TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أن تكون حداثياً اليوم، هل يجب أن تكون "نيوليبرالياً"؟

أن تكون حداثياً اليوم، هل يجب أن تكون "نيوليبرالياً"؟

نشر في: 2 نوفمبر, 2012: 05:02 م

أن تكون حداثياً اليوم، أن تكون مثقفاً رصيناً، أن تكون كاتباً لقصيدة النثر إذا شئنا، أن تكون طليعياً ومجدّداً ومعاصراً ومنهمكا بشجون العالم، هل يُوْجب أن تحذو حذو الليبراليين الجدد؟. وأنت ترى إلى "محور [واحد] للشر" كما يقترح المحافظون الأمريكيون، وأنت تخلط بين التحرر الوطنيّ والحرية والكرامة الشعبية من جهة، والعناق الغراميّ مع الرجعية الرثة المزوّدة اليوم بقناع جديد من جهة أخرى، أن تذمّ الطغاة متجاهلاً شرّاً آخر لعله المثيل النموذجيّ لهم بحجة التخلص منهم أولاً (هذا ما وقع في العراق ولم تُستخلص العِبَر العربية بعد منه)، أنْ تكون تلفيقياً إلى درجة القبول بالإخوان المسلمين هنا ورفضهم هناك، أنْ تمتدح "القاعدة" هنا من دون أن تُعلِن صُراحاً، ولا تقبلها هناك بضجيج عالٍ، أنْ تتماهى مع المشروع الطائفيّ، لصالح جهة وحيدة من حيث تزعم أنك تقف بمواجهته كله بصرامة، أنْ تحبّ البعث العراقي بالأمس وتكره اليوم البعث السوري (أو بالعكس) في حين أنهما خرجا من طينةٍ فاسدةٍ واحدة، أنْ يكون مصير النوويّ الإيرانيّ وحده شغلك الشاغل وليس النوويّ (الكوريّ!)، أنْ تنهمك بمشاهدة الفضائيات الكبرى منجرفاً دون عقل نقديّ مع أخضرها ويابسها، أن ترضى عملياً بمحتلّي القدس (على أساس أنكَ علمانيّ لا يهتم بالجغرافيات المقدَّسة) بينما تجد أن دولةً مجاورةً أخرى تمثل شراً استثنائيا مطبقاً دون فارق واحد بين الأمرين (مثلك مثل النائب الكويتي وليد الطباطبائي تماماً)، أنْ ترفض الإسلام السياسيّ هنا وتقبله هناك، أنْ لا ترى إلا تفاصيل محدّدة صغيرة مما يجري في الخارطة العربية الكبيرة والعالمية، أنْ تزعم أنه لا يمكن استشراف مستقبل اللحظة الراهنة وتدعو أن تجري الأمور في قدرها المقدّر (هذا يتعارض مع البصيرة التي نتوسّمهما في مثقف طليعيّ مثلك)، أنْ تقف مع ثورة شعب عربيّ هنا بكل ما أوتيتَ من قوة بينما تصمت بشكل مريب عن ثورة شعب عربيّ آخر هناك، أنْ تتوقف عن فعل الممانعة المتوهّج حتى لو وقع ابتذالٌ ورُخص في استخدامه (ساهمتَ أنت نفسك فيه)، بحيث يُراد أن يصير رديفاً للجرب والطاعون، وأن يُستبدل بـمشروع"الرضا" (بماذا؟)، أنْ "تشيطن" أعداءك بطريقة السياسيّ الفاسد المحنك وليس بأسلوب الشاعر الطليعيّ المرهف، أنْ تتماهى حرفياً مع طروحات سمير جعجع بشأن المسألة اللبنانية، وفرضيات الأحزاب الدينية في العراق (على أساس المنفعة البرغماتيكية)، أنْ يصير هجاء  "حماس" و"حزب الله" و"اليسار العربي" على التناوب ديدنك لأنهما ليسا، حسب الرواية النيولييرالية السائدة بطبعتها العربية، على وئام مع رؤيتها للعالم، ألسنا هنا في قلب "الأيديولوجيا السياسية" الواحدة التي تسعى للتغلغل عميقاً في المجتمع، المستلهمة من نيوليبرالية ذات أصول فاضحة. ماذا سنعدّد أكثر من ذلك من مظاهر صريحة بشأن "نيوليبرالية" صارت تتغلغل ببطء في الثقافة العربية الحديثة؟. الكثير.

لايظننّ أحد أننا نقف مع شرور الطغاة، ولا مع الأحزاب الدينية ولا مع هذا البلد الإقليميّ أو ذاك. لا مع أمراء الطوائف في العراق وغيره، ولا مع أيديولوجية المتديّنين المسيّسين في تونس ومصر والأردن ولبنان.. الخ، وليست دعوة للقفز على الوقائع والضرورات. إننا نلمّح، بأكبر قدر ممكن من الوضوح والمجازفة، إلى أطرافٍ من المأزق الذي يجد "المثقف الطليعيّ" نفسه فيه. إن أعظم حذاقة لا يمكنها إخفاء "نيوليبرالية جديدة" سائدة تتماهي جوهرياً مع رؤية ميتافيزيقية وأحادية للتاريخ والعالم، بلبوس حداثيّ وطليعيّ. رؤية مخفيّة ببراعةٍ تحت ركام لغويّ بديع، يسعى لطمر العقل المفكّر ونسيان الفُوَيْرقات والفوارق وتجاهل لحظات الصراع الكبرى الواضحة في المنطقة ثم محو المسافة العظيمة بين اللاعبين الكبار المختلفين جذرياً في هذه اللحظات عينها، رؤية تتغلغل في أفكار مثقفين نتوسّم فيهم البصيرة والمعرفة والحدس، والنظر في عمق تفاصيل وتناقضات "المأساة الإغريقية" الثقافية في عالمنا العربيّ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: بروتوكولات مقهى ريش

العمود الثامن: جيوب نظيفة!!

العمود الثامن: الفشل بامتياز

قناطر: كسل وغباء "رأس المال" العراقي

الديمقراطية..لا تصلح لشعب يحكمه فاسدون

العمود الثامن: القاهرة واستذكار بغداد

 علي حسين تقيم معظم البلدان متاحف لفنونها وحضارتها، ومتاحف اخرى تحتفظ فيها بكنوز الفن العالمي، لكي تذكّر الأجيال القادمة بالذين نثروا ألوانهم وأقاموا النصب المرمرية، لأن الذاكرة البشرية بحاجة إلى تذكّر ان التاريخ...
علي حسين

كلاكيت: عدي رشيد في «أناشيد آدم» سعي للنهوض بوعي المتلقي من أجل إثارة الأسئلة

 علاء المفرجي تأريخ السينما العراقية طويلا قياسا الى مثيلاتها باقي شعوب المنطقة، فالسينما العراقية لم تبدأ بالإنتاج إلا في منتصف الأربعينيات، ولم يكن الإنتاج الأول، إلا انتاجا مشتركا مع مصر، ولم تستطع منذ...
علاء المفرجي

المنظومة السلطوية في العراق والتغيير المطلوب

د. كاظم المقدادي (2-2)التغيير الجذري ضرورة اًنية وملحةمطلب التغيير الجذري والشامل للمنظومة السلطوية في العراق، الهادف لأقامة الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الإجتماعية،الضامنة للحياة الحرة الكريمة والمستقبل الأفضل لكافة أبناء وبات شعبنا، دون...
د. كاظم المقدادي

الشُّعوبيَة والشّعبويَّة.. لكلٍّ زمنه

رشيد الخيون يعيد اِصطلاح "الشَّعبوبيَّة" اليوم إلى الأذهان الحركة "الشُّعوبيَّة" في الأمس البعيد، مع أنَّ كلاً له زمنه ودلالته، كلاهما منحوتان مِن "الشَّعب" و"الشُّعوب". نَعتَ البعضُ بالشَّعبويَّة الرئيسَ الأميركيّ دونالد ترامب، في حملته الانتخابيّة...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram