عبد الستار البيضاني: ماتزال مأساة الحرب ترافق جيل الثمانينات
مسيرة طويلة منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن، تشظت بين سطور الصحف، صفحات المجلات، وبين أدبٍ رقراق خاطب من خلاله عقولا ماتزال قيد اكتشاف ما حولها، لكنه استطاع أن يترك أثراً واضحا
عبد الستار البيضاني: ماتزال مأساة الحرب ترافق جيل الثمانينات
مسيرة طويلة منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن، تشظت بين سطور الصحف، صفحات المجلات، وبين أدبٍ رقراق خاطب من خلاله عقولا ماتزال قيد اكتشاف ما حولها، لكنه استطاع أن يترك أثراً واضحاً من خلال ما قدمه من قصص، وكتب وموضوعات مختصة في مجال "أدب الطفولة".
ولم يكتفِ باهتمامه بموضوعات الطفولة في الأدب، بل يفاجئنا بمجاميع قصصية وروايات عُنيب بموضوعات اجتماعية وعشقية، إضافة الى موضوعات الحروب التي انحدر هو ومن معه من ابناء جيله منها، وتلظى بمآسيها، إلا أننا نجده قد كان متحفظاً فيما كتبه عن الحروب، حتى سنحت له الفرصة لأن يقول ما لم يستطع قوله في فترةٍ ما، الكاتب والناقد ورئيس تحرير مجلتي، ومجلة الاقلام عبد الستار البيضاني في ضيافة " المدى" للحديث عن منجزه الشخصي، وعن موضوعات أدب الطفولة، ومدى الاهتمام بهذا الادب وهذه الثقافة، وليحدثنا أيضاً عن قدرته على التنسيق بين المجال الصحفي، والاداري، وبين عطائه الابداعي:
* مال الذي تبقى من جيل الثمانينات، لا أعني الاسماء ولكن الفعل للأثر الإبداعي ؟
- جيل الثمانينات هو ذائقة الحرب من خلال عدد من النصوص الابداعية وخاصة القصة القصيرة والرواية، حيث تزامن ظهوره مع الحرب العراقية الايرانية التي أثرت فيه كثيراً، فقد هيمن السرد الثمانيني الذي وظف للحرب على النسق الثقافي في العراق وتعرض هذا الجيل إلى محنة الحرب وكذلك محنة توظيف الادب والقصة العراقية من الطابع الفني لصالح الحرب، لهذا كانت هناك مهمة شاقة امام النقاد رغم ظهور بعض الاسماء التي حققت بصمة فنية بجيل الثمانيات، ولاتزال هذه الاسماء مستمرة حتى الآن، لسوء الحظ بعد الثمانيات جاء الحصار وأدى لتراجع الاقتصاد العراقي ما أثر على امكانية النشر، ويعدّ هذا الجيل اخر جيل في التعقيب الزمني، ونقصد أنه اخر جيل تعقبه النقاد ثقافيا وادبيا وفنيا "جيل الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات". بعد هذا الجيل لم يتمكن النقد من تعقب اية فترة زمنية للادب العراقي ، ورغم محاولات الاشارة الى جيل التسعينات إلا أن الظروف لم تساعد، وخاصة بسبب تقلص مساحات النشر في الصحف واعداد المطبوعات على عكس ما شهده جيل الثمانيات.
* أنتم من جيل تلظى بالحروب ومآسيها، هل تعتقد أن الابداع الثمانيني استطاع أن يختصر هذه المأساة؟
- مازالت هذه المآساة مؤثرة في النتاج الثمانيني، ففي فترة النظام السابق وبسبب الحالة التعبوية لم يستطع هذا الجيل قول ما يريد، فأنا شخصيا وفي عام 2016 فقط استطعت أن انشر مجموعتي "مسلات" وهي مجموعة حرب كاملة ولأول مرة انشر قصة حرب كاملة، ولم اشترك في مسابقات سابقة ولم اشارك في أي نشاط، وعدد ما نشرته عن الحرب في تلك السنوات لم يتجاوز اصابع اليد الواحدة وذلك لأننا لانستطيع قول كل شيء، وذلك بسبب التأثير على البنية الاجتماعية ونفسية الفرد، وأشرت في مسلات إلى أن الحرب حالة وليست تاريخا، وأشرت في مسلات إلى أن هنالك من أرخ لهذه الحرب، وهنالك من ناقشوا الخفايا الاجتماعية وتأثير الحرب على الواقع الاجتماعي.
* ما سبب انعدام أو قلة اصدار المجلات وكتب الاطفال عدا البعض التي تعود إلى المؤسسات الثقافية الحكومية؟
- على العكس، الآن نشهد ظهور مؤسسات تهتم بمجال ادب الاطفال أكثر من السابق، فكان سابقا صدور مثل هكذا كتب او مجلات حكراً على دار ثقافة الاطفال، الآن ظهرت مؤسسات عديدة خاصة ذات الطابع الديني، مثل تلك التي تصدرها العتبتان الحسينية والكاظمية وغيرها، كما ظهرت مؤسسات ذات جهد شخصي غير دينية وخاصة بعد أن أصبح من السهل التواصل مع دار طبع خارجية، وسهولة الاتصال بهم وارسال المجاميع المراد طبعها عبر الانترنت، وهذا مقابل غياب وتراجع كبير في دار ثقافة الاطفال واصداراتها كماً ونوعاً، بحيث تشهد هذه الدار تراجعا بسبب قلة التخصيصات المالية.
* لماذا لم يظهر جيل جديد من كتاب، او رسامي ادب وثقافة الطفل؟ هل السبب يُعلق على ميل الشباب البعيد عن هذا المجال؟ ام بسبب عدم اهتمام المؤسسات الثقافية الحكومية في إنشاء ورش ودورات تهتم بهذه الثقافة وفي تطويرها؟
- في اي مجال ابداعي هنالك عوامل معروفة لظهور جيل، واهم العوامل هو توفر مناخ ابداعي والمقصود به وجود اهتمام جماعي من قبل المؤسسات الثقافية، فحين يأتي شاب لديه امكانية في مجال ثقافة الطفل ويجد أمامه رموزا تنتج وتنشر، فبالتأكيد هنا ستتحفز موهبته ويعمل على تطويرها، ونجد تطورا بوعيه او بنصائح الجيل الذي يرافقه، غياب النشر في هذه المؤسسات أدى بدوره الى عدم ظهور هذه الاسماء الجديدة رغم تواجدها، ولكن عدم وجود لوامس استمرارية في نتاج ادب الاطفال لهذا نشهد هذا التراجع، فنحن على سبيل المثال بحاجة الى رسامي اطفال، ومهتمين بهذا الادب ولكن الظرف الاقتصادي لا يسمح خاصة بعد ظهور التقنيات الجديدة في الرسم، ونضيف هذا إلى الظرف العام أي تشتت اهتمامات الشباب، أما بالنسبة للدورات التطويرية للمختصين بجانب ادب الاطفال فهي موجودة ومستمرة رغم انها دون المستوى المطلوب ولكن ما فائدة هذه الدورات دون وجود نتاج ثقافي، فثقافة الطفل الان مرتبطة بالتقنيات الحديثة التي نفتقر لها نحن، حتى الرسم اليدوي اختفى، وظهر الرسم على آلة الكومبيوتر، فسابقا كان الفنان يتميز بقدرته على التلوين وتميز خطوطه اما الان فأصبح بالإمكان رسم اية لوحة من خلال برامج معينة وهذا أمر كافٍ لقتل التميز، وهذا واحد من الاسباب التي ادت لعدم ظهور الشباب بملامح مميزة تجعلهم يتنافسون في المجال الادبي والفني المختص بثقافة الطفل.
* لماذا لا يسلط الضوء النقد الادبي اليوم على ثقافة الاطفال؟
- في الحقيقة حتى في العصر الذهبي الذي كان فيه ادب الاطفال صاعدا ليست هنالك تخصصات دقيقة لنقد ادب الاطفال عدا ما تم تناوله في البحوث والدراسات، والحلقات الدراسية والندوات، فكنت مسؤول صفحة ثقافية من عام 1986 والى 2003 ونادرا ما صادف ان يأتيني مقال نقدي او دراسة عن ادب الطفل، ومجلات ادب الطفل تهتم بالجانب التثقيفي والجمالي لموضوعات الاطفال اكثر من اهتمامها بالنقد، وهي محقة لان الطفل غير معني بهذه التشخيصات النقدية لأدب الطفل بقدر انشغالة بالجانب الجمالي والقصصي في الموضوعات، باستثناء ما يقدم من نقد في البحوث والكتب وبالرغم من وجود اسماء مهمة لنقاد ادب الاطفال.
* لماذا لا يطالب الأدباء والمثقفون والفنانون بالنهوض بأدب وثقافة وبرامج الطفل، كما يطالبون بالنهوض بالفنون والآداب الاخرى؟
- بشكل عام في العراق لا ننظر الى ادب الاطفال كما يستحق، فلدينا كتاب كبار في ادب الطفل ولكنهم غير معروفين كما يعرف كتاب اخرون مختصون في كتابة روايات الناضجين حتى وان كانت امكانياتهم دون امكانيات كتاب ادب الاطفال، على سبيل المثال نحن نعرف الكاتب عبد الرزاق المطلبي وهو كاتب روائي للكبار ولكنه لديه عشرات من قصص وروايات الاطفال التي لم نعرفها ولم يسلط الضوء عليها، وكذلك نحن لانعرف شعراء الاطفال، ومن هم كتاب الاطفال العراقيين الذين حصلوا على جوائز دولية مهمة، وهذا يعود إلى ان الطفل وحده يقرأ ادب الاطفال ونحن لانقرأ هذا الادب، وهذه مشكلة كبيرة، لهذا لا نجد مجالات واسعة في المشهد الثقافي يختص بالاهتمام بأدب الطفل، فأنا كرئيس تحرير مجلة الاقلام، لأول مرة انشر مقالة تخص دراسة حول ادب الطفل ولقد تعرضت للكثير من النقد من قبل الكثيرين، ولم ينظروا بعين الرضا لذلك لأنهم يعدون مجلة الاقلام للكبار، وحتى انهم لاينظرون لدراسات وبحوث ادب الاطفال بعين الجد وهذه محنة كبيرة ونظرة خاطئة لأن التأسيس لأدب الطفل هو تأسيس لمستقبل الطفل، ولكننا لاننظر له كأدب فاعل كما هو النظر لأدب الكبار، وهذا عكس ما في دول اخرى فحين زرت معرض الشارقة للكتب وجدت أن زاوية ادب الاطفال وكتب الاطفال كانت أكبر واهم زاوية في المعرض وكانوا مهتمين بها بشكل كبير .
* هل تعتقد ان انشغالك في رئاسة تحرير مجلتي قد صرفك عن الابداع القصصي؟
- بالتأكيد ، فهنالك مقولة شهيرة تقول ان "الصحافة مقبرة الادباء" وخصوصا في عملي بظروف غير مريحة من حيث قلة الادوات، والكادر والتخصيصات، أيضاً ثقل الوظيفة الادارية اضافة الى ان العمل الصحفي يفاقم التأثير على القدرة الابداعية، فقبل تحملي المسؤولية الادارية كنت استطيع الاستمتاع بالاستراحات وانشغالي بتاليف نص ادبي بدلا من انشغالي بإصدار عدد، وكيفية توفير مواد للعدد، ولكن رغم ذلك احاول محو تلك الفجوة من خلال استمراري بإصدار نتاج من خلال المتابعة والكتابة.