قال فرويد: ورد في النص التراثيّ قول إحداهنّ إن العشق هو "الغمزة والقبلة والضمّة".
فما الغمزة؟.
قلتُ لفرويد: الغَمْزُ بالأصل هو الإِشارة بالعين والحاجب والجَفْنِ، غَمَزَه يَغْمِزُه غَمْزاً.
جاء في القرآن (وإِذا مَرُّوا بهم يَتَغامَزُون)؛ ومنه الغَمْزُ بالناس.
قال ابن الأَثير: وقد فسر الغمز في بعض الأَحاديث بالإِشارة كالرَّمْزِ بالعين والحاجب واليد.
لكن الغَمْز يعني أيضاً (وهو معنى قول تلك المرأة) العَصْرُ باليد؛ قال زِيادٌ الأَعْجَمُ (وكنتُ إِذا غَمَزْتُ قَناةَ قَوْمٍ، كَسَرْتُ كُعُوبَها، أَو تَسْتقِيما). وجارية غَمَّازَةٌ أي حَسَنَةُ الغَمْزِ للأَعضاء.
وفي حديث عمر أَنه دخل عليه وعنده غُلَيِّم يَغْمِزُ ظهرَه.
وفي حديث عائشة (اللَّدُود مكانَ الغَمْزِ)؛ هو أَن تَسْقُطَ اللَّهاةُ فَتُغْمَزَ باليد أَي تُكْبَسَ.
قال فرويد: كانت المرأة تعني أن العشق يتضمن العصر باليد، ففي أي مكان يجري هذا العصر؟.
قلت لفرويد: يخيَّل لي أنه يقع في الأماكن الحسّاسة، ولا أستبعد الثدي من بينها.قال فرويد: على ذلك علينا تصحيح تصوّرنا عن (الحب العذريّ) كله؟.قلت لفرويد: أجل.
لأنها تتحدث كذلك عن الضمة إضافة إلى الغمزة. والضمة من الضَّمّ، ضَمُّكَ الشيءَ إلى الشيء، وقيل قَبْضُ الشيء إلى الشيء.
تقول ضَمَمْتُ هذا إلى هذا، فأَنا ضامُّ وهو مَضْموم.
ضمَمْتُ الشيءَ إلى الشيء فانْضَمَّ إليه وضامَّهُ.
والدلالة هنا هي العناق بين العشيقين الذي لا نعرف درجة حميميته، ولعلها حسب الحالات الفردية، وقوة الرغبة بالآخر.فال فرويد: في العصر والتقبيل والعناق نخرج، في رأيي من العذريّ إلى الأيروتيكيّ.
قلتُ لفرويد: لا ضير في ذلك. فتضاحك ساخراً مني، ثم قال: فهل يجتمع التقبيل (الرشف) مع الحب العذريّ؟.قلتُ لفرويد: لا أدري والله. وعندما أقرأ اللسان وهو يذكر أن أَرْشَفَ الرجلُ ورشَفَ إذا مَصَّ رِيقَ جاريته، وأن رَشَفْتُ ورشِفْتُ أي قَبّلْت ومَصِصْتُ، والرَّشُوفُ المرأَة الطَّيِّبَةُ الفَمِ، كما أن الرّشُوفُ من النساء هي اليابسةُ المَكانِ [الفرْج]، فإننا لا نلتقي سوى بمعنى محض أيروتيكيّ صارخ.قال فرويد: على هذا ينسجم الرشف والرشفان مع الشبق الشديد.
قلت لفرويد: وأظنّ ان لا مكان للعذريّ في هذا المقام.
ومثلها يروى عن عاشقات عاقلات مثل الشاعرة خيرة بنت أبي ضَيْغَمٍ البلوية، وقد عشقت ابن عم لها، فعلم أهلها بذلك فحجبوها عنه، فقالت شعراً تصف فيه مرارة الهجر وسـهد الهوى، وقيل تكراراً بأنه شعر امرأة عفيفة تُحبّ، وتُحبّ أن تبقى على عفتها والتزامها، فهي تقول:وبتنا خلاف الحي لا نحن منهم - ولا نحن بالأعداء مختلطان نرجي يقيناً ساقط الطل والندى - من الليل بردا ليلةٍ عطران
نلوذ بذكر الله عنا من الصبا - إذا كان قلبانا به يجفان
ونصدر عن أمر العفاف وربما - نقعنا غليل النفس بالرشفان
قال فرويد: يلوذان بذكر الله لكنهما ربما (نقعا غليل النفس بالرشفان).التعبير (نقعا غليل النفس بالرشفان) قويّ بل شبقيّ.
قلت لفرويد: ولها شعر أكثر شبقاً، لكنه وُصف دائماً بالعفيف، في عشق ابن عمٍّها، إذ تتذكَّر فيه أيام اللقاء في البطحاء:
«فما نطفةٌ من ماءِ بهمنَ عذبةٌ - تمنّع من أيدي رقاةٍ ترومُها
بأطيبَ من فيه لَوَ انَّك ذقتَهُ - إذا ليلةٌ أسجتْ وغاب نجومُها
قال فرويد: لا فُضّ فوها.
حوار افتراضيّ مع سيغموند فرويد عن الحبّ العذريّ
نشر في: 20 نوفمبر, 2015: 09:01 م