الفرنسي أندريه بريك، عالم الفيزياء الفلكية مكتشف حلقات نبتون، سُئل عن أولوياته لو ترشّح للرئاسة. أجاب بعفوية من دون تردّد: الثقافة والبحث، والتربية. بريك توفيَ قبل أسابيع، وكان معروفاً بعشقه للموسيقى وبحسّه الفكاهي، ولم يخفِ ولعَه بالطبخ.
ولو سُئل أيُّ قيادي في أحزابنا وكتلنا النيابية نفس السؤال لتردَّد قليلاً، وسأل خُلصاءه كم هي الميزانية السرّية للرئيس، وهل تخضع للرقابة المالية، وهل فيها مشاريع "تنموية"؟!
وقد سُئلَ مُرشّح لإحدى الوزارات المليئة بالمشاريع والمُتخمة بالميزانية عمّا يفكّر به من توجهات لتحقيق المصالحة الوطنية، والتضييق على مظاهر المحاصصة الطائفية. أجاب بمنتهى الجدّية: أنا أُفكرُ بأنْ أغرف كلَّ ما أستطيعُ من ميزانية الوزارة، ولن أتردّدَ في بيع "ترابها"،لأنَّ هذا أجدى مِن كل ما تفعلونه للمصالحة!
وليس في هذه المقارنة مسحةٌ من مبالغة أو تجنٍّ أو افتراء. وقائعها معروفة لمسؤولي دولتنا المهمومة بخواء خزينتها، وتراجع إغراء العديد من وزاراتها بالصراع على حقائبها مِن قبل الكتل المتنافسة على الوزارة التكنوقراطية. ولكنْ مَنْ يبحث لا يُردُّ خائباً، فالوزارات ليست مجرّدَ ميزانيةٍ وعمولاتٍ وأسهمٍ من الباطن وترابٍ قابلٍ للبيع، ومِنَ الوزارات ما تدرّ وظائفها ذهباً وعقيقاً وتبادل منافع، لا يعرف الوصول إلى أسرارها مَلِكُ الجنِّ وخليفة الشياطين.
ويتداولُ الناسُ، منذ تشكّلِ الوزارة الإصلاحية للدكتور العبادي، أنَّ إحدى الوزارات السيادية التي صارت برعاية وزيرٍ مفوّهٍ لا شكوك حولَ تديُّنهِ أو تمسّكهِ بالشعائر المذهبيّة، وتبحُّرهِ في عدد الآيات القرآنية وأسباب نزولٍ كلٍ منها، قد تحوّلت إلى متاعٍ لحزب الوزير، يُعيِّنُ أنصاره ومريديه، في مواقع داخل مقر الوزارة وفي امتداداتها في الخارج، لا فرق إنْ كانت لديهم شهاداتٌ أو كانوا من دونها، ولا فرق إنْ كانت خبراتهم تؤهلهم للعمل في وزارة البيئة أو حقوق الإنسان أو الخارجية. ويجري الحديث عن تعيين طواقم كاملة من العاملين في مرافق حزبه الصغير بعدد أعضائه، الكبير بتديّن ورفعة مكانة رئيسه. ولا يتورّع الوزير عن تسليم الوزارة لذوي قرباه ليتفرَّغَ لشؤونه القيادية وللتعبّد في محراب بيته الرئاسي.
ليستْ هذه مقارنة مقبولة، فشتّانَ بين أندريه بريك العالم الفيزيائي الذي يزنُ كلماتِه بميزان العلم، وبينَ وزيرٍ في بلد لا دولة فيه ولا قِيَمٍ رادعة أو قانوناً لمساءلة الوزير إذا ما ان هو من يحدّد معايير المساءلة.
الفرق الوحيد أنَّ العالم بريك يحترم مكانته العلمية وسمعته بين أقرانه، أمّا وزيرُنا فيعتقدُ جازماً بأنَّ صلواتهِ وأدعيتَه، وهو المفوّه ذو العقل الراجح في كلِّ ما له علاقة بعلم الكلام الملتبس، تكفي لتأكيد أنه يعمل لدنياه كأنه يعيش أبداً، ويعمل لآخرته كأنه يموت غداً.
والأعمار بيد الله..!
ما أولويّاتُكَ لو أصبحتَ رئيساً في بلدٍ مُتحضّرٍ ؟
[post-views]
نشر في: 4 يونيو, 2016: 06:35 م