ملف الأهوار والمياه كان حاضراً في فعاليات معرض اربيل الدولي للكتاب، عبر ندوة لوزير الموارد المائية حسن الجنابي، الذي قدم شرحاً مفصلاً ومستوفياً عن أزمة المياه في العراق وملف الأهوار وانخفاض مستوى المياه في العراق، أدارت الندوة وقدّمت لها الإعلامية سع
ملف الأهوار والمياه كان حاضراً في فعاليات معرض اربيل الدولي للكتاب، عبر ندوة لوزير الموارد المائية حسن الجنابي، الذي قدم شرحاً مفصلاً ومستوفياً عن أزمة المياه في العراق وملف الأهوار وانخفاض مستوى المياه في العراق، أدارت الندوة وقدّمت لها الإعلامية سعاد الجزائري، متناولةً بعضاً من مفاصل حديث الجنابي، متطرقة الى سيرته الذاتية الزاخرة بالبحوث والدراسات حول المياه والمشاركات في الندوات والمؤتمرات حول ملف المياه، كما تناولت كتابتها وإصداراتها وترجماتها بهذا الشأن .
الجنابي بيّن في مستهّل حديثه الذي رافقه عرض (بالداتا شوب) أنَّ من يقلل من مخاطر سيطرة الجوار على موارد الرافدين المائية، أو يهملها، يرتكب خطأً كبيراً في التقدير، إذ أن الأمر يتعلق مباشرة بالأمن الوطني العراقي. مستطرداً: وينطبق الأمر بنفس الدرجة، على الذين يعتقدون أن لا حقوق لتركيا في الرافدين لمجرد أنها لم تستغل مياه الرافدين قبل هذا التأريخ. هناك أيضاً اصوات قليلة تروّج أحياناً، عن سذاجة أو جهل. مشيراً: الى فكرة أن يقوم العراق بمباركة وتمويل سد "اليسو" لكي يكون للعراق دورٌ في تشغيله لاحقاً، وهذه فكرة مرفوضة جملة وتفصيلاً.
وأضاف: أن العراق بحاجة الى موقف تفاوضي ذكي وصارم وقابل للتحقيق، بعيداً عن التلويح بالحرب بقدر ابتعاده عن العواطف والشعارات، بل بالانخراط الواعي اقليمياً ودولياً وثنائياً في عمل دبلوماسي مكثّف. متابعاً: وبرامج ومشاريع وطنية واقليمية عابرة للحدود من أجل خلق شروط تشجع على التفاوض المباشر من موقع الشريك القوي، وليس الضعيف المستجدي الذي لا يملك غير الشكوى من دول الجوار في حالتي الفيضان والجفاف!.
واسترسل وزير الموارد المائية: الخوض بالتفاصيل الفنية لمشروع سد "اليسو" شيء مهمّ للنقاش، وهي تفاصيل بعضها معروف ومتاح، وسبق لي الكتابة عنها في الصحف العراقية، مستدركاً: لكن من الضروري تذكير غير المختصين بمعلومات اساسية لغرض إدراك مخاطر المشروع على نهر دجلة، ومنها أن سعة خزين سد "اليسو" تبلغ (11) مليار متر مكعب، وهي اكثر من نصف معدل تصريف دجلة السنوي على الحدود العراقية البالغ (20) مليار متر مكعب. واكبر من التصريف السنوي في اوقات الشحة، حيث يتدنى الى (9) مليارات متر مكعب سنوياً. منوهاً: فمن المؤكد، أن ايرادات نهر دجلة على الحدود العراقية، ستنخفض الى نحو النصف في السنوات الاعتيادية، مشدداً: أن هناك احتمالاً كبيراً بقطع ايرادات النهر تماماً عن العراق في السنوات الشحيحة، خاصة عند اكمال سد جزرة الاروائي على دجلة الى الأسفل من سد "اليسو"، والذي سيستخدم لإرواء مئات الآلاف من الأراضي المستصلحة.
ولفت الجنابي، الى أن العراق أخذ يفقد نسباً كبيرة من مصادر مياهه بسبب السدود التي تقام على الرافدين أو روافدهما النابعة من اراضي دول الجوار الايراينة والتركية. موضحاً: أنه في السنين المقبلة، هناك مؤشرات خطيرة على انخفاض مناسيب المياه الى مستويات تقارب الجفاف ما لم يتم اتخاذ اجراءات كفيلة بمنع ذلك. محذراً: من كارثة بيئية، إن لم يتم تدارك الموضوع بشكل حقيقي يلائم خطورة الجفاف.
وذكر الجنابي في الندوة: النظام المائي الطبيعي في العراق تميّز بالوفرة والتفاوت الموسمي. وإن العراق دولة مصبّ، ولكن كل مياه الرافدين كانت ايرادات عراقية، رغم أن 70% منها تأتي من خارج الحدود. مشيراً: الى أن العراث طوّر شبكة سيطرة ومنشآت هيدروليكية محكمة (اكثر من 100 منشأ كبير). منوهاً: الى أن الوضع المائي في العراق منذ السبعينيات، دون أن تتغير خطط ادارته واستخداماته بما يلائم الحاجة. مؤكداً: أن النظام المائي حالياً هشّ وبسبب ذلك، فالعراق مهدّد سيادياً ومائياً واقتصادياً واجتماعياً وبيئياً.
وبشأن ملف الأهوار بيّن الجنابي: انها امتداد للحضارة السومرية، لكن نظامه هشّ ويسهل افناؤه. بالتالي يؤثر في حياة نحو 5 ملايين مواطن مباشرة. مضيفاً: أن اعداءه كثيرون: الاحترار المناخ والتصحّر، التلوث والزحف “الحضري”. مشاريع دول الجوار، الاهمال وسوء الادارة، نظام معقّد للمسطحات المائية المترابطة هيدروليكياً. مستدركاً: لكن رغم ذلك، فالأهوار لها دور كبير ومهم في ملف الأغذية، وبخاصة الأسماك والطيور، والمياه العذبة، وإرثها الثقافي والروحي. منوهاً: الى تنظيم جريان الأنهار وتنظيم المناخ المحلي والإقليمي. وتنقية المياه من التلوث، ومنع تعرية التربة، والمساهمة في صناعة مواد بناء النقل النهري والاستجمام كما تعدّ خزيناً للموارد الوراثية.
وأضاف الجنابي: أن اهوار العراق التي تم تجفيفها خلال حكم صدام خضعت لخطة تضمنت إعادة المياه الى عشرين ألف كم2، أي ما يعادل 8 ملايين دونم، في مناطق هور الحمار الحويزة، وهي الأهوار المتمركزة في محافظة ميسان جنوباً. مؤكداً: أن عملية إعادة الأهوار تتطلب عمليات هندسية علمية ودقيقة، وهذه الخطة تستمر لسنوات، وكان النظام السابق قد عمل على تخفيض الأهوار من خلال قطع مصادر المياه في المنطقة وتحويلها الى مناطق أخرى، وعبر قنوات منوعة منها نهر العز (الذي يفترض أن يسمى نهر الذل) في منطقة المسيب حيث يبلغ طوله 90 كم2 وهو بالتالي العامل الأساس في تجفيف منطقة الأهوار الوسطى، فضلاً عن وجود مشاريع أخرى مثل (نهري أم المعارك وتاج المعارك سابقاً) بهدف التحكم وتأثيره في الأهوار وسحب المياه منها.
وأضاف الجنابي، بأن نجاح عملية إعادة الأهوار، يعتمد على وفرة المياه، وهذا يعتمد على علاقة العراق مع الدول المتشاطئة. متابعاً: وبسبب انخفاض مناسيب المياه، اضطر العشرات من سكان الأهوار للرحيل عن هذه المناطق إلى بلدان الجوار، بعد انتهاء الحياة فيها في التسعينات من القرن الماضي، فيما لجأ البعض منهم للمدن بحثاً عن فرص عمل لأكثر من 12 عاماً. مستدركاً: لكن معظمهم عادوا بعد سقوط صدام، سعياً في العيش من جديد في الأهوار.
وتشير الوقائع التاريخية، إلى أن نشأة الأهوار في العراق تعود إلى نحو 6500 سنة، وأن حضارات قديمة نشأت على أطرافها أبرزها عصر العبيد (4500-3800 ق.م) وعصور أخرى منها عصر الوركاء وفجر السلالات وسومر والعصر البابلي القديم والعصر الكيشي ونشوء المملكة الآشورية والعصر الكلداني والاخمينيون والفرثيون والساسانيون . ويقطن الأهوار نحو 30 عشيرة ويسكن أهالي الاهوار في أكواخ مصنوعة من القصب والبردي ويعملون بصيد الأسماك والطيور ويستخدمون الزوارق الصغيرة في تنقلهم . وبشأن ملف ادراج المواقع الآثارية والأهوار في العراق، ذكر وزير الموارد المائية: أن ضمّ الأهوار والمناطق الاثرية في العراق، الى لائحة التراث العالمي، يضع الدولة امام التزام كبير لتنفيذ ما تعهد به العراق، "دولياً"، محذراً من ازالة تلك المواقع عن التصنيف العالمي في حال عدم تطبيق برنامج اداري لإدارتها وفق المعايير الدولية. موضحاً: أن عملية ادراج الاهوار والمناطق الاثارية، يفرض على الدولة التزامات كبيرة، اكثر من أي طرف آخر، للسير في تنفيذ الخطة التي قدمتها اللجنة المفاوضة الى منظمة اليونسكو، بشأن وجود برنامج لإدارة تلك المناطق وفق المعايير الدولية".
وأكد الجنابي، أن "الوفد المفاوض، بذل جهوداً كبيرة لإقناع اليونسكو بإدراج المواقع الآثارية والاهوار في لائحة التراث العالمي، بعد تقديم الكثير من الوثائق لإثبات أحقية ضم تلك المناطق، من بينها مقدرة العراق على تنفيذ برنامج بيئي قائم على منهج دولي، فضلاً عن تقديم الدلائل التي تؤكد أن تلك المواقع ذات قيمة عالمية استثنائية"، لافتاً الى أن "تلك المناطق ستبقى مهددة بوضعها على لائحة الخطر من قبل اليونسكو، تمهيداً لإزالتها من لائحة التراث العالمي، اذا لم يتم تنفيذ تلك الالتزامات".
وأشار وزير الموارد المائية في الندوة التي اقيمت ضمن فعاليات معرض اربيل الدولي للكتاب: الى أن هنالك تحديات كبيرة في الحفاظ على الثروة المائية، من بينها السياسات الدولية المتبعة مع الدول المتشاطئة مع العراق وعمليات انشاء السدود، فضلاً عن عمليات الصيد التي يتبعها بعض أهالي الأهوار بطريقة السم أو الصيد بالكهرباء"، عاداً تلك "الطرق المتبعة بعملية ابادة للموارد المائية".
وشدد الجنابي، أن "مسؤوليتنا اليوم تقع في الحفاظ على تلك الأهوار والمواقع، ضمن التصنيف الذي حصلت عليه"، مؤكداً أن "تنفيذ تلك الالتزامات الدولية الجديدة يتطلب عملاً تثقيفيا من قبل الحكومة لسكان تلك المناطق، بشأن التعامل الصحيح وغير الضار مع ما تملكه تلك المناطق من موارد مائية وآثارية مهمة".
وتابع الجنابي، أن "الخطة المعتمدة لدى الجهات الحكومية المسؤولة عن الموارد المائية في العراق، تنصُّ في جانبها النظري على تخصيص المياه في العراق وتقسيمها وفق حصص خاصة بالأنهر والأهوار والمواقع التي تدخل المياه بشكل كبير، جزءاً في عملها، لضمان بقاء الأهوار وحمايتها من خطر
الجفاف".