بسبب الحماسة والانحياز للذات أو بسبب الغفلة، وهذا مؤسف، يرى الأديب نفسه معبّأً بقوة، أو بقوى، تغيير. هي ثقة بالنفس مطلوبة، ولكننا نريدها عاقلة. بماذا نُحدث أو نغيّر؟ بالكتابة. وهنا يكون تقديرنا الى الكتب المهمة، أما التي تطوّر وتوسع الذائقة و
بسبب الحماسة والانحياز للذات أو بسبب الغفلة، وهذا مؤسف، يرى الأديب نفسه معبّأً بقوة، أو بقوى، تغيير. هي ثقة بالنفس مطلوبة، ولكننا نريدها عاقلة. بماذا نُحدث أو نغيّر؟ بالكتابة. وهنا يكون تقديرنا الى الكتب المهمة، أما التي تطوّر وتوسع الذائقة والرؤية وأما تلك المباشرة والتي تكون الكتابة بتوجيه او التزام لنشر فكر معين. الاولى تأثيرها بطيء وبعيد فيتغلب الإجراء السياسي، في الأثناء، ويشغل المسافة الفاصلة فهو ذو أثر مباشر وآني. وأما الثانية فهي لا تخرج عن المدى المفتوح لاتجاهات الصراع، فنحن بين التقدم والرجوعية أو العمل المضاد، وفعلها الأساس والأخير ليس فعلاً أدبياً. الأدب صار وسيلة عمل، واما الأدب العام بأنماطه أو أجناسه ومن السيرة الى الرواية فهو ربما جاء بمتعة وترك استلطافاً لاغير..
وبالنسبة للسيرة مثلاً، لا أظنها تحدث تأثيراً أكثر مما تحدثه حكايا مضت، عموماً نحن ما نزال نراوح بين المعلومة والمتعة الفنية. لكن المعلومة يمكن توافرها بوضوح أكثر وأكثر دقة في الرسائل والوثائق وسجلات الدولة.
التوسع في منح الاهمية يجعلنا نسير بثياب أوسع من حجومنا فما هي القوة التي يحس بها الاديب عظيمة وخيّرة؟ اتوقف عند قوة تجميع وتأكيد المعاني وخلق مجال جمالي يحدثنا عما نحب ونكره بتهذيب وبلغة اكثر صفاءً وإمتاعاً .
كتب الأدب مهمة ومؤثرة ادبياً. لكن من يضمن وحدة التأثير في اوساط قراءٍ مختلفي العقائد والثقافات والمعسكرات؟ التأثيرات ستكون مختلفة ولا نملك أجهزة تحددها وتحدد سعتها ونوعها. بعض الكتب ثورية المضامين، تكون ذات تأثير مضحك أو تكون مثبِّطة ودافعة لليأس، وبعضها تبعث على الحزن أو على الابتسام استخفافاً..
ثقافة القارئ تسهم في توجيهها. القارئ السياسي قد يستخف بمقولات شخوص الرواية وحتى بفهم الكاتب للحدث. ثم أن الادب، بخاصة الحديث منه، لا يتحرك في بيئة خالية مخصصة فقط لحركته. هو في بيئة فيها ايديولوجيات وعقائد دينية وقومية وانتماءات عديدة اخرى. المنطقة الفارغة هي للقراء البُلْه الذين أساساً لا يفهمون ابعاد النص . واحدهم يفهم لقُطاً أو يستطرف، أو لا يكمل القراءة . والقراء النخبة نسبتُهم قليلة ولا يتأثرون بكل ما يقرأون. لهم مؤثرات اخرى وليسوا بلا ميول ونزوعات.
يتحمس الحكام وقادة الاحزاب السياسية في التأكيد على دور الأدب ويحرضون على الكتابة. هذا الاهتمام ليس اهتماماً ادبياً. هو اهتمام بما يعنيهم، بخدمات "الادب" لهم. وادب خدوم مثل هذا قريب عادة من الكتابة الصحفية. هو ادب إخباري بمعنى ناقل افكار و معلومات تؤدي خدمات ايديولوجية. نحن نعرف أي أدب يكتب في زمن الاحداث و المناسبات الدينية والسياسية، .. وحتى بالنسبة لهذه "الانحرافة" عن الفن الأدبي الإبداعي، في زمن فضائيات بهذا العدد وصحف بهذا العدد ووسائل بث واتصال ونشريات تتولى طبعها ونشرها أحزاب ثرية وقادة متموّلون، يكون فعل حتى ذلك الأدب غير المريح، بالنسبة للمعنيين بالابداع، فعلاً أقل مما نتصور. أولى بالأديب أن ينتمي لفنه، وفنه التقدمي أو المستقبلي، وبالنسبة للحال الثانية، هو مضطر للتواضع في تأثيره على السياسة. فالصراع تم إقراره وتحديده على أسس ستراتيجية وعلاقات دولية وتنازلات و "بيع – شراء" ..
مقابل هذا اتسع مفهوم الأدب وارتفع وهو، كما نعلم، لم يعد تقريرياً ليكون له فعل تحريضي، ولم يبق ساذجاً بسيطاً يمكن الحكم عليه بسهولة او التحكم فيه. عدا ذلك، هو أدب هامشي لا يُعتَدّ به نقدياً أو فنياً. هو لا يُهْمَل في هذه الحال حسب، ولكن يخسر رفاهَهُ واحترامه أيضاً. أمر مؤسف اضاعة الفن او خسارته بالانفعال الآني، عدا ذلك سيكون فناً ومع الإنسانية العظيمة!
أن يكون بين الكاتب الأدبي والسياسي الاحترام والتخصص، لا العلاقة الانتفاعية، ذلك يبقي الأدب فناً أدبياً محترماً ويظل السياسي إنساناً محترماً لا هذا مولّى عليه ولا ذلك والٍ. كم من "الأدباء" يسترضون اصحاب المواقع والمال حتى أن بعض ذوي المواقع لا يرغبون بهذا ولا يطلبونه..هذه علائم سقوط وإن اختلفت الاساليب.
أدباء التوسلات والاسترضاء يعملون عادةً في المنطقة الهشة بين الإبداع واللا أدب.
للأدب الجاد والمحترم فسحة للتأثير والاسهام في بناء الحضارة والتقدم المدني مع الافكار والفنون. ذلك هو طريق نجاح الاديب وطريق احترامه. وصفة الفن الانساني صفة لا أجلّ منها ولا اكثر في العاقبة ربحاً! انا لستُ مثالياً ولا قانطاً من ايجابيات الفعل الأدبي. لكني أولاً اريد سلامة العمل الادبي، ثانياً جلاله وقيمته الانسانية بهذين يحقق حضوره المحترم والأبعد تأثيراً و أبقى. إذا امتلك الكاتب الأديب زمام المبادرة ونقطة الشروع ووضع هو هدفه، سيكون فاعلاً ايجابياً مؤثراً وسيسهم في التقدم. المهم هو أن يواصل الادراك، أي يتسع وعيه وأن يمتلك قوة الحركة الى المستقبل. وهنا تتحقق الثورية المطلوبة منه. بهذه يلتقي بالمدى الفاعل خارج الكتاب. هذا المؤثر "الجيني" الصعب والقوي والناشط، وهذه المؤثرات، المنتمية له، هي التي تمنح الكتاب حضوراً حميماً وبها سيجد فُسَحَ عمل إبداعي فني واجتماعي ثوري. الأدب "الخادم" ، العامل تحت الهيمنة يسترضيها، وحتى ينافقها احياناً، لا يعني كثيراً بالنسبة للادب ولا يسعف الروح الثوري ويغذيه. أدب مثل هذا، تقليدي وفاقد القيمة كأيّ شيء مصادَرٍ مستنفَد. فضلاً عن "خدمية" هذا الأدب وافتقاده للجوهر الانساني المشع. هو لايفعل اكثر من مقالة في صحفية أو خطبة. فضلاً عن أن الاشادات اللفظية، بالرغم من شكلها الأدبي، لن تكون يوماً أدباً. هي تكليف الادب للعمل في السوق! الأدب لا يعمل في خدمة صراعات موسمية . هو يصنع جبهة صراعه. هذا يعني هو ليس بعضاً من ولا تابعاً الى. هو جعل الموضوع وأجواءه وما في هذه الاجواء من افكار، من ملكياته الخاصة هو وهي تابعة له. هنا امتلك كل قوته وهنا يمكن أن يكون ثورياً ومؤثراً بعيد التأثير. المنظور الشخصي هنا منظور أدبي، مادام العمل أدبياً! الاديب حين يكون في كامل استقلاله يكون بكامل فعله .
باختصار، لا نريد الأديب تابعاً يستجدي الرضا ولا نريده فرداً في فيلق ضمن حرب لايدري ما هي نتائجها. وحتى اذا كانت وعرفها ، فلن تكون مما يسعى لها فنه ولا مما يتمناه للحضارة والتقدم البشري لأن هكذا صراعات، آنية نفعية، غير معنية بالحضارة ولا بمستقبل الإنسان.