بدأتِ العافيةُ تعودُ إلى الجيش، والقوات المسلّحة عموماً، ولا بأسَ مِن عوالق تنتظرُ إصلاحاتٍ في العملية السياسية، تسترجع معها القوات المسلّحة، وبخاصّة الجيش، عقيدتها الوطنية، وتنفض عنها أدرانَ الطائفية وانعكاس الدمج في تركيبتها، فالانتصاراتُ على جبهة المواجهة مع داعش بوادرُ تؤكّد ذلك. يتحقّق هذا التطوّر رغم مظاهر التدهور والانحدار في الحياة السياسية، والتشرذم الذي أصاب العملية السياسية وتنابز بعض أطرافها مع البعض الآخر، حدّ بلوغ حافّةِ المواجهة في الشارع بين أبناء الطائفة الواحدة.
والمؤشّرات العسكرية بشأن المعارك الدائرة حول الفلوجة وفي أطرافها وعلى تخومها الداخلية، هي واقعية يؤكدها التقدُّم اليوميّ وتكرِّسُها التقارير بالصورة والصوت والمعطيات على أرض الواقع، وهي كلّها تُوصل رسالةً واحدة: الفلوجة تتحرّر وتعود إلى أهلها، لكنَّ العودةَ ينبغي أن تحمل معها دروسَ المحنة التي حلّت بناسها وكلّ ما في مدينتهم العزيزة عليهم وعلى كلّ عراقية وعراقيّ.
ومن دون الامتثال لتلك الدروس وما فيها من عِبَر، والتعامل معها كرصيدٍ ثمينٍ للتجربة، تكون عودة الرمادي ناقصة. وأول درسٍ في هذا الرصيد هو أن يتدبَّر أهلُها شؤونهم السياسية وأمورهم الحياتية، وما يمكن أن يتعرضوا له من تجاوز وتضييقٍ وعسفٍ سياسيٍّ، باعتبارها من جور أهل الحكم عليهم، يتقاسمونها مع أشقائهم على امتداد البلاد، وبالتكاتف معهم يكون التصدّي وليس
كمَنْ "يستجيرُ بالرمضاء عن النار" .
والدرس الثاني في رصيد تضحيات الفلوجة والأنبار كلّها ونينوى، يكمُنُ في ما تمخّضت عنه "الاستجارة" بعدوٍّ لا يجمعه جامع بما يريدونه ويتطلّعون إلى تحقيقه في ظلال وطنهم وبإرادتهم الموحّدة مع أبناء وطنهم، وهو عدوٌ متمرّسٌ بالخديعة مُتلفِّعٍ بقناعٍ طائفيٍّ، شعائرُه وقيمُه وادّعاءاته باطلة تنبذُ الإسلامَ الحقيقيَّ وتتناقض معه وتستبدُّ باسمه لتُعلي رايتَه السوداء المُلطّخة بالدم والعار، وليس راية الإسلام ومذاهبه.
والدرس الثالث، يتجلّى في إمعان الفكر حول حقيقة مواقف ومواقع أولئك الذين زيّنوا للناس الاستقواءَ بالهويّة الفرعيّة الطائفيّة في مواجهة الهويّة الطائفيّة لِمَنْ حاول اغتصاب السلطة وتكريس استبداده على شعبه من دون تمييزٍ لطائفة عن طائفة، ولكليهما، المُحرِّض وصاحب السلطة، وجهٌ طافحٌ بالفساد والضغينة والتشبُّثِ بمغانم المحاصصة الطائفيّة.
الفلوجة تتحرّر وتعود وهي تستظلُّ برايتها الوطنية، من دون أيِّ رايةٍ سواها..
وهيَ عودةٌ لابدَّ أنْ تكونَ مشفوعةً بعودةِ الوعيِ للعراقيينَ مِن دونِ استثناء..
بانتظارِ عودةِ الوَعْيِ، بعدَ تحريرِ الفلّوجةِ واستعادةِ الموصل..
[post-views]
نشر في: 31 مايو, 2016: 07:18 م