يؤكد الدكتور والناقد علي حسين يوسف من أن يكون الإنسان مثقفا، فهو أمر ليس بالهين لأن الثقافةُ ليست موهبة فطرية متأصلة ولا يمكن للثقافة أن تكون عبثية في زمن الحاجة إلى إصلاح الإنسان كون المثقف من يتميز بالحكمة والقدرة على الحوار والاقناع وسرعة البديهة.
يؤكد الدكتور والناقد علي حسين يوسف من أن يكون الإنسان مثقفا، فهو أمر ليس بالهين لأن الثقافةُ ليست موهبة فطرية متأصلة ولا يمكن للثقافة أن تكون عبثية في زمن الحاجة إلى إصلاح الإنسان كون المثقف من يتميز بالحكمة والقدرة على الحوار والاقناع وسرعة البديهة.
ويأتي طرح الدكتور يوسف من خلال محاضرة ألقاها في الملتقى الفلسفي والتي حملت عنوان (كيفَ يؤدي المثقفُ رسالَتهُ , نحوَ فهمٍ فلسفي للاشتراطاتِ الواقعيةِ) والتي قدمها فيه الدكتور سليم جوهر الذي أكد ان المحاضر ليس ببعيد عن توصيف المثقف وليست المحاضرة بعيدة عن أهميتها الفلسفية لان الارتباط بين الحالتين الثقافة والفلسفة يؤدي الى فهم أوثق للماهية التي تنطلق منها الحجج وخاصة كما يقول الدكتور سليم ان واجب المثقف في الراهن العراقي يحتاج الى تفعيل أكثر ليأخذ دوره المنطقي والعقلاني ليفرق بين التعصب والسائد ويعطي ملمح الاقتراب من الدين والوطن بعيدا عن التردي الذي افرزته الظروف.
الدكتور يوسف بدأ محاضرته بقوله "ان هشاشةُ الواقع ومتاعبه لا يمكن أن تكون مسوغا لانزواء المثقف في الركنِ البعيد من غرفة الراهن المحتدمِ , فهذه حجة تأخذ بالسطحِ دون الأعماق وهي ذاتها التي أبعدت المتدين الحقيقي عن دينه بحجة تهاوي منطق الأحزاب الدينية وزيف رجالاتها وذاتها التي أبعدت المثقف عن مسؤولياته بحجة تردي السائد الثقافي، فهذه كلها حسابات بحاجة الى تروّ، فالمثقف الحقيقي هو من يُعنى بالأشياء بعيدا عما يعرض لها من تشوهات"..واضاف "أنْ يكون الإنسان مثقفا فهو أمر ليس بالهين , فالثقافة ليست موهبة فطرية متأصلة ولا منحة توهب مجانا، إنها جهد واع مكتسب وعمل لا يتأتى لمن يروْن في الراحةِ مكسبا , والثقافةُ كما يرى هي أولا مسؤوليةٌ تجاه الذات وثانيا تجاه الآخر وبهذا فهي مسألةٌ لا يمكن التفريطُ بها".. ويضيف انه "لا بد أن توجه لخدمة الصالح العام بقدر توجيهها لخدمة الصالحِ الفردي وبما لا يخالف حريةَ المثقف أو يحد من خياراته , فلا يمكن للثقافة أن تكون عبثية في زمنِ الحاجة إلى إصلاح الإنسان أو إعادة بنائهِ في زمنِ حاجةِ الوطنِ للمثقف ناهيك عن أي وقتٍ آخر"..ويشير الى "ان العبث لمْ يخلق يوما حضارة ولم يبنِ مدنا أو يعمر أرضا أو يردع غطرسة معتد"، ويرى ان الثقافة شعور بمسؤولية الارتباط بالمكانِ والزمان والناس وبحثٌ عن جماليات فِعل المشاركةِ الجمعية , فلا يمكن لها أبدا أنْ تتخلى عن متطلبات الراهن الزماني الذي أنتجها..ويبين الدكتور يوسف ان من أهم معانيها الانتماء إلى قضايا الوطن فليست سبّة أن تكون الثقافة منحازة للوطن وليس بِدعاً أن يكون المثقف وطنياً.. ويطرح تساؤلا مفاده.. من هو المثقف ؟ ويجيب ان المثقف هو من يصنع الغذاء الروحي للآخرين وهو من يشعر بإنسانيته وانتمائه للإنسانية وهو من يؤمن بأن ما يمتلكه شيء مكتسب وليس موهبة فالثقافة يجب أن تفهم على أنها من صنع الإنسان وهي خاصته فقط والمثقف من يعي شروط انتقال الثقافة وانتشارها عن طريق عقلانية التعليم وموضوعيته ووضوح اللغة وتوظيف وسائل الاتصال بقصد وارادة، والمثقف لا بد هو ذاك الشخص الذي يؤمن بالتغيير والنمو والتجديد والتطور والتراكم.. ويمضي في إجابته التعريفية انه ،أي المثقف، تربوي فالثقافة تعتمد على وسائل تربوية متطورة يكون الهدف الأسمى منها نشر الثقافة وتعزيزها وبقائها والمثقف يمتلك ذوقا رفيعا في التعامل مع الأشياء ..وكذلك يجيب انه من يتميز بالحكمة والقدرة على الحوار والاقناع وسرعة البديهة وطول النفس ورجاحة العقل، والعاقل على الضد من الجاهل يتعلم دائما وينتفع دائما ويأتي بقول للإمام علي عليه السلام ( الجاهل لا يرتدع وبالمواعظ لا ينتفع) والمثقف هو الإنسان العاقل.. ويطرح سؤالا آخر: لكن من هو العاقل ؟ ويجيب بقول للامام علي عليه السلام(مَن لَم يُهَذِّب نَفسَهُ لَم يَنتَفِع بِالعَقلِ" نهج البلاغه، خطبه 184. وقال : اِحْتَمِلْ ما يَمُرُّ عَلَيْكَ فَاِنَّ الاِحْتِمالَ سِتْرُ الْعُيوبِ وَاِنَّ الْعاقِلَ نِصْفُهُ اِحْتِمالٌ وَ نِصْفُهُ تَغافُلٌ" وكذلك قوله (ع) ( اَلا وَ اِنَّ اللَّبيبَ مَنِ اسْتَقْبَلَ وُجوهَ الآراءِ بِفِكْرٍ صائِبٍ وَ نَظَرٍ فِى الْعَواقِبِ" وأيضا (اَعْقَلُ النّاسِ مَنْ غَلَبَ جِدُّهُ هَزْلَهُ وَاسْتَظْهَرَ على هَواهُ بِعَقْلِهِ" ) فضلا عن قوله (لا غِنَى كالعَقلِ، ولا فَقرَ كالجَهلِ، ولا ميراثَ كالاَدَب ولا ظَهيرَ كالمُشاوَرَه.)