نعرف المُصنّفات العربية التي تناولت (فن الشعر)، عبر ترجمة كتاب أرسطو، ثم المؤلفات التي نستطيع وصفها بأنها تحمل مفاهيم محلية أصلية. لكن ما هي معرفتنا بالمؤلفات الأوربية عن هذا الفن سوى كتاب أرسطو؟ وماذا يمكن الاستنتاج، حسبما تسمح كلمة عَجُول، من المُقارَبة؟
في القرون الوسطى، نعثر على مُؤلِّفين كتبوا عن الموضوع باللاتينية، كالأب الأنكلوسكسوني بَيْدْ المبجّل (673 - 735): "الفن الوزنيّ"، والأب ماتيو دو فيندوم (ت 1286): "فن النظم" المكتوب حوالي عام 1175، والإنكليزي جيفروا دو فانسوف (عاش بين النصف الثاني من الثاني عشر حتى النصف الأول من الثالث عشر) مؤلف "الفن الشعريّ الجديد" (1208 - 1213) والإنكليزيّ جان دو غارلاند (حوالي 1190 – ت بعد 1252) الذي كتب فصلين شعريين عن النحو أي أجرومية منظومة شعراً، وقصيدة طويلة حول قواعد التشديد، ورسالة في البلاغة.في فرنسا القرن السادس عشر كتب رونسار عام 1565 "مختصر الفن الشعريّ الفرنسيّ"، وجان فوكيلان دو لا فريسنيه "الفن الشعريّ" 1605، وغيوم كوليتيه "الفن الشعريّ" 1657، ثم العمل الأشهر فرنسياً لبوالو "الفن الشعريّ" 1674، ولا ننسى (الفن الشعريّ) المطبوع عام 1690 للشاعر الإيطالي بينيديتو منزيني (1646 - 1704) المشغول بالإيقاعات والأوزان الإيطالية. لحقتها كلها أعمال أخرى بالعنوان ذاته، منها عمل لبول كلوديل عام 1907، وآخر لماكس جاكوب عام 1922. عمل الشاعر بيير رونسار (1524- 1585)، يتضمّن أفكار عصره عن الشعر، ويمنح الإلهام الأولوية على التقنية، والشاعر الأفضلية على نظَّام الأبيات.فوكيلان دو لا فريسنيه (1536 – 1607)، شاعر فرنسيّ آخر، وكان من أتباع رونسار، يمتاز كتابه بأسلوب خشن قليلاً، لكنه مثير للاهتمام، لجرأة أفكاره، إذ يُطالب بأن يحلّ جبلُ البارناس الشعريّ المسيحيّ محلّ الميثيولوجيا القديمة وجبلها الشهير البارناس مُلْهِم الشعراء عند الإغريق.ويشكل عمل نيكولا بوالو المذكور قصيدة تعليمية طويلة من 1100 بيت، مكتوبة على بحر السكندريّ الكلاسيكيّ، تُعالِج القواعد الأساسية للكتابة وفق الأبيات التقليدية، والطريقة المثلى للوصول إلى الكمال الشعريّ. الجميل بالنسبه له مُشتقّ من الحقيقيّ. بوالو يستوحي هوارس وأرسطو.لدينا أيضاً فولتير وعمله "دراسة عن الشعر الملحميّ" التي نشرها عام 1733 بعد قصيدته الطويلة "الهنرياد" المكتوبة على شرف ملك فرنسا هنري الرابع. الاستنتاج الأوليّ: مفهوم (الشعرية) المُختلِف والمُتشابك مع (فن الشعر) قابع في الأدبيات الأوربية، بل يمكن القول إن مفهوم الشعرية في الثقافة الفرنسية متقدّم زمنياً ومتفوّق على مفهومنا المُسْتحدَث المُترْجَم الراهن. نقرأ لراسين (1639 - 1699) أن: "جميع الفنون شعر"، ونتوقف أمام كلمة الماركيزة دو رابوتان-شانتال دو سيفينييه (1626 - 1696): "الأسلوبَ المجازيّ [في النثر] هو شعرٌ". العلاقة بين الشعر والنثر واعتبار أن الشعرية تتعلق بشيء (آخر) غير الشكل والوزن لا نرى مثلياً لها إلا في نتف نادرة للمُصنفين العرب القدامى (كابن خلدون).لعلَّ عمل بودل كلوديل (الفن الشعريّ) 1907 لا يدخل في سياق ما تعنيه بالضبط عبارة (الفن الشعريّ)، إنما هو رؤية للكون بصفته عملاً شعرياً، وفي معرفة الزمن، ويُشكّل قسمه الثالث رسالة في (معرفة وولادة الذات co-naissance) وهي فكرة سترد فيما بعد عند رولان بارت. أما القسم الأخير المعنون (تطوُّر الكنيسة) فهو تأملات حول العمارة الدينية ودلالتها الرمزية.ماكس جاكوب يستلهم كتابه "الفن الشعريّ" من مدرسة روشفور Rochefort. ويأخذ شكل القول المأثور أو الحكميّ، تعليميّ في نهاية المطاف.الشاعر الكريوليّ غليسان (1928 - 2011)، أصدر منذ عام 1956 مجموعة أعمال، حملت العناوين: "شمس الوعي، الشعرية 1" و"النيّة الشعرية، الشعرية 2" و"شعرية العلاقة، الشعرية 3" و"رسالة الجميع، الشعرية 4"... الخ. والبعض يُسمّى هذا كله (الشعريات) أو (الفن الشعريّ). ينحني العمل على "سياسة الأدب" إذا صح التعبير، بالمعنى اليونانيّ لمفردة سياسة، وما يخرج منها من (فن شعريّ). الاستنتاج الثاني: لا نرى مثلاً لذلك تقريباً في ثقافتنا الشعرية.
(الفن الشعريّ): تقاطع وافتراق
نشر في: 17 يوليو, 2017: 09:01 م