تقليد مُتبع يصاحب منح جائزة الرواية البوليسية ، تتمثل برحلة لقطار الشرق السريع (الاورينت اكسبرس) في إحدى مدن أوروبا .
هذه الجائزة أُنشئت للاحتفاء بالمواهب الجديدة في اوروبا في جنس الرواية البوليسية،وتبنتها دائرة السكك الحديدية في اوروبا تيمناً بالروائية البريطانية أجاثا كريستي التي جعلت من هذا القطار مسرحاًً لإحدى أشهر رواياتها.
مثل هذا الاحتفال بدأ قبل اكثر من عشرة اعوام وما زال مستمراً.
تنبه الغرب إلى قيمة كريستي وقطارها وأهمية ما تركت من آثار مهمة وصلت إلى أكثر من مئة عمل روائي في مجال الرواية البوليسية.. هم يكرمونها لهذا السبب بالطريقة التي تستحق، ولكن ايضاً لأنها من أصولهم وتحمل جيناتهم (ابنة لأب أمريكي وأم بريطانية)، لكنه في النهاية قطار الشرق السريع،وإن كانت صفة السريع بالطبع هي للقطار وليست للشرق.. هم مارسوا عسفهم مع الجغرافيا ليستأثروا بكريستي،بينما نحن امتهنا التاريخ- كما العادة - لننسى أنها سليلة مستعمر عبثت يوم بعظام أسلافنا في الأقصر،وأور،وبترا،وشيراز.
ما الذي فعلناه نحن لهذه (الأجنبيه) التي وفدت الينا مُتلحفة بغطاء المستعمر برفقة زوجها عالم الآثار لتعمل في التنقيب والاهتمام بالقطع الأثرية في أور ونينوى والتي وصل بها الامر إلى درجة تنظيفها بمستحضرات العناية بالبشرة.
الغرب يحتفي بأجاثا كريستي بقطار الشرق،بينما الشرق يعتمد النسيان..نسيان امرأة كان الشرق بالنسبة لها إلهاماً،وفرصة،للتأمل والكتابة جعلت الغرب يرسم هالة سحرية لهذه المرأة التي دغمت في روحانية الشرق وسحره والتي منحها - أي الشرق- الشهرة التي تستحق.
مدن بلاد الرافدين من بين مدن الشرق التي شملتها رحلات كريستي،كانت منعطفاً مهماً في حياتها وإبداعها.. هناك التقت أول مرة بزوجها العالم الاثاري ماكس مالوان، وهناك ايضاً كانت شاهدة على العثور على الـ(نمرود).. بل هي من أطلق عليه (موناليزا نمرود) هذا التمثال الذي يرجع تاريخه إلى ثمانية قرون قبل الميلاد هي.. أيضاً من عاش لحظات أكتشاف قصر نبوخذنصر والقيثارة السومرية.. انها مَن ألهمتها مدن ما بين النهرين أفكاراً أفضل ما كتبت (جريمة في بلاد الرافدين) و(المجيء إلى بغداد)و (بوابة بغداد)..بل ان فكرة القطار السريع نفسه جاءتها وهي عائدة من العراق في هذا القطار.
الغرب يمنح الجوائز في قطار الشرق الذي صاغت منه كريستي واحدة من اجمل قصصها.. والشرق يأنف من ابنة الامبراطورية التي لم تغرب عنها الشمس والوافدة إليه تحت تأثير سحره وجماله.. هو لا يرد إليها الجميل على الأقل في إسهامها في إزاحة الغبار عن طلاسم حضارته ولا نقول بسبب سحره وغرائبيته التي ألهمتها أجمل ما كتبت.
تماماً وبزمن مواز لزمن كريستي سحر الشرق رحالة مثل ولفرد ثيسيغر الذي غادرنا قبل ثمانية اعوام باعلان سمعناه من اذاعة البي بي سي مفاده: (مات صديق العراق.. مات صديق الأهوار) وزميله كافن يونغ اللذان يعرفان جيداً عجرم بن حسين وسيد صروط واولاده وجثير الفريجي اكثر مما نعرف...
تماماً كما يعرفون تلك البقعة في جنوب الوطن التي تذهب الروايات انها هي جنات عدن.. الاهوار.. والتي وثقاها تماماً بيئة وحيوانات وثقافة وتاريخاً..
فكان ما سطـّرا مرجعاً- ويا للمفارقة - لمن يريد ان يسبر أهوار الجنوب.
يونغ وثيسيغر رحالة من الغرب وفدا إلى الشرق ليستكشفوا غموضه وسحره وأساطيره ليجدوا أنفسهم عاشقين له..
ما الذي فعلناه لهم؟
ثيسيغر ويونغ وكريستي رموز تستحق ان نحتفي بها، تكريماً واستذكاراً وجوائز وان نخلع أسماءهم على أمكنة نحب.. في قطار للشرق ليته ينهض من سباته!
في رحلة قطار الشرق السريع
[post-views]
نشر في: 27 إبريل, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...