TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > وإذا النزاهة نطقت..

وإذا النزاهة نطقت..

نشر في: 17 أكتوبر, 2015: 09:01 م

لا أظن أن التكتيك التي اتّبعته هيئة النزاهة في عملها، طوال السنوات الماضية، صحيح وسليم. أعني بهذا على وجه التحديد إحجامها عن كشف أسماء المتهمين بالفساد الإداري والمالي الذين تحيلهم الهيئة إلى القضاء لمحاكمتهم، تاركةً له أن يُعلن عن الأسماء بعد صدور الأحكام بالإدانة.
مسؤولو الهيئة غالباً ما يبرّرون موقفهم بأن المتهمين لديهم عائلات ويُمكن للإعلان عن أسمائهم أن يؤثر نفسياً على أفراد هذه العائلات ويضرّ بمصالحهم.
هذه الحجّة مردودة، ففي العالم كله يجري الكشف عن أسماء المتهمين بارتكاب مختلف الجنح والجنايات، حتى قبل تقديمهم إلى القضاء، فالاتهام لا يعني الإدانة، وليس كل متّهم أو ملقى القبض عليه بتهمة ما مُدان، على وفق القاعدة القانونية التي يعرفها العلماء والجهلة سواء بسواء، القائلة بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وبالتالي ليس من الصحيح والسليم أن تتعامل هيئة حقوقية مرموقة كهيئة النزاهة كما لو أن هذه القاعدة قد انقلبت على نفسها.
حالات عدم الكشف عن أسماء المتهمين – في البلدان الأخرى - قليلة في العادة، ويكون ذلك لفترة محدودة تفادياً لمعرفة متهمين أو مشبوهين آخرين بأمر الاعتقال فيهربون من وجه العدالة، أو خشية من تدخلات أو تأثيرات على مجرى العدالة أثناء التحقيقات الأولية.
مفهوم ألا تعلن الهيئة عن أسماء المتهمين في الفترة التي تُجري فيها هي تحقيقاتها في القضايا المقدّمة إليها، ولكن من المفترض ألا تُحيل هيئة النزاهة ملفاً إلى القضاء ما لم تكن قد وضعت أيديها على الوثائق الصحيحة وتوفّرت لها الأدلة القاطعة على سلامة توجيه الاتهام، بهامش خطأ محدود.
هيئة النزاهة واحدة من أهمّ خمس مؤسسات في دولتنا في الظرف الراهن، إلى جانب البرلمان والحكومة والقضاء ومفوضية الانتخابات. وهذا يرجع إلى أن المهمة المعنية بها، مكافحة الفساد الإداري والمالي، مهمة وطنية مصيرية، فعواقب هذا الفساد المتفشي في كل مفاصل الدولة والكثير من مفاصل المجتمع، كارثية، كما يتبدّى لنا الآن في خواء الخزينة العامة وانهيار نظام الخدمات العامة الأساس، وفي تمكّن الإرهاب من السيطرة على نحو ثلث مساحة البلاد بكل ما ترتّب على ذلك من محن ومآس. هذه المؤسسة لا تأخذ في الاعتبار، وهي تلتزم سياسة عدم الكشف عن أسماء المتهمين في قضايا الفساد الإداري والمالي، الأهمية التي تنطوي عليها عملية الكشف عن الأسماء لجهة ردع الفاسدين والمفسدين الذين اطمأن الكثير منهم إلى أن أسماءهم لن تُطرح للتداول العام، وأن في وسعهم دائماً تحريك آليات أحزابهم وكتلهم لإغلاق ملفاتهم أو ركنها جانباً.
في الأيام الثلاثة الماضية أعلن مسؤولون في الهيئة وفي القضاء ولجنة النزاهة النيابية عن أسماء متهمين بقضايا فساد من كبار المسؤولين في أمانة بغداد ووزارتي الكهرباء والتجارة أحيلت ملفاتهم إلى القضاء.
هذا إجراء صحيح يتعيّن أن يتواصل ويكون عاماً شاملاً لا يستثني أحداً، أياً كان ومهما كان، فبتكتيك كهذا ستهزّ الهيئة عروش الفاسدين والمفسدين، وتطيحها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram