ستون مليون دينار هو تكلفة العملية الجراحية التي يجب ان يخضع لها الطالب محمد الباقر من قسم الكهروميكانيك في الجامعة التكنولوجية بعد أن تعرّض لحادث أصاب حبله الشوكي وسبّب له شللا كاملا أجبره على مغادرة الجامعة لهذا العام ...الطالب من محافظة ميسان ومن سكنة الاقسام الداخلية ولا تملك عائلته اجور العملية التي يجب اجراؤها خارج العراق برغم انها باعت كل ما تملك ولم تتمكن من تأمين اكثر من 40 مليون دينار وبقي امامها مهمة جمع 20 مليون دينار لتتمكن من انقاذ ولدها ...الى هنا يبدو الخبر عاديا في بلد يفقد يوميا عشرات الشباب في الانفجارات والمواجهات المسلحة ويصاب اغلب ابنائه بعاهات أواصابات تحتاج الى عمليات جراحية يعجز أهالي المصابين عن تأمينها ..لكن الجديد في الخبر هو ما فعله زملاء الطالب الشاب واصدقائه في القسم المذكور ، اذ استكثروا اصابته بالعجز وحرمانه من اتمام دراسته فأطلقوا حملة (لا لن ندعك ..نحن أخوة ) وقرروا جمع التبرعات من بقية الطلبة وباي مبلغ مالي وغير محدد لمساعدة صديقهم وارجاعه الى الدراسة وزراعة الأمل فيه ..وهكذا بدأ طلبة قسمه بالتبرع له ثم التوجه الى بقية الاقسام وعرض القضية امامهم واقناعهم بأنهم قادرون على جمع المبلغ المتبقي فيما لو تبرع كل طالب بمبلغ 2000 دينار فقط ..وابتدأت الحملة ولم تتوقف عند حدود قسم الكهروميكانيك او حتى طلبة الجامعة، بل شارك فيها طلبة من خارج الجامعة وموظفون واشخاص يحبون فعل الخير بعد ان نشر الطلبة الحملة على صفحاتهم الشخصية لتعميم الخبر...
يقول علماء النفس ان الشباب اجتماعي بطبعه ويميل للانتماء الى مجموعة وهو طاقة للتغيير والانسانية والحماسة والجرأة والمثالية المنزهة عن المصالح والروابط عدا الفضول والنقد والاستفسار الدائم لادراك ما يدور حوله وعدم القبول بالضغط والقهر كوسيلة للتعبيرعن العنفوان الداخلي والاعتداد بالنفس كما ان الشباب يتصف بالديناميكية والحيوية والتحرر والتضحية والرغبة في تغيير الواقع ..لهذه الصفات مجتمعة كان الشباب غالبا وسيلة للثورات والتغيير في بعض المجتمعات الرافضة لواقعها بينما استغلت بعض الحكومات طاقات الشباب لتطوير بلدانها وقطعت اشواطا في مجالات الابداع والابتكار ..أما في بلدنا ، فتخضع هذه الصفات لمجهر حكومي فيصبح ميله الى الانتماء الى المجموعة تكتلا ، وحماسته وجرأته تمرداً ، ورغبته في تغيير الواقع تهمة يمكن ان تلقي به في المعتقلات ..أما فضوله واستفساره وطموحه وديناميكيته واعتداده بالنفس فيمكن تحويلها ببساطة الى فشل وعجز واحباط بمجرد حرمانه من حقه في التعليم او العمل والحياة ، وهكذا لا تصنع الحكومات من الشباب رجالا فهي تتركهم يواجهون واقعهم من دون دعم حقيقي وتضع عشرات العراقيل في طريقهم وتدق أسافين الطائفية في ما بينهم لكنهم يثبتون دائما انهم اخوة وانهم قادرون بامكانياتهم ومبادراتهم البسيطة ان يصبحوا قاعدة للانطلاق نحو بناء البلد ، وانهم يمكن ان يصنعوا حياة جديدة وان تصنع منهم الحياة رجالا ..لا الحكومات !
من أجل إنقاذ طالب
[post-views]
نشر في: 16 مايو, 2016: 09:01 م