TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > ذاكرة 8 شباط والتماهي الخفيّ مع البعث :"قـصر النـهايـة" و"نكـرة السـلمان" وقـطـار المـوت..!

ذاكرة 8 شباط والتماهي الخفيّ مع البعث :"قـصر النـهايـة" و"نكـرة السـلمان" وقـطـار المـوت..!

نشر في: 10 فبراير, 2016: 08:50 م

في وقتٍ كان الحديث عن المصالحة الوطنية بمعناه المجتمعي الشامل، مُنكراً ومثيراً للغضب والاستنكار، دعوتُ من على منبر "المدى" في أعدادها الأولى الى أن تحقيقها سيضع العراق الجديد في المكان الذي ينبغي أن يحتله بجدارة، كأنموذج يُحتذى لنظامٍ ديمقراطيٍ تعددي

في وقتٍ كان الحديث عن المصالحة الوطنية بمعناه المجتمعي الشامل، مُنكراً ومثيراً للغضب والاستنكار، دعوتُ من على منبر "المدى" في أعدادها الأولى الى أن تحقيقها سيضع العراق الجديد في المكان الذي ينبغي أن يحتله بجدارة، كأنموذج يُحتذى لنظامٍ ديمقراطيٍ تعددي متسامحٍ وإنساني يسير واثق الخُطى على دروب التقدم والتطور الحضاري .
ولم تتوقف " المدى" عن هذه الدعوة الوطنية الإنسانية المنحى لقناعة راسخة بضرورتها التاريخية، بعد عقود منهكة من التصفيات الجسدية والسياسية، والحروب الداخلية والخارجية، ومن استنزافٍ للثروات، كان أداتها الأكثر دموية وعسفاً وإيغالاً في الانتقام، حزب البعث العربي الاشتراكي، منذ وثوبه الدموي الى السلطة في ٨ شباط ١٩٦٣، وامتداداً الى زمن عودته المشؤومة الى السلطة في انقلاب ١٩٦٨، ثم دورة الاستباحات والمجازر التي هيأت لاغتصاب صدام حسين حرمة حزبه وسلطة البلاد.

والمصالحة الشاملة بالمعنى المجتمعي الوطني، كانت ولم تزل تشمل كل الذين روّعهم النظام الاستبدادي بوسائل القمع والإغراء والابتزاز والخديعة "السياسية والآيديولوجية"، وكذلك أولئك الذين وجدوا في انتهاز الفرص والوصولية معبراً لتحقيق مطامع في الوظيفة والتدرج فيها وبلوغ أهداف يتعذر تحقيقها من دون الانتماء الى البعث وأذرعه التنظيمية. لكنّ المصالحة من وجهة نظرنا لم تكن في وارد شمول المتسببين في ارتكاب الكبائر من الجرائم وفي قيادة العراق الى ما آل  إليه من انحدارٍ وتشرذم وانحطاطٍ لم يسبق له مثيل.
كان واضحاً منذ البداية أن مصالحة حقيقية ، لن يكتب لها النجاح  من دون تمهيدٍ سياسيٍ وفكريٍ ، وتدابيرعاجلة تدخل في باب " العدالة الانتقالية " . ومثل هذه التدابيرفي إطار قانون العدالة الانتقالية ، كان عليها كمهمة مباشرة ، الاقتصاص العادل من مرتكبي الجرائم ، وإعادة الاعتبار لضحاياهم ، وتضميد جراح ذويهم وأنصارهم وتعويضهم معنوياً ومادياً . كذلك كان لزاماً التعامل الموضوعي مع تلك الجرائم ، بعيداًعن الانتقائية الحزبية والطائفية . فلإظهار الطابع الإستبدادي الشمولي للنظام والحزب الذي يقوده ورأس النظام ، لابد من التركيز على ما اقترفه أولاً بحق قادة وكوادر البعث نفسه ، والتصفيات  التي قام بها ضد قيادات عسكرية ومدنية من المكون السني ، وهم كانوا جمهرة من الضحايا وليس مجرد بضعة أفراد معزولين  .
وقد ضاعت فرصة نادرة لبناء عراقٍ معافى، مع إصدار قانون سمّاه بول بريمر " اجتثاث البعث" بدلاً من " اجتثاث الاستبداد " وهي تسمية أعمق وأشمل سياسياً ، تؤسس لثقافة ديمقراطية تقبل الاختلاف وترفض العنف وكل أشكال التسلط والدكتاتورية . وما فعله القانون بالصيغة التي شرّعها بريمر جعل من الممكن لبقايا النظام السابق إعادة لملمة صفوفه ، من خلال إثارة الذعر بين كل من كان له علاقة بالبعث وإشعارهم كغرباء مستهدفين من النظام الجديد!  
وجاء قرار حل الجيش بدل " تطهيره " ليعمّق الشعور بالعزلة والاستهداف ليس بين مَن كان على علاقة بالبعث والنظام والأكثرية منهم منتسبون بلا  "  إيمان أو قناعة أو ولاء " ، بل اتخذ له بُعداً طائفياً بسبب انتماء الضباط الكبار الى المكون السني .
ويظهر الطابع الارتجالي غير المدروس سياسياً ، من التناقض الذي بات يلازم القرارين ، وتطبيقاتهما المخاتلة من قبل بريمر شخصياً ومن إدارته المدنية والعسكرية ، إذ تم اصطفاء كبار العسكريين والمدنيين من المنتمين الى البعث  وأجهزة الدولة الأمنية والمخابراتية والقوات المسلحة بوجه عام ، وتكليفهم بإعادة بناء الجيش والقوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية ، ومؤسسات الدولة المنهارة!
لقد افتضح المخطط السياسي المستقبلي لإدارة الاحتلال ، مع لحظة دخول العراق وإشهار " كوتشينة اللعب " التي حصرت جرائم النظام السابق بمن تضمنتهم الكوتشينة " الـ ٥٥ " من قيادات البعث والدولة!
وإذا كان هذا هو المُراد ، أي إعادة بناء العراق الجديد من " فضلات البعث ونظامه " فكيف يمكن تفسير قرارات الاجتثاث وحل الجيش ، إن لم يكن القصد خلق اصطفافٍ موالٍ للولايات المتحدة وخياراتها ؟
وبنفس النزعة الارتجالية أو المفتقرة لدراية بواقع المجتمع العراقي وتناقضاته وتاريخ حركته السياسية ، تجاهل بريمر، إصدار " قانون العدالة الانتقالية " بغفلة من السياسيين المتعجلين للوثوب الى السلطة وتقاسم مغانمها " كما تبين ذلك في التجربة المعاشة .'
وإذا كان الاستخفاف بمثل هذا القانون هو نهجٌ اختطته الإدارة المدنية للاحتلال ، وقَبِلت به القوى السياسية العراقية ، فلم يكن ممكناً التعويل عليها لرسم خارطة فكرية وسياسية تكشف طبيعة النظام السابق وآيديولوجيته اللاإنسانية ، وتشريح بُنيته وآليات عمله والنتائج التي ترتبت على ذلك كله بوقائع ملموسة دامغة " بالقلم والصوت والصورة " في كتابٍ أسود يصبح دليلاً كاشفاً لكل مواطنٍ يحترم آدميته ، ولكل سياسيٍ  لا يرتضي لنفسه أن يكون محسوباً على نظامٍ سعى لكي يتجاوز بنهجه كل تجارب وممارسات الاضطهاد والاستلاب والعسف والتصفية والإبادة الجماعية ، ويكفي دلالةً اعتماده على مذكرات هتلر كمرجعٍ للتثقيف..
تلك فرصة ضيّعناها ، وإمكانية بددناها ، فصرنا بلا مرجع إدانة شاخصة يفضح نظاماً ناضلنا للإطاحة به ، وحزباً أورثنا عوراتٍ ندّعي التحلل منها ، ونعيد إنتاج أفظع منها تحت واجهاتٍ أخرى . ولمن لا يرى ولا يعرف ولا يسمع ، أن يتلفت في كل اتجاه ويرصد من يتحكم في مصير العراق ومن أوصلنا الى المنحدر الذي لا قرار له كما يبدو.
ولنسترجع مشهد السنوات العشر الماضية لنكتشف أن بريمر وحده لم يكن وراء ما نواجهه اليوم ؛ فالاستثناء من الاجتثاث والمساءلة والملاحقة في إطار " العدالة الانتقالية " المفترضة تقررت على وفق إرادةٍ حاكم عراقي ، وهو ما يثير مجدداً السؤال : لِمَ كان قرار الاجتثاث وحل الجيش ، ولمصلحة مَن ..؟
وكان من الواضح أن النهج والسلوك السياسي لبعض القوى التي برزت بعد التغيير، يدفع باتجاه فرزٍ "سياسي - طائفي" من شأنه أن يؤدي لا محالة الى المواجهة، من خلال " التموضع" في موقعٍ تبدو فيه حاملاً "لإرث الماضي البعثي" ومدافعاً عن خياراته، وقد وضعت بـ " ادّعائها التمثيلي" ونهجها السياسي " المكون السني " بوصفه حامل ذلك الإرث البغيض، من دون وجه حق، فهو كان، الى جانب سائر العراقيين، من بين ضحايا سياسات البعث وحروبه العبثية. ومما عمّق الإحساس بهذا "الانفصام" والفرز السياسي، تحوّل المنطقة الغربية الى حواضن للقيادات السياسية والأمنية والعسكرية للنظام السابق، ومأوى للمتسللين من أنصار القاعدة والتنظيمات المسلحة المناوئة للنظام الجديد.
ولم يأتِ هذا الفرز الطائفي من فراغ، بل بُني على ما جرى التمهيد له في الخارج، بدفعٍ من "رعاة" قوى المعارضة  الأساسية  المعروفة بموالاتها ، وليس بمعزل عن نزوع القوى الإسلامية فيها نحو التخندق، حيث جرى التأكيد على تأطيرها طائفياً ومذهبياً وقومياً ومناطقياً. ولعب الإعلام الغربي دوراً مشبوهاً في إطلاق التسميات المذهبية على مناطق العراق الجغرافية، فصار الجنوب الشيعي والغرب السني بالإضافة الى كردستان.
ولم يعد خافياً أن عرّابي  المعارضة في عهد نظام صدام في الخارج كانوا كلاً من سوريا وإيران والمملكة العربية السعودية ومظلتها الواسعة، الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة. وكرّس أول مؤتمرٍ للمعارضة في بيروت (1991) هذا النهج الانقسامي. لكن الاصطفاف العربي والإقليمي من "موقعٍ طائفي ومذهبي متعالٍ "  ضد التغيير الذي أطاح بنظام البعث عام ٢٠٠٣، أدى الى تجييشٍ سياسي وإعلامي تحت شعارات تندد بالتغيير وتطلق مسميات استفزازية ضد المكون الشيعي. واتخذت الحملة المضادة للنظام الجديد وأغلبية سكانه، طابعاً مغالياً فيما انطوى عليه من تعريضٍ واستخفاف بإطلاق نعوت "المجوس" و"الرافضة" عليهم وتجريدهم من وطنيتهم وإنتمائهم القومي (العربي) والتشكيك بولائهم للعراق، والطعن بكونهم يمثلون أكثرية السكان، مما  يعني حرمانهم  من حكم العراق أو تبوُّء موقعٍ قياديٍ في السلطة والنظام الناشئين.
وعزّز هذا الاصطفاف العربي- الإقليمي، من استنفارٍ طائفيٍ مقابل، رأى أنه يتعرض لحربٍ طائفيةٍ تستهدف حرمانه من حقه المشروع في التعبير الديمقراطي عن ذاته الوطنية بعد عقودٍ من التعدي والاستلاب.
وكانت المناطق الغربية حينها قد تحولت الى بؤرة تصديرٍ للإرهابيين من القاعدة ومن أزلام وامتدادات النظام المنهار، ومصنع للمفخخات والانتحاريين وبوابة لتسلل " شُذّاذ الآفاق"، علناً من كل فجٍّ عميق. وفي تلك اللحظة التاريخية الحرجة لم ترتقِ مَن قدمت نفسها كممثلة عن المكون السني، الى مستوى المسؤولية الوطنية وتَعمد لصياغة سياسةٍ ونهجٍ يتميزان بالنزوع نحو المصالحة، بإدانة النظام الاستبدادي المنهار، والتنصل من إرثه وجرائمه وممارساته، والإعراب عن اندماجه مع المجتمع العراقي بكل مكوناته في التقييم الإيجابي للتغيير الذي أطاح بالبعث، وتبني ستراتيجية تسامحٍ وتوافقٍ وطني في إطار ديمقراطي تنفتح للتعددية القومية والدينية والمذهبية. وهي ليست فقط لم تنزع نحو هذا الخيار، بل على العكس تماماً تبنّت سياساتٍ ومواقفَ وتصريحاتٍ ودفاعاً مبطّناً عن البعث بذريعة رفض " قانون اجتثاث البعث"، والإيحاء التدريجي، بأن القانون يستهدف المكون السني بالذات..!
ولا يمكن نكران أن استهدافاً للمناطق السنية، وللمواطنين السنة  بذريعة تطبيق القانون المذكور، جرى بانتقائية مقصودة في أحيان كثيرة، لكن هذا الاستهداف تحرك أيضاً أو وجد له تبريراً في تصاعد العمليات الإرهابية الآتية أدواتها من الحدود الغربية، والعابرة من الأراضي السورية ودول الجوار الأخرى. كما حرّك أشجاناً وضغائنَ لدى ذوي آلاف الضحايا الذين كانوا يلقون مصارعهم في العمليات الانتحارية والمفخخات والأحزمة الناسفة، وكلها كانت تجري في المناطق والأحياء الشيعية الفقيرة، ولا تواجه بالاستنكار والشجب في الأوساط التي تدعي تمثيل المكون السني، إلا على استحياءٍ وتردد مشروط! إن هذا النهج غير المسؤول شجّع التجمعات المغالية في طائفيتها بين المكون الشيعي على تغذية عمليات الانتقام وصعّد من نهج الفصل" المكوناتي"   الذي بلغ أوجه بعد تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء ، حيث جرى تبادل حرق المساجد والحسينيات ليصل الى حرق القرائين ..!
لقد فات بعض القيادات المحسوبة على المكون السني، أو التي تدّعي تمثيله، التوقف عند حقيقة أن القاعدة الأوسع لحزب البعث والنظام السابق كانت من المكون الشيعي لكونه يمثل أكثرية السكان وتتشكل منهم أكثرية المحافظات، وأن قوات الجيش والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والمخابراتية وفدائيي صدام والحرس الجمهوري تضم أغلبية شيعية! وأن هؤلاء تسللوا الى الأطر الشيعية من احزاب الإسلام السياسي، وبينهم قياداتٌ ظلت تحظى برعاية صدام وتتلفع بأنواطه وأوسمته حتى اللحظة الأخيرة، وهي نفسها لاقت رعاية لا تقل عن سابقتها سواء من الإدارة المدنية والعسكرية للاحتلال الاميركي أو من السلطة الجديدة ، وحصلت خلال دورتي حكم السيد المالكي على استثناءات من قانون "اجتثاث البعث" ومن " المساءلة والعدالة" .! وكان على هذه القيادات وهي تنأى بنفسها عن شبهة التماهي مع البعث أو توريط المكون السني كحاملٍ لرسالته وامتدادٍ لنهجه وسياسته، فضح ازدواجية القيادات الشيعية في تطبيق قانون الاجتثاث والمساءلة والعدالة، ونفي أي اتهامٍ لها كامتدادٍ طائفيٍ للبعث ..!
إن محاولة تبرئة البعث ونظامه من ارتكاباته ضد العراقيين  من دون استثناء، وهي لا يمكن إلا تصنيفها بوصفها "جينوسايد" أو جرائم ضد الإنسانية، عارٌ لكل من يسعى لها، سواءً كان فرداً أو حزباً او مكوناً، وهي عارٌ مزدوجٌ على من لا يفضح تلك الجرائم ويوثقها، ويتبرأ منها. وإذا كان البعض من القادة الذين عاشوا مرحلة الانقسام والصراع السياسي بعد ثورة ١٤ تموز، يجد في بعض وقائعها ما يبرر انتهاكات البعث بوصفها ردود أفعالٍ وجزءاً من الصراع، فأي تبرير يجده في العودة الثانية للبعث، وما استبيح فيها من حرماتٍ وانتهاكاتٍ وتدميرٍ وحروبٍ وتصفياتٍ جسدية وسياسية حتى بحق القيادات التاريخية لحزب البعث نفسه؟ علماً بأن ما جرى في ٨ شباط ١٩٦٣ لا يمكن اعتباره بأي حال ردّ فعل يتساوى مع أي حدٍ لادّعاءِ تَجاوزٍ جرى على البعثيين والقوميين وسواهم من التيارات الممالئة.
إنّ الدعوة للمصالحة وتمكين تطبيقها بما يفضي الى معافاة الحياة السياسية، مع صعوبة تحقق ذلك في ظل تعقيدات الوضع الراهن، يستلزم قبل كل شيء تخلي البعض عن شماعة وقف عملية المساءلة والعدالة كشرطٍ لها، لأن هذا التشبث يشكل إدانة تاريخية لمن يحمل وزرها. وهذا التمادي في محاولة إعادة الاعتبار للبعث، بدلاً من مطالبة كل بعثيٍ كان له دو ر مشهود في إدارة الدولة أو سياسات النظام في ذلك العهد بتقديم اعتذار للعراقيين وللأجيال القادمة بما لحقهم من ضيم وأذىً ودمار للوطن والقيم الوطنية، وبما شكله من تأثير سلبي على مستقبلنا وإطالة معاناتنا ووضعنا في مواجهة إمكانية التعرض لويلاتٍ أشد وعسفٍ يفوق ما تعرض له الشعب العراقي.
نحن جيل النضال المرير والخيبات ، عشنا ويلات البعث بكل تجلياته وعهوده ، لكنّ ما تعرضنا له لا ينوش قامة أولئك الأبطال الذين جرى تمزيق أجسادهم وإذابتهم بالأسيد وقلع عيونهم وتكسير جماجمهم ودفنهم أحياءً في قبورٍ جماعية ، وإبادتهم بالأسلحة الكيمياوية ، وتغييب معالم قبورهم وإزالة أي أثرٍ ثبوتي لوفاتهم . نحن أبناء جيل الخيبة ، لم نشعر بما تلبّس عوائل من الشهداء الذين جرى إعدامهم علناً للترويع ، وهم يُطالَبونَ من قبل الجلاّدين بثمن الرصاصات التي اخترقت أجساد الأزواج والأبناء وذوي القربى ، والتعهد بالتزام الصمت والامتناع عن إقامة مراسيم العزاء على ذويهم  ..! نحن ابناء ذلك الجيل " لسوء حظوظنا " لم نشعر بما انتاب ضحايا قصر النهاية ونكرة السلمان وقطار الموت ، سَكرات النزع الأخير  ، بعد " حفلات " التعذيب التي لا وصف إنسانياً له لشدة ما تنطوي عليه من سادية همجية ، فقد حُرمنا من فضيلة الاستشهاد ، لعلنا بذلك لا نواجه محنة المشهد الذي يحيط بنا اليوم  ، حيث لا وطن ، ولا قيم عليا ، ولا مرتجى . لا ظلّ لنتفيّأ به سوى مظلة فسادٍ وكراهية للآخر ، ورائحة عَفَنٍ يزكم الأنوف ، ويُبطل الوضوء..!
وبعد هذا كله ، أليس عيباً ، تحت أيّ بابٍ أو اجتهادٍ فكريٍّ أو سياسيٍّ ،  وتحت أيّ ذريعة أو تبرير مخاتل ، البقاء في موقع يؤشر أنه يتجاور مع خيمة البعث . بكل ما يحمله البعث من أوزار وانتهاكات، لم يشفِ شعبنا من جراحاته بعد .!
أو ليست مثلبة ، البحث عن منصة سياسية لمثل هذا التشبث ، إذا ما كان واضحاً انه لا محالة سيقود الى إمكانية إعادة إنتاج استبدادٍ قابلٍ  للتسويق السياسي، ربما بأدوات تتشبّه بالبعث من حيث الوسيلة والأدوات ، وإن تناقضت معه في المرجعيات والآيديولوجيات ..؟
أليس من واجبنا جميعاً، من دون استثناء أن َنحولَ دون إعادة إنتاجه الكارثيِّ  .....؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. عبد اللطيف السعدي

    شكرا عزيزي أبا نبيل هو تحليل كامل لما مررنا وبه وأسباب وصولنا غلى وضعنا البائس الراهن ... تحيليل شامل بعديا عن اية إنحيازات وكشف لكل من تصدر صيغة التمثيل الزائف للطوائف وساهم بمواصلة تدمير الوطن وطبيعة المجتمع العراقي ... شكرا لك مع أملي بمواصلة ذلك وبإيج

  2. سمير طبلة

    فرصة ضيّعناها ، وإمكانية بددناها ... و... ضيّعنا تيه بتيه ، مع الإعتذار لسعدي يوسف الأصيل وليس العليل! وأبو نبيل مُطالب بإيضاح أوسع للـ نا (ضيّعناها وبدّدناها)... فهل يُجيب؟

  3. ali

    مقال رائع

  4. عبدالعظيم الخفاجي

    تحليل عكس سطحية روئ كثيرمن القوى السياسية الحاكمة بعد التغيير في عدم تبنيها برنامجا شفافا واضحا وصريحا من هنا جاءت حلولهم مبتورة وغير واضحة بقصد وبنوايا مسبقة تتسم بالذاتية والانتمائية بهدف. امتلاء الجيوب وتعويض ما فاتهم. ( ماليا) وهذا المؤسف و

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram