نعود إلى حكاية ثور الكردي والملّا الأعمى، بمناسبة دعوة الرئيس فؤاد معصوم لفتح قنوات حوار مع المتظاهرين ومنظّمي التظاهرات حول آلية ومكان التظاهرات، وما إلى ذلك من كلامٍ في شبك. أليس دليل عجزٍ وتخبّطٍ وفقدان بوصلة أن تبدو الرئاسات الثلاث بعد حراكٍ مطلبي يمتدّ منذ شباط ٢٠١١، بمظهر الجاهل بما يريده الشعب من مطالب، وما يعنيه بشعارات يرفعها المتظاهرون، وهتافات تصدح بها حناجرهم كلّ جمعة احتجاج.؟ وهل لهذه الرئاسات المُمعنة في تجاهل مطالب الملايين أن تستدرك وتتنبّه الى أنّ صبر الملتاعين، المأسورين،الجياع، المُصادَرِة إرادتهم، قد نَفِدَ، وأنّ العبث بوطنهم وثرواته وأمنه ومستقبله، صار فوق حِمل وطاقة أُمّة تتمثل بصبر أيوب، وليس أيوب لوحده!
أمِنْ الفطنة السياسية أن تتنادى الرئاسات لتدارس "فتح قنوات" حوارٍ مع المتظاهرين ومُنظّمي التظاهرات حول سياقات ضبط تظاهراتهم و"الخطط الكفيلة" بإجراء الإصلاحات الإدارية والمالية والخدمية التي "تهمُّ المواطنين بشكلٍ مباشر" ؟!
أوليس من حقّ الناس أن يندبوا حظّهم العاثر بهذه السقطة السياسية التي أوقعتهم في حبائل سياسيين لا يعرفون ما هي مطالبهم بعد سنواتٍ من خروج الملايين على امتداد بلادهم، عاثرة الحظّ هي الأخرى، وهي ترفع اللافتات بالعربية الفصحى والعامية أيضاً، تُندّد بالصوت والصورة بحكّامهم فاقدي الإرادة والكفاءة والصلاحية، وتطالبهم بتلبيتها، وإلّا فليرحلوا غير مأسوفٍ عليهم.
ولنفترض أنّهم لم يقرأوا اللافتات، ولا استمعوا إلى الأهازيج الشعبية التهكمية، ولا تسلّلت إلى وعيهم مناشدات العاطلين والأرامل والأطفال وكبار السنّ واللاجئين وأسر الشهداء والمعاقين وكلّ عراقية وعراقيٍ أحسّ باغتصاب إرادته ولو بعد فوات الأوان. لنفترض هذا، وهو افتراض يصحّ على وادي الموتى وفاقدي البصر والبصيرة، ولكنْ ألم تنفذ إلى أُنوفهم رائحة دماء مئات ضحايا الإرهاب كلّ يوم، أم أنهم فقدوا حاسّة الشمّ مذ أصبحوا رؤساء؟!
في قرية فتك بماشيتها وباءٌ، سأل الفلاح الكردي شيخ القرية الأعمى: ألم أطلب منك أن تدعو لي عند ربك أنْ يفتدي بقرتي بحماري، قال الشيخ: بلى، فطلب الفلاح من الشيخ الأعمى أن يُميّز بين البقرة والحمار فميّز الشيخ الأعمى بينهما باللمس، فصاح به الفقير: اذهب ونم، فسأدعو الله أنْ يفتديني بكَ، لعلّهُ يأخذك.
فِطنة الرئاسات بالدعوة للحوار مع المتظاهرين لمعرفة مطالبهم !
[post-views]
نشر في: 24 مايو, 2016: 06:51 م