TOP

جريدة المدى > عام > أسئلة الحياة وسؤال الموت

أسئلة الحياة وسؤال الموت

نشر في: 11 يوليو, 2017: 12:01 ص

لا شيء أكثـر من خوف الكائن، عندما يدرك بأن كينونته قريبة من الهاوية / التعطل أو العطل الكلي . ومغادرة الإنسان عن الدار الحياتي / التقليدي، الذي يعني الوجود الشخصي كله ... وترقب لحظة الصدام مع الفزع المترقب طويلاً . أنها حالة خاصة لا تشبه غيرها ، المم

لا شيء أكثـر من خوف الكائن، عندما يدرك بأن كينونته قريبة من الهاوية / التعطل أو العطل الكلي . ومغادرة الإنسان عن الدار الحياتي / التقليدي، الذي يعني الوجود الشخصي كله ... وترقب لحظة الصدام مع الفزع المترقب طويلاً . أنها حالة خاصة لا تشبه غيرها ، المماثلة لها، لسبب التباين بين الشاعر وإنسان آخر. ما يثير في هذا النص (أنا اعرف) هو وعي الشاعر بالزاحف إليه والتعايش معه بقلق، لكن هذا النوع من التعايش الأسود، جعل الشاعر قابلاً بالترقب وانتظار التقاطاته الشعرية الخاصة والفريدة.

وهذا النص وغيره كثير يُقرأ خاصاً لمرجعيات، لكنه يقرأ عميقاً بدونها . لنصوص كثيرة، مهمة للغاية، قصيرة ضاغطة فنياً وفكرياً ، تضع المتلقي في المرآة التي يرى فيها مجيد الموسوي صورته، وتوحدهما معاً تفاصيل ثقافية، مرجعية، لكن الخصائص الدقيقة لفزع الكائن وخوفه، لا يدركها الشاعر. هو وحده يعرف ما يقول مثل غيره لأنه ما قاله النص كتهويات الفكر الفلسفي ومعلومات ليست صعبة الوصول إليها..
أنا اعرف : أن الوقت يأتي
ويمضي .... مثل الريح
مثل الألم
مثل كل الترهات / مجلة تكسب العدد 19
يقرأ الشاعر لحظة الألم في حركتها . متعايش معها، مكتشف لها تدريجياً، حتى في غيابها، عندما تمنحه وقتاً كي يفكر مع ذاته ويصير متجلياً بالشعر . لذا ابتدأ هذا النص تجريدياً، متخيلاً وكأنه في حالة من التصوف وترقب ما يعرفه ولا يراه، لكن الشاعر حاز ما لم يحز عليه غيره، الزمان متحرك، مثل الريح والألم وكل ما هو تافه وسخيف في الحياة. هو يعرف ذلك ويريد توفير قناعات له بالذي حصل وما المترقب..
أعرف أن الشجرة تعرى
والعشب يصير حطاماً
وتصير الجبال كثيناً مهيلاً / سبق ذكره
ذهب الشاعر في الاستهلال نحو التجريد وكرّس في المقطع الثاني ما هو عياني، مرصودة صورته، ظاهراتيه، فالشجرة والعشب، يواجهان لحظة زمن، يومئ للشاعر في تحقق استحالات لم تكن مألوفة في اليومي والمألوف، لكنها حاصلة في الشعر فقط " وتصير الجبال كثيناً مهيلاً ونلاحظ في هذا المقطع عدداً من الرموز، والعلامات، ولكل منها بنيتها المتشكلة لصورة، على الرغم من التباين بينهما. الفروق كثيرة بين أيقونة الشجرة والعشب، كل منهما كائن والفضاء المحدد في الطبيعة هو كينونتهما وكما قال هايدجر ( كينونة العشب إنما تكمن وراء العشب ككائن، وكينونته الخضرة تكمن وراء ما هو اخضر اللون ككائن).
التحولات حاصلة ، ومستمرة، لا بل هي قانون، فهو يعرف أن الشجرة تعرى والعشب يصير حطاماً والجبال مهيلاً، ويصعد سؤال الشاعر حاداً وقاسياً ومتوتراً بالفزع والخوف على مصير الجماعات التي لا يعرفها..
 ومن يدري ماذا يصير الكون كله
بعد مليار سنة ضوئية / سبق ذكره
وعلى الرغم من السؤال المعبر عن الحيرة والمخاوف على ناس لا يعرف شيئاً عن تفاصيل حياتهم، لكنه يبتدأ مقطعه الشعري الثالث بالتأكيد على انه يعرف كل شيء . ويكاد يكون هذا النص خاصاً بمعارف أو شفرات شعرية عن تقنياته، ولا غرابة، معنونة النص (أنا اعرف) يستمر الشاعر بالمحاججة مع الغائب المقدس، المتمتع بحضور تجريدي، يتمظهر عبر المتحقق الذي يومئ لقوة مقدسة ، لها حضور انه مقدس بشري، وربما يكون متصوفاً مشهوراً..
اعرف كل ذلك
يا مولاي
وأتقنه ...
لكن
لماذا وضعت في فمي السؤال
وفي قلبي الحيرة
وفي جسدي
الموت ! / سبق ذكره
تمركز نص (أنا اعرف) حول كينونته، الإنسان، ولحقت به كينونات أخرى ليست بشرية، وفي ذلك جوهر فني وثقافي، يوحّد بين الكائنات الموجودة والمرتبطة كل منها بكينونة خاصة، ويشف المقطع الأخير عن تصاعد التوتر في داخل الراوي، الشاعر الذي أطلق صرخته الدالة على معرفته التي لم تجعله مغامراً في رحلة البحث عن خلوده، لأنه يعرف بأن ما هو غير معروف سيكون مألوفاً في سرديات التاريخ بعد مليار سنة ضوئية . والسؤال الذي تضمنه المقطع الثالث هو السؤال الوحيد عن الزوال / الغياب / الموت، والراوي، يدرك بشكل جيد جوابه الوحيد أيضاً.
لا يختلف سؤال الشاعر، عن الأسئلة الانطولوجية التي قادت الملك جلجامش للبحث عن جواب لها، وقد واجه مجيد الموسوي محنة جلجامش أكثر من نص أعاد قراءة هذا السؤال برؤية مغايرة، وأرى في هذا النص تكراراً للمحنة الملازمة للكائن وهو ينتظر لحظة الامتحان، مكتفياً بشفرة رسالته الى المقدس، متحدثاً معه بلهجة فيها نوع من القسوة والعتب، لأن كائنه الذي خلفه، لم يكن عادياً، بل عارفاً لكل شيء، وهذا فارق جوهري بين الراوي وجلجامش الذي ذهب بمغامرة من اجل التعرف، بينما الشاعر واجهنا بالعنونة الدالة على الراوي الذي صعد لهجته وهو يقول:
لكن : لماذا وضعت في فمي السؤال
وفي قلبي : الحيرة
وفي جسدي
الموت !
.....
......
لماذا ؟ / سبق ذكره
الخسران في هذا النص عميق للغاية ورمزياته تومئ له ، والتي امتدت في نص آخر كالعشب، واعني به العشب الرمز الدال على الابتداء والجمال المكتنز والمكتظ، المهيب والجليل والذي يعني أيضاً المتشابك / المتغلغل بعيداً في عمق الأرض، مقاوماً جوعه وعطشه . لكنه في نص مجيد الموسوي يواجه حزنه صامتاً ويرضى بموته، فيتحول حطاماً، هو غير الذي نعرفه، هو كيان بناء مادي كبير وضخم، وهذا وحده يصير حطاماً، هو غير الذي نعرفه، هو كيان بناء مادي كبير وضخم، وهذا وحده يصير حطاماً لقد انهارت كل الأحلام، بعد أن تهاوى البناء المكين . ويبدو لي بأن مجيد الموسوي يدرك ذلك، وتعامل معه باعتباره جزءاً من التعرف وقد أشار له لأوّل مرة في نص " مرثية السومري / الى كزار حنتوش / نشرها في نيسان 2011 وتشكل العشب ثانية في النص الذي قرأناه . وفيهما خرج العشب عن دلالته المعروفة لنا وحاز معين أعمق وأقوى ومبتدأ الاشتغال على هذا الرمز ملفتاً جداً لانتباه القرّاء وسأعود ثانية لنصوصه المكرّسة للمراثي ( كان يمكن أن يكون / غير اختباراته / ونوازعه / وجنونه / ذلك السومري الثمل / الذي يخطط مدن العشب / ويكتشف بروق الصعاليك / وسحرهم الخفي .... / ملحق أدب وثقافة / 20نيسان 2011) .
لا شيء أكثر من خوف الكائن، عندما يدرك بأنه كينونته قريبة من الهاوية / التعطل أو العطل الكلي . ومغادرة الإنسان عن الدار الحياتي / التقليدي، الذي يعني الوجود الشخصي كله ... وترقب لحظة الصدام مع الفزع المترقب طويلاً . أنها حالة خاصة لا تشبه غيرها، المماثلة لها، لسبب التباين بين الشاعر وإنسان آخر . ما يثير في هذا النص (أنا اعرف) هو وعي الشاعر بالزاحف إليه والتعايش معه بقلق ، لكن هذا النوع من التعايش الأسود، جعل الشاعر قابلاً بالترقب وانتظار التقاطاته الشعرية الخاصة والفريدة . وهذا النص وغيره كثير يقرأ خاصاً لمرجعيات، لكنه يقرأ عميقاً بدونها. لنصوص كثيرة، مهمة للغاية، قصيرة ضاغطة فنياً وفكرياً، تضع المتلقي في المرآة التي يرى فيها مجيد الموسوي صورته، وتوحدهما معاً تفاصيل ثقافية، مرجعية، لكن الخصائص الدقيقة لفزع الكائن وخوفه، لا يدركها الشاعر . هو وحده يعرف ما يقول مثل غيره لأنه ما قاله النص كتهويات الفكر الفلسفي ومعلومات ليست صعبة الوصول إليها..
أنا اعرف : أن الوقت يأتي
ويمضي .... مثل الريح
مثل الألم
مثل كل الترهات / مجلة تكسب العدد 19.
يقرأ الشاعر لحظة الألم في حركتها . متعايش معها ، مكتشف لها تدريجياً ، حتى في غيابها ، عندما تمنحه وقتاً كي يفكر مع ذاته ويصير متجلياً بالشعر . لذا ابتدأ هذا النص تجريدياً ، متخيلاً وكأنه في حالة من التصوف وترقب ما يعرفه ولا يراه ، لكن الشاعر حاز ما لم يحز عليه غيره ، الزمان متحرك ، مثل الريح والألم وكل ما هو تافه وسخيف في الحياة. هو يعرف ذلك ويريد توفير قناعات له بالذي حصل وما المترقب
اعرف أن الشجرة تعرى
والعشب يصير حطاماً
وتصير الجبال كثيناً مهيلاً / سبق ذكره
ذهب الشاعر في الاستهلال نحو التجريد وكرس في المقطع الثاني ما هو عياني ، مرصودة صورته ، ظاهراتيه ، فالشجرة والعشب ، يواجهان لحظة زمن ، يوميء للشاعر في تحقق استحلات لم تكن مألوفة في اليومي والمألوف ، لكنها حاصلة في الشعر فقط " وتصير الجبال كثيناً مهيلاً ونلاحظ في هذا المقطع عدداً من الرموز ، والعلامات ، ولكل منها بنيته المتشكلة لصورة ، على الرغم من التباين بينهما . الفروق كثيرة بين أيقونة الشجرة والعشب ، كل منهما كائن والفضاء المحدد في الطبيعة هو كينونتهما وكما قال هايدجر ( كينونة العشب إنما تكمن وراء العشب ككائن ، وكينونته الخضرة تكمن وراء ما هو اخضر اللون ككائن ) .
التحولات حاصلة ، ومستمرة ، لا بل هي قانون ، فهو يعرف أن الشجرة تعرى والعشب يصير حطاماً والجبال مهيلاً ، ويصعد سؤال الشاعر حاداً وقاسياً ومتوتراً بالفزع والخوف على مصير الجماعات التي لا يعرفها
 ومن يدري ماذا يصير الكون كله
بعد مليار سنة ضوئية / سبق ذكره
وعلى الرغم من السؤال المعبر عن الحيرة والمخاوف على ناس لا يعرف شيئاً عن تفاصيل حياتهم ، لكنه يبتدأ مقطعه الشعري الثالث بالتأكيد على انه يعرف كل شيء . ويكاد يكون هذا النص خاصاً بمعارف أو شفرات شعرية عن تقنياته ، ولا غرابة ، معنونة النص ( أنا اعرف ) يستمر الشاعر بالمحاججة مع الغائب المقدس ، المتمتع بحضور تجريدي ، يتمظهر عبر المتحقق الذي يوميء لقوة مقدسة ، لها حضور انه مقدس بشري ، وربما يكون متصوفاً مشهوراً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

"حماس بوينس آيرس" أول مجموعة شعرية لبورخس

علي عيسى.. قناص اللحظات الإبداعية الهاربة

مقالات ذات صلة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت
عام

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

أدار الحوار: مارسيلو غلايسر* ترجمة: لطفية الدليمي ما حدودُ قدرتنا المتاحة على فهم العالم؟ هل أنّ أحلامنا ببلوغ معرفة كاملة للواقع تُعدُّ واقعية أمّ أنّ هناك حدوداً قصوى نهائية لما يمكننا بلوغه؟ يتخيّلُ مؤلّف...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram