في البدء، وقبل خرائط نيتفليكس وغوغل بوقت طويل، لم يكن لدى أسلافنا القدماء غير السماء، والشمس، والقمر، والنجوم، ما يرشدهم، ويبهرهم، ويُشعرهم بالقهر أيضاً. وبطبيعة الحال، والأديان قد بدأت تتشكل، كان أول مكان عليهم التطلع نحوه هو الأعلى، لأن ذلك هو بالت
في البدء، وقبل خرائط نيتفليكس وغوغل بوقت طويل، لم يكن لدى أسلافنا القدماء غير السماء، والشمس، والقمر، والنجوم، ما يرشدهم، ويبهرهم، ويُشعرهم بالقهر أيضاً. وبطبيعة الحال، والأديان قد بدأت تتشكل، كان أول مكان عليهم التطلع نحوه هو الأعلى، لأن ذلك هو بالتأكيد المكان الذي تسكنه الآلهة، صحيح؟ وقد تحول ذلك التوق لفهم السماء، على نحوٍ أفضل، إلى دراسة للنماذج السماوية والأدوات التي تجعلها أقرب للرؤية، كما يقول كاتب المقال مارك تومسون.
وبنفس الطريقة التي حاول الرجال المقدسون تفسير فحوى العوالم والكائنات بها، نجد معرض "الكون والفن"، الذي أقيم حتى 9 كانون الثاني 2017 في متحف على ارتفاع 53 طابقاً فوق طوكيو، يسعى طامحاً لما يمكنه أن يقول عن ذلك، وعن تطور فهم الجنس البشري للكون. وبالرغم من ثروة المعرفة التي راكمها العلماء على مر القرون والظهور المستمر للاكتشافات الجديدة التي تتحدى ما اعتقدنا بأننا نعرفه، ما تزال هناك في الأعلى وفرة من المادة السوداء المجهولة التي تشعل خيالات الفيزيائيين، والفنانين بل ومجرد البشر العاديين.
ولنأخذ عام 2016، حين تم قلب خرائط أبراجٍ تليدة وأعلن البليونير أيلون موسك عن عزمه استيطان المريخ. وأثارت "كرة النار" الخضراء، في تشرين الثاني الحالي بالضبط، إعجاب الناس في نيغاتا، وكشفت ناسا الستار عن أعظم تيليسكوب فضائي، واعدةً حتى بأكبر إدراك لما هناك في الفضاء الخارجي. ولقد بلغنا هذا الشأو، لكن ذلك مع هذا مجرد طرفة عين في السنوات الضوئية.
يبدأ معرض "الكون والفن" النفيس بالمنتجات اليدوية في فترة مبكرة من علم الفلك وينتهي بنظرة متشوفة إلى آفاق استكشاف الفضاء مستقبلاً. مع هذا لنكن حذرين: ذلك أن هذا لن يكون رحلة طولية عبر الزمان والمكان. فقد اختيرت الأعمال لتلائم الموضوعات المتنوعة لكن يجب القيام بوثبات ذهنية. فإلى جنب سيف نادر اقتُطع في عام 1898 من نيزك هناك أعمال معاصرة للورينت غراسو، الذي يصور فيها مواجهات تاريخية متخيلة مع مخلوقات من خارج الأرض. وعلى غرار ذلك، هناك قريباً من فترة أيدوEdo (1603 ــ 1868) صورة مطبوعة تبدو فيها سفينة مجوفة على شكل وعاء تحمل أحرفاً غريبة تنشئ منتجات فنية مزيفة مرتبطة بالصحن الطائر.
ويتضمن القسم الأول من أقسام المعرض الأربعة التصور البوذي لـ "السماء" في الرموز الدينية التبتية، والنيبالية، واليابانية للممالك السماوية، إلى جنب الخطوات الطفولية الأولى لعلم الفضاء الحديث. وهناك إلى جوار أعمال شهيرة، مثل إعادة إنتاج لتيليسكوب غاليلو وصفحة من "مخطوطة مانتيكوس" لليوناردو دا فينشي، منتجات فنية يدوية من الرصد الياباني للنجوم تتضمن تيليسكوباً نحاسياً لكونيتومو إيكانساي (1778 ــ1840). كما يمكن للمشاهدين أن ينغمروا في "الضجيج اللامع Brilliant Noise" (200)، وهو تركيب سينمائي يصور سيمفونية عنيفة من العواصف الشمسية.
والجانب المعاكس هنا مساعينا الخطرة لقهر الحد النهائي، كما يُرى في تصوير جولز دي بالينكورت للفضاء كمكان لنفاية ما بين الكواكب وللتسابق الدولي من أجل استثمارات المستقبل. وبالمثل، فإن موازنة صور أكثر وهماً ــ كتخيلات كتب الخمسينيات الهزلية عن أهل المريخ وأهل الزهرة، أو يرقات الفضاء المثيرة للفضول ــ تتمثل في عمل توم ساك عام 2003 " الزاحف The Crawler"، وهو نموذج كبير لمكوك تشالنجر افضائي، الذي انفجر بعد انطلاقه بـ 73 ثانية عام 1986.
وأخيراً، فإن هذا المعرض، الذي يقتفي مسار معرض "الطب والفن" العتيد الذي أقيم في موري قبل سبع سنوات، يقوم بعمل مثير للإعجاب في اجتيازه للحدود القائمة ما بين التاريخ والفنون البصرية. ويمكن لهذه المجموعة الاتفاقية ظاهرياً من الفن والمنتجات اليدوية أن تصبح تمهيداً لرحلة يقوم بها العقل؛ أما ما تود أن تقطعه من مسافات في هذه الرحلة فأمر عائد لك!
عن: The Japan times
