من يتابع الافلام التي صنعها المخرج والممثل جمال امين، يجده كابناء جيله من الذين اختاروا المنفى، منشغل بالموضوعات التي لاتتجاوز اجترار الذكريات، وهموم الغربة ، والحنين الى الوطن ، والهوية... وهي الموضوعات التي عمل عليها أقرانه سينمائيو الخارج بشكل واضح : حيدر رشيد (مطر وشيك)، جعفر عبد الحميد (ميزو كافييه)، قتيبة الجنابي (الرحيل من بغداد) .. على سبيل المثال لا الحصر.
و جمال امين غادر العراق مضطرا بعد ان شارك ممثلا في فيلم هو (بيوت في ذلك الزقاق) ، وعمل في التلفزيون في (الذئب وعيون المدينة) ..اضافة الى اعماله في المسرح.. لكنه بقي مخلصا لمشروعه السينمائي فقدم سلسلة من الاعمال التي شاركت في مهرجانات سينمائية عديدة مثل (صائد الضوء) و (لقالق) و (ياسين يغني) وغيرها.
في فيلمه هذا نحن امام عمل وثائقي باطار روائي .. امام موضوع لايحتمل الكثير من التفاصيل ، لكنه في معالجته ينأى به عن هذا المطب فيجعله الثيمة الاساس التي تتفرع عنها باقي الموضوعات ... (فايروس ) كل امراض المجتمع العراقي الان.
الفيلم مصنوع بامكانات ذاتية ، متقشف بكل شيء إلا من قيمته الفنية والفكرية .
فكرة بسيطة عن خمسة شبان عراقيين من الجيل الثاني من اللاجئيين في الدنمارك فرقد ، محمد، مصطفى، جليل، جيا الكردي .. في رحلة بسيارة صغيرة من اودنسا الى اورهوس .. الموضوع هنا هو الحوار الذي ينشأ بين هؤلاء الشباب الذي تغذيه مرجعياتهم المذهبية والعرقية ، هو حوار في النهاية ، لكنه يصبح مشكلة عندما يتحول الى حوار يلغي الاخر.. فالشباب هم نموذج مصغر لوطن كبير الذي سترمز له السيارة.. حوار يظن كل منهم انه الحقيقة المطلقة.
تبدأ الرحلة باغنية لام كلثوم تنطلق من مسجل السيارة فيتمايل لايقاعها الشباب لكن سرعان ما يبدأ الحوار بين الجميع الذي يقوده (فرقد) الشيعي العلماني الذي يتميز بالطرافة والتهكم يبدأ الحوار انطلاقا من نكتة لا تخلو من التجديف.. فنتعرف على رأي (جيا) الكردي الذي يصر على حق الاكراد كأمة في تقرير مصيرهم ونيل الاستقلال بينما يواجه رفضا قاطعا من (جليل) الشيعي التقليدي في التزامه والمؤمن بحكم الائتلاف فيما يغازل (محمد) السني البعث.. فيما مصطفى الشيعي المتزمت الذي يقود السيارة او قل الوطن يحاول ان يفرض اراءه الاحادية على الجميع ويحاول ان يستثمر امتياز سياقة السيارة او ملك السيارة في فرض ارائه وسطوته، خاصة عندما يفرض عليهم سماع الاغاني الحسينية رغم اعتراضهم ويخيرهم في النهاية بين سماعها او ترك السيارة.. ترك الوطن فيختار ثلاثة من الاصدقاء الترجل من السيارة لينتظروا الصعود مع سائق من اصل اوغندي فيقلهم في طريقه.
المخرج جمال امين وجد في هذا اللغو والسفسطائية ما يوقف السيارة الوطن بفعل اهتزاز التوازن والتفرد بالرأي الوطن الذي يخذله استبداد الرأي الو حد فـ(يتعطل)!
وفي دلالة رمزية واضحة يدفع الاصدقاء السيارة علها تسير.
الفكرة قدر ما هي بسيطة فانها تختزن كل معاناة العراق التي نشأت عن هذا الحوار في تقبله او في الغاء الاخر به.. حوار نستطيع ان نديمه ليكون سبيلنا الى الخلاص، او ان نفرضه قسرا ليكون سبيلنا الى الدمار.
المخرج جمال امين قال اشياء كثيرة بشكل مقتصد.
يحاول جمال امين تقصي هموم الغربة التي هي جزء من هموم الوطن .. وهذا ما نجده في اغلب افلامه .. فبينما تناول في فيلمه (الظلام الابدي ) الاثر السيء للحروب على اثنين جعلتهما هذه الحروب يفقدون البصر، نجده في فيلم (ياسين يغني) يرثي فنانا تشكيليا اصطادته ماكنة الحرب وهو في زيارة قصيرة لكنها بعد غربة طويلة الى بلده.
فيروس.. وطن
[post-views]
نشر في: 9 مارس, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...