TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مفهوم التنافذ تشكيليّاً

مفهوم التنافذ تشكيليّاً

نشر في: 13 نوفمبر, 2015: 09:01 م

(6– 8)
كنا نجد غريباً عدم وجود حركة تشكيلية عالمية تحت اسم (الوجودية) رغم التأثير الطاغي للفكر الوجوديّ على مجموعة كبيرة من الفنانين الأوربيين، في الفضاء الثقافي الجرماني (خذ مثلاً انشغالات مدرسة التعبيرية الألمانية) والأنكلوسكسوني والفرنسيّ. على المستوى الفكريّ والفلسفيّ نلحظ تنافذاً بين غرابة الوجود وعبثيته وتجليات هذه الفكرة وتغلغلها في ثنايا فن الرسم منذ مونخ مرورا بالبلجيكيّ أنسور وليس انتهاءً بماغريب.
لعل السبب في غياب (وجودية تشكيلية)، خلافاً للرمزية مثلاً، تنوّع المعالجات والأساليب وتفارُقها عند معالجة الفكر الوجوديّ، لكنه سبب لن يبقى مقنعاً عند التوقف أمام إطلاق مصطلح (السوريالية) على تنوُّعٍ وتفارُقٍ مماثِلٍ من الأساليب والفنانين.
سنبقى أمام مارغريت الذي لم يتوقف فقط عند الوَهْمِ الشامل بين الداخل والخارج، وذهب في لوحته (مديح للديالكتيك عام 1937، متحف أكسيل) إلى أن الداخليّ يُدمّر ويَسْحق الخارجيّ، حيث شعورنا طاغٍ بالانغلاق وبأننا نسقط في هوّة وجودية لا قرار لها. الداخل المُمثَّل له بنافذة في بنايةٍ، ينطوي، حرفياً، على البناية نفسها أي الخارج، الخارج والداخل كلاهما يبدوان من طبيعة واحدة. المقطع الخارجيّ الذي نراه في اللوحة للمنزل يبدو وكأنه مقطع مُكبَّر لذاك المرئيّ في الداخل، لكن إذا تأملنا المنزلين بدقة سنعرف أنهما ليسا مُتماثِلين تماماً، فالحوافّ الموجودة في المنزل الداخليّ غير موجود على جزء من المنزل الخارجيّ. كذلك فإن ألوان الخارجيّ أكثر إشراقاً، وتمنح إحساساً بالبهجة، على عكس ألوان الغرفة الداخلية المعتمة التي تمنح انطباعاً بالكآبة.
في فرضية مارغريت الجديدة القائلة إن الداخل يُحطِّم الخارج بالأحرى، ثمة قلب راديكاليّ للمفهوم المعهود الزاعم أن: العناصر الخارجيّة تسوّي وتروّض أو تسحق الداخليّ. هذه هي نافذة المستحيل - الممكن.
الفنان الآخر الذي سنضعه في (الحركة التشكيلية الوجودية) المُقترَحة هو الأمريكيّ إدوارد هوبير. فقد اتخذ من عزلة الكائن الآدميّ في المدن الصناعية الجديدة موضوعه الأثير، وقد اتخذ من النافذة منطلقاً للتعبير عن صعوبة التنافذ بين الكائن البشريّ في الداخل والحياة في الخارج. عبّر عن ذلك في لوحات عديدة منها لوحته "شمس الصباح" عام 1952 المحفوظة في متحف كولومبس للفن، أوهايو، الولايات المتحدة.
لن يشفع لهذه العزلة الحجم المفرط للنافذة المنفتحة على الخارج، ولا الاسترخاء الظاهريّ للشخصيات الموجودة في غرفها الوثيرة (الكائن في لوحتنا الحالية هي زوجته جوزفين المُستخدَمة كموديل) ولا ذاك التدفق السخيّ للضوء في الحجرات وعلى الجدران. الكآبة تضرب بأطنابها رغم ارتفاع النافذة وعرضها وسطوع الضوء المبهر. لعل المرأة في هذه اللوحة تمثل الوساطة اللذيذة المُخدِّرة بين الواقع الداخليّ والعالم الخارجيّ.
النافذة كناية عن العزلة المفروضة على الإنسان في العالم الصناعيّ شديد التنظيم، مُسْتَلِب البشر. النافذة تلخيص للعلاقة المستحيلة بين داخل وخارج رغم توفّر جميع ظروف الترف الماديّ والشروط الجغرافية الملائمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ضبط كريستال بحوزة مسافرة أجنبية في منفذ الشلامجة

الحكيم: الانتخابات المقبلة قائمة وفي موعدها

الداخلية تعلن نتائج التحقيق بحادثة اعتداء في العامرية وتقرر إحالة الملف إلى مكافحة الإجرام

المرور تتوعد اصحاب الدراجات النارية وتحدد الضوابط

أرض العراق الملغومة تعادل 300 ألف ملعب كرة قدم

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: السعادة على توقيت الإمارات

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجزعن مواجهة واقع يسير بنا إلى...
علي حسين

كلاكيت: عن (السينمائي) وعبد العليم البناء

 علاء المفرجي علاقتي مع (السينمائي) لها حكاية، تبدأ من اختياري لها لكتابة عمودي (كلاكيت) منذ عددها الأول، ولا تنتهي بعددها الأخير. ولئن (السينمائي) تحتفل بعشريتها الأولى، كان لزاما عليّ أن أحتفل معها بهذا...
علاء المفرجي

تركيا تواجه التحول الجيوسياسي الناجم عن عودة دونالد ترامب إلى السلطة

جان ماركو ترجمة: عدوية الهلالي في الأسابيع الأخيرة، ومع ظهور الديناميكيات الجديدة للجغرافيا السياسية لترامب، تركز الاهتمام إلى حد كبير على اللاعبين الرئيسيين في الساحة الدولية، بدلاً من التركيز على دول الطرف الثالث التي...
جان ماركو

منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

محمد علي الحيدري يبدو أن ملف التفاوض بين إيران والولايات المتحدة دخل مرحلة جديدة من التعقيد، ليس بسبب طبيعة الخلافات القديمة، بل نتيجة تبدّل ميزان القوى الإقليمي والدولي، الذي بات يفرض مقاربة مختلفة عن...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram