس الوزراء البريطاني، زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون، بانزعاج شديد واضح، بل أنه حذر البريطانيين من "خطر" حزب العمال في عهده الجديد. كتب كاميرون في صفحته على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك" مخاطباً مواطنيه: "يشكّل حزب العمال في هذه الفترة تهديداً لأمننا القومي، وأمننا الاقتصادي.. وأيضاً على أمن عائلاتكم".
هذا الاستقبال "الحافل" من جانب الزعيم المحافظ للزعيم العمالي الجديد جعلني
أتطلع الى مشاهدة أول مواجهة بين الغريمين داخل مجلس العموم، لكنني لم أفلح، وبفضل فضائية "بي بي سي" العالمية تابعت الأربعاء الماضي مواجهة الأسبوع الثاني... كانت حامية كما هو متوقع، فكوربن كان متحمساً في طرح قضايا محلية مثل الإعفاء الضريبي والخدمات الصحية، لكنه أظهر رصانة ورباطة جأش تليق بسياسي من الطراز الممتاز، وكان على الدوام يشير إلى غريمه رئيس الحكومة بوصفه "جنتلمان".
مشهد المصارعة الكلامية بين كوربن وكاميرون أعاد بذاكرتي الى السنوات التي كان فيها الراحل جون سميث زعيما لحزب العمال، فهو أيضاً كان خطيباً متحمساً ومفوهاً في مواجهة رئيس الوزراء المحافظ آنذاك جون ميجر، خليفة مارغريت تاتشر. سميث توفي فجأة في 12 مايس 1994 وهو في ذروة تألقه وفي طريقه لأن يكون رئيس الحكومة، فما كان من ميجر الا أن ينعيه بكلمة مؤثرة تغنّت بمناقب غريمه وأشادت بوطنيته وبمنجزه السياسي، كما لو كان زعيماً لحزب ميجر نفسه.
ليس صحيحاً ان السياسة لا أخلاق لها.. السياسة الأخلاقية من طراز سياسة جون ميجر وجيريمي كوربن لها أخلاق رفيعة.. السياسة غير الاخلاقية هي التي لا أخلاق لها. ومن هذا الطراز سياسة الكثير ممن يتولون شؤون الدولة في بلادنا الآن.
سياسة بأخلاق.. وسياسة بلا أخلاق
[post-views]
نشر في: 16 أكتوبر, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
بغداد ترحب بـ"هدنة لبنان" والفصائل ترفض وقف التصعيد وتهدد واشنطن
تقرير امريكي يتحدث عن "السيناريو الأسوأ": جر العراق إلى "عين العاصفة الإقليمية"
المالية النيابية: تعديل الموازنة الاتحادية يفتح المجال لتغيير فقرات غير فعّالة
فرنسا تشهد أول محاكمة لدواعش من رعاياها اعتدوا على إيزيديين
مجلس الخدمة الاتحادي: نحتاج لأكثر من 5 مليارات دولار شهرياً لتمويل رواتب الموظفين
الأكثر قراءة
الرأي
الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!
رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...