الثلاثاء، 15 إبريل 2025

℃ 26
الرئيسية > أعمدة واراء > نصب الجبايش

نصب الجبايش

نشر في: 31 أكتوبر, 2012: 11:00 م

ما أسعد أهل الجبايش والمناطق المحيطة بها ! وما أهنأ عيشهم ! وما أرقى حياتهم! وما أرغد مستقبلهم! فبينما يشقى سائر العراقيين  في مختلف مدنهم وبلداتهم وقراهم وبواديهم مرة بسبب الكهرباء وأخرى بفعل البطالة والفقر وغيرها تحت وطأة الفساد الإداري والمالي ورابعة من سوء الخدمات الصحية والتربوية والبلدية، أنعمت دولتنا على أهل الجبايش بنصب كبير  للشهداء ومهبط لطائرات الهليكوبتر!

بكل فخر احتشد منذ أيام في الجبايش المسؤولون في محافظة ذي قار مع وزير الدولة لشؤون الأهوار ورئيس مؤسسة الشهداء ليشهدوا افتتاح نصب الشهداء الذي بلغت كلفته 23 مليار دينار (20 مليون دولار أميركي) فقط لا غير!! وهو مبلغ انتفعت بجزء معتبر منه شركة تركية ومعها دزينة في الأقل من المسؤولين الفاسدين إدارياً ومالياً.

ربما استبشر أهالي الجبايش بالحدث وهم يُساقون الى مكان الاحتفال، وفكّروا ان هذا النصب ومهبط الطائرات فاتحة لتدفق الخير العميم عليهم،  فلابدّ بعد النصب ومهبط الطائرات ستأتي الحصة التموينية الفاخرة  والكهرباء التي لا تنقطع 15 أو 16 ساعة في اليوم والماء الصالح للشرب والأطباء والأدوية والمستوصفات والمدارس الحديثة والوظائف ودور السكن العصرية والطرق المبلطة ووسائط النقل العام متدنية الأجور والمعدات والآليات اللازمة للزراعة الحديثة الكثيفة ولتنمية الثروة الحيوانية وسواها مما تفتقر اليه الجبايش وكل أرياف العراق. لكن أهل الجبايش ما لبثوا، بعد انفضاض الاحتفال، أن أدركوا انهم كانوا من المُغفلين أو الحالمين في أحسن الأحوال، فالذين حضروا من المسؤولين انما لزوم التصوير فحسب.

لن يبتزنا الذين كانوا وراء النصب ومهبط الطائرات، فكرة وتنفيذاً، بالقول ان القضية تخصّ مناضلين قدموا حياتهم من أجل حرية الشعب وكرامة الوطن، فأولئك المناضلون لم يستشهدوا من أجل نصب ومهبط طائرات يفتتحهما ويحشد الناس للاحتفال بهما موظفون نصفهم في الأقل فسدة وانتهازيون لا شأن لهم ولا علاقة بالنضال والمناضلين والشهادة والشهداء.

لن يبتزونا، فالشهداء كانوا يسعون الى وضع حد للحروب والخراب، والى ان يتمتع العراقيون بخيرات بلادهم في ظل الحرية والديمقراطية .. لم يبذلوا أرواحهم ودماءهم حتى يبقى أهل الجبايش وسائر المدن والبلدات والقرى على فقرهم المزمن وتخلفهم المتوارث يكابدون الجوع والمرض ونقص الخدمات الأساسية بعد عشر سنوات من اسقاط نظام صدام وفي دولة يزيد دخلها السنوي من النفط وحده عن 100 مليار دولار.

كان سيكون أكبر تقدير للشهداء وأعظم تمجيد لمآثرهم البطولية لو أنفقت الثلاثة وعشرون مليار دينار على بناء مستوصفات ومدارس وشق طرق في الجبايش وحواليها تجعل حياة ابناء الشهداء وذويهم الآخرين أهنأ، فهذا بالذات ما ناضل من أجله المناضلون واستشهدوا.

لم يرتفع نصب الجبايش ولم ينبسط مهبط طائرات الهليكوبتر من أجل الشهداء، بل في سبيل أن يصبح الفاسدون أكثر فساداً .. هذا هو المردود الوحيد بالتأكيد لما حصل في الجبايش منذ أيام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. هاني

    لا تبنى اي مشاريع بدون فائدة قصوى للفاسدين والا ستكون من المشاريع الغير منفذة مع التحيات

يحدث الآن

تقلبات جوية متسارعة في العراق ابتداء من الليلة

النزاهة: إعادة أكثر من مليار و300 مليون دينار إلى خزينة الدولار

بعد 80 عاماً على تواجده الأول.. البنك العربي يعود إلى بغداد

جهاز مكافحة الإرهاب يعلن القبض على "والي الأنبار"

السجن 15 عاماً لأبرز متظاهري تشرين في ذي قار بتهمة القتل

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

من يونيتاد الى المحكمة الجنائية الدولية..العدالة الدولية تحت المطرقة

سيكولوجية تجنيد العقول في الجماعات الارهابية الدينية

هلال العيد.. جدل متجدد بين الفقه والعلم وثقافة الاختلاف

قناطر: العالم يتوحش .. المخالبُ في لحمنا

العمود الثامن: قوات سحل الشعب

العمود الثامن: روسو يتطلع إلى بغداد

 علي حسين ظلّ الكتاب والمفكرون يضربون أخماساً بأسداس وهم يحاولون وضع تصور للدولة العادلة، لم يوفق أفلاطون في حل اللغز حتى وهو يخصص للموضوع كتابا بعنوان "الجمهورية" تاركا المهمة لتلميذه النجيب أرسطو الذي...
علي حسين

قناديل: مقالةٌ عن المقالة !!

 لطفية الدليمي لِما يزيدُ عن الخمس عشرة سنة وأنا مواظبةٌ على كتابة مقالة أسبوعية في (المدى). اليوم سأروي بعضاً من مسرّات وشجون كتابة المقالة. حتى عام 2009 كنتُ أكتبُ مقالاتٍ متفرّقة في موضوعات...
لطفية الدليمي

قناطر: أغنيةُ أبي

طالب عبد العزيز حزينٌ، لأنني ما زلتُ ألتذُّ بسماع الموسيقى القديمة، وأقرأُ الاجملَ في كتبي القديمة، وأشاهد الأفضل من الأفلام القديمة، وأتذكرُ الاحسنَ المتحضرَ من الأمكنة؛ والمدن القديمة، وحزينٌ جداً لأنَّ النظام السياسي –الديني-...
طالب عبد العزيز

العدالة الدولية تحت المطرقة (الجزء- 2)

حسن الجنابي انتقل القاضي الدولي كريم خان في عام 2021 الى منصب رفيع آخر هو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، وسيستمر في المنصب لمدة تسعة أعوام أي حتى عام 2030. وواضح أن الرجل...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram