(7– 8)
ماذا يا تُرى عن النافذة في الفن الأوروبيّ المعاصر؟. المثال الذي نختاره هنا هو الأكثر وضوحاً وانسياقاً إلى أنماط تمثيل النوافذ المعروفة في تاريخ الفن. وهو للفنانة الفرنسية المعاصرة ستيفاني ماجورال بعنوان "العين في النافذة"، تصوير فوتوغرافيّ يعود لعام 1998. عُرض مرة في (المركز الجهويّ للفن المعاصر لمدينة سيت) في جنوب فرنسا وعُرض عام 2002 في مارسيليا، بحجم كبير (276 x 600 سم).
يُمثّل العمل صورة كبيرة لعين واحدة منفردة، انعكست على بؤبؤها نافذة مستطيلة الشكل مرئية عليه بوضوح شديد.
بعيداً عن دلالة العين في الثقافات المختلفة، فإن عين ستيفاني هي عين نسوية. لقد فُسّرتِ العين أوروبياً على أنها استعارة لمطلق السلطة والقوة، لكن عين الفنّانة في هذا العمل فُسّرتْ، عبر النافذة المرئية فيها، على أنها دعوة للترحال، وفي ذلك مفارقة صغيرة هي التي دفعت مشاهدي العمل للاقتراب من العمل حثيثاً لرؤيته عن كثب. الناقدة ساندرا باترون كتبتْ تقول عن هذا العمل: "كلما اقترب المتلقي كلما صارت الصورة مبهمة مستترة وعصيّة على فهم مُوحَّد: تتوجب الاستدارة لاكتشاف صورة ليست "تماماً نفسها وليست تماماً غيرها"، والإحالة الأخيرة على [شِعْر] فرلين ليست صدفوية هنا: لأن عمل ستيفاني ماجورال يقدم أولاً علاقة حسيّة مع المتلقي، وفي الثنائية بين داخل – خارج تقدّم الصورة إدراكاً من مرحلتين، كل واحدة منهما تصير، نوعاً ما، إدراكاً للأخرى". وتَذْكر كذلك أن "العين في النافذة هي في الحقيقة باب، هي ممرّ بصريّ يقودنا إلى جولة في عمل الفنانة. لو كان الباب مغلقاً، مرّوا إذنْ من الشباك أيها السادة والسيدات..".
جوهر عمل ماجورال يكمن في مقاربة النافذة بالعين، والتنافُذ المتكاثر المُشعّ من دلالاتيهما كليهما. فالعين نافذة، والنافذة عين على الحقيقة والمجاز بالتناوب. كلاهما يُطِلّان على آخر.
أليس غريباً غياب تأملات تشكيلية عربية في مسألة العين، على نمط تأملات ستيفاني ماجورال، رغم انتثار دلالتها وتنوّعها في القاموس والاستخدام العربيين؟ فالعين في لسان العرب تتضمن معاني واسعة متباينة أحياناً: فالعين الباصرة قد تعني أهل البلد وأهل الدار، وثمة الإِصابة بالعين، وقولهم ما بها عَيْنٌ أي أحدٌ، والعين تعني الجاسوس وجَرَيان الماء والجِلْدَة التي يَقَعُ فيها البُنْدُقُ من القوس والجماعة والحاضر من كلِّ شيءٍ وحَقيقَة القِبلْةَ وخِيار الشيء ودَوائِر رقيقة على الجِلْد والدَّيْدَبان والدينارُ والذَّهَب وذات الشيء والرِّبا والسَّيِّد والسَّحاب من ناحية القِبْلَةِ. ويقال هو صَديقُ عَيْنٍ أي ما دمتَ تراه، والعين طائرٌ والعَتيدُ من المال، وكبيرُ القوم والعين المال ومَصَبُّ ماءِ القناة ومطرُ أيامٍ لا يُقْلِعُ ومَفْجَرُ ماءِ الرَّكِيّةِ ومنظر الرّجُل والمَيَلُ في المِيزانِ والناحية ونصف دانقٍ من سبعة دنانيرَ والنَّظَر ونَفْس الشيء ونُقْرَةُ الرُّكْبَةِ وينبوع الماء. وواحد الأعْيان للإِخْوة من أب وأُمٍّ. (والمُعَيَّنُ) كمُعَظَّم ثوب في وشيِه ترابيع صِغارٌ كعيون الوحش وثَوْر بين عينيه سواد وفحل من الثيران...الخ. مما يجدر ذكره أن بعض تعابيرنا المحلية موصولة بالفصيح، جاء في القاموس المحيط أن قولهم (أنتَ على عَيْنِي) أي في الإِكْرامِ والحِفظِ جميعاً.
ما عدا الرسوم الشعبية التي تعود تكراراً إلى "عين الحسود"، تختفي تقريباً الأعمال التشكيلية العربية المعاصرة التي تعالج العين، رغم توفّرها على ثراء دلاليّ وطبيعة بصرية مُعقّدة بالضرورة.
فما السبب في نسيان العين في تشكيلنا المعاصر بصفتها خاصةً موضوعاً صالحاً لتقديم العلاقة بين خارجٍ وداخل، بين ظاهريّ وباطنيّ؟.
سؤال سنعود له في عمود أخير عن مسألة التنافُذ التشكيليّ.
مفهوم التنافذ تشكيليّاً
نشر في: 27 نوفمبر, 2015: 09:01 م