TOP

جريدة المدى > عام > الفنان التشكيلي أديب مكي: أحاول المزج بين الواقعية والعناصر الزخرفية في أعمالي

الفنان التشكيلي أديب مكي: أحاول المزج بين الواقعية والعناصر الزخرفية في أعمالي

نشر في: 13 مارس, 2017: 12:01 ص

عند متابعة لوحاته، سوف يحتار المُتلقي ما إذا كانت اللوحة تعكس الفنان، أم أن الفنان يعكس لوحته، فقد امتزج في فنه وباتت روحه حاضرة بين امتزاج اللون، والتنقل خلال الخطوات، والخطوط التي يضعها، يُغادره الخجل في تجسيد كل ما يشعر به على اللوحة، فهو لا يهتم

عند متابعة لوحاته، سوف يحتار المُتلقي ما إذا كانت اللوحة تعكس الفنان، أم أن الفنان يعكس لوحته، فقد امتزج في فنه وباتت روحه حاضرة بين امتزاج اللون، والتنقل خلال الخطوات، والخطوط التي يضعها، يُغادره الخجل في تجسيد كل ما يشعر به على اللوحة، فهو لا يهتم بما سيُقال عن رسوماته، لأنه يرسم للمتعة والجمال، ويعشق حضور اللون، يعشق صراحته، ويبتعد عن تواريه الخجل خلف ألوانٍ أخرى.

لا يمكننا أن ننكر أنه قدم الكثير من الأعمال، ولكن.. كان مزاجياً كسولاً " كما اعترف هو لنا" في تقديمه لتلك الأعمال، ويبدو أن كسله ومزاجيته هذه اسعفاه في حسن انتقاء اعماله، فاعتمد على النوع لا على الكمّ فيما قدم، وقد يكون انحداره من عائلة فنية وثقافية انعكست وبشكل واضح عليه، حيث أن ما كان يقدمه من اعمال يبدو عليها التثقّف الواضح، والدراسة العميقة.
بداياته كانت مع أعمال الأطفال ورسومات الطفولة وهذا نجده من خلال متابعتنا لمجلتي والمزمار، حيث كان واحداً من رساميّ هذه المجلة، كما قدم عدداً كبيراً من اعمال الأطفال، والتي تركت فيما بعد أثرها على اسلوبه الفني في جانبٍ مُعين من أعماله.
أيضاً كانت للمرأة الحصة الأكبر من اعماله، وحياته، فهو لم ينفك أن يبتعد عن هذه الايقونة، وهذا اللون، وتلك الملامح التي يجسدها من خلال اعماله، حتى اعتاده الجمهور بها، وتميّزت سيدة لوحاته بأنها بغدادية خالصة، تحمل روح المدينة، سكينتها وفوضويتها، وحتى حين حاول الفنان التشكيلي أديب مكي، الابتعاد عن هذا اللون لم يجد المفرّ، فجمهوره دائماً ما يطالبه باستمرار، بتقديم المرأة بشكل الذي تظهر فيه خلال لوحاته.
تشاطرت أعمال أديب مكي، بين الوضوح الممتزج باللون ليجسد الواقعية، وبين البساطة التي توحي بالطفولة، وبين سرّ قدمه أديب مكي للمتلقي بمنتهى دون أيّة شفرات أو ترميز، فأشاع الوضوح وهماً واخفى خلفه الكثير من الحكايا التي يقرأها البعض، ويفسرها آخرون وفق رؤاهم وأمزجتهم، أما ما يفهمه هو فلن يفهمه غيره، قد نستطيع اليوم ومن خلال حوار أقامته ثقافية " المدى" مع التشكيلي أديب مكي لكشف بعض أسرار لوحاته:
* كونك من عائلة عُرفت بالفن والثقافة فما هو مدى تأثير عائلتك فيك كفنّان؟
- مذ كنا صغاراً، وعينا ووجدنا طالب مكي يدرس في المعهد، وكذلك والدي محقق وأديب وكتبي، كبرنا ونمينا بوسط أدبي وفني فمن المؤكد أن تؤثر بيئتي فيّا، أنا لم اتطبع بالفن فمنذ ولادتي وانا ممتزج بالأدب والفن.
* بداياتك كانت كرسام أطفال فما هو مدى تأثير أعمال الأطفال فيما تقدّمه حالياً؟
- قبل أن أجيب على هذا السؤال، يجب أن أخبرك بأني أعمل على عدّة "ستايلات".  وأحد هذه الستايلات، كلما أحاول الابتعاد عنه، وأهجره، أجد الجمهور يطالبني بالعودة إليه وتقديمه من جديد، وهو ستايل رسم النساء، هذا الستايل جاء متأثراً وبشكل واضح وصريح برسوم الأطفال، من حيث التسطيح بالرسم، والألوان الصريحة، إضافة إلى استخدامي الألوان المائية، فالطريقة التي أرسم خلالها المرأة تتقارب مع رسوم الأطفال التي كنت أرسمها في مجلتي والمزمار، ذلك انها تتصف بالبساطة والوضوح، أما باقي ستايلاتي الأخرى التي اقدمها، فبعيدة كل البعد عن ستايل الأطفال.
* قال عنك فاروق سلوم إنك فنّان تتصف بالمزاجية ذي روح متقلبة في مجال التشكيل البغدادي، لماذا وصفك بالمزاجية؟
- في الواقع كان وصفه دقيقاً، اتباعي للمزاجية أسس لعدّة اشياء في فني، لأن المزاجية بطيئة التقديم والحركة، هذا البطء جعلني انتقي الكثير من الأشياء، وجعلني اعمل غربلة لأعمالي من حيث النوع، وبهذا استطعت توجيه أعمالي نحو العرض أو الاشتراك مع آخرين.
* أنت شخص كثير الإنجاز للأعمال الفنية وقليل التوثيق لها، فما هي غايتك من وراء ذلك؟
- هذا صحيح، توجد بعض الأعمال لم يرها أحد حتّى الآن، وبعضها دخلت ضمن معارض شخصية أو مشتركة، كنت اتكاسل وغير مدرك لقضية التوثيق، حين انتقلت للولايات المتحدة، أدركت أهمية توثيق اعمالي، وبدأت اوثّق الكثير واحتفظ بالكثير، لأعود للأعمال كلما جرني الحنين اليها، كما أن التوثيق منحني فرصة تأجيل عرض بعض اللوحات التي استشعر أحياناً أن شيئاً ينقصها، فأخفيها دون توقيع، لأني اعتقد انها غير متكاملة، ولهذا أجد أن هذا الخزن والتوثيق عاد إليّ بالفائدة، خصوصاً في مجال إكمال بعض اللوحات أو التأنّي في إكمالها.
* كيف استطعت الموازنة بين سر اللوحة ورمزيتها وبين الوصول الى المتلقي دون التنازل عن الترميز؟
- الترميز لديّ عميق الغور، وسهل الوصول للمتلقي في ذات الوقت، الرمز والسر يكمن في كامل اللوحة، ولا يكون الرمز لديّ في شيء معين، فالعوامل المترابطة باللوحة هي التي تشير الى الرمز، فعلى سبيل المثال حين  ارسم إمرأة لا أرسم رمزاً معيناً، ولكن السر في اللوحة هي المرأة بأكملها بالعمل الذي تؤديه داخل اللوحة، ملامحها انفعالها، وهنا تنتج علاقة بين اللوحة وبين المتلقي، وقد أشار لي بعض المتابعين، الى أن أحد افكاري الواضحة في اللوحة، هي روحية اللوحة العراقية 100% وتكوينها وهذه واحدة من الأشياء التي لم أكن قد خططت لها، ولكن انا امتزج بالعمل الذي اؤديه وبهذا يرى المتلقي روح الفنان ويفك شفرات ذلك الامتزاج المبهم.
* قدمت الكثير من المعارض خارج العراق.. برأيك أين الفن التشكيلي العراقي من العالمية اليوم؟
- الفن التشكيلي العراقي موجود اليوم في كل العالم، امريكا واستراليا وهولندا، الفنان العراقي اليوم حين يذهب لكل مكان سيبدع، لأنه حمل ابداعه معه، ونقله الى المكان الذي يذهب إليه، الفن العراقي يُنظر له بعظمة وإجلال، والفن العراقي قادر على المنافسة في الخارج، لكن من المؤسف أن الفنان التشكيلي داخل البلد يعاني من التغييب، بسبب المؤسسات العاملة على هذا المجال، فأنا حضرت المعرض التشكيلي السنوي العراقي ووجدت الكثير من الأعمال عظيمة وقريبة جداً من العالمية، ولكن نحن لانجد داعماً أو من يسلط الضوء على اعمالنا، سابقاً كنا نلاحظ اهتماماً عظيماً بهذا الفن، وخصوصاً في فترة الستينيات، حيث كانت هنالك جماعات تقسم وتعمل على أساس الأسلوب والنمط لتقديم الأعمال التشكيلية وتسليط الضوء عليها، ولكن حين بدأ الفن يفرض عليه التوجه السياسي، بدأ يفقد ألقه، وهذا استمر حتى الآن، حيث تأثر الفن بالوضع الحالي وتهاوى للأسف.
* في معرض جميلات أديب مكي لاحظت من خلال إطلاعي على اللوحات، أنها تتضمن وجود نساء، هذه النساء يحملن ملامح امرأة واحدة، كما لاحظت انك ابتعدت تماماً عن تداخل الألوان واخترت الألوان الصريحة تماماً.. فما هي رسالتك أو غايتك  من وراء هذا؟
نعم، فالواقع لستِ الوحيدة التي لاحظت هذا، الكثير من النقاد لاحظوا هذا الأمر وقالوا إنها ملامح امرأة واحدة، أنا انقل الملامح التي أراها دائماً في رسم شخصية من مخيلتي، بالطبع لا أكون قاصداً لذلك، أحاول أن ارسم ما اتخيّله، وأنا من جانبي لا أرى أيّ وجه للتشابه بينهن، ولكن المتلقي يرى ذلك من خلال الروحية التي أضعها في اللوحة، أما فيما يخص استخدامي لألوان صريحة كما أشرتِ، فأيضاً معك الحق، لكن انا رغبت بإدخال تجارب جديدة منها الألوان الصريحة، والعنصر الاكاديمي الواقعي، واستطعت أن اعمل تزاوجاً بين الطريقة الواقعية أو العناصر الزخرفية والتشكيلية، واعتقد أني قدمتها بشكل جيد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الحصيري في ثلاثة أزمنة

الهوية والتعبير الاسلوبي.. مشتركات تجمع شاكر حسن واللبناني جبران طرزي

موسيقى الاحد: احتفاليات 2025

رولز رويس أم تِسْلا؟

تهـــــــريـــــج

مقالات ذات صلة

رولز رويس أم تِسْلا؟
عام

رولز رويس أم تِسْلا؟

لطفية الدليمي كلّما سمعتُ شاعراً أو كاتباً يقول:"أنا كائن لغوي. أنا مصنوع من مادّة اللغة" كان ذلك إيذاناً بقرع جرس إنذار الطوارئ في عقلي. هو يقولها في سياق إعلان بالتفوّق والتفرّد والقدرة الفائقة على...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram